هل تؤجل "أوبك+" رفع الإنتاج المقرَّر في يناير 2021 ؟

النفط
النفط المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما يجتمع وزراء تحالف "أوبك+" افتراضياً غداً الإثنين، ستكون مدينة فيينا التي عادةً ما تستضيف اجتماعاتهم مغلقة، بما في ذلك محلات التسوق لعيد الميلاد، وسيكون شارع "رينغ شتراسه" الشهير صامتاً، وهو مشهد يستدعي التأمل.

لكن بالرغم من أنَّ العاصمة النمساوية تقدِّم مثالاً بارزاً للإغلاق الناجم عن الموجة الثانية من كورونا في أوروبا والولايات المتحدة، فالصورة على المستوى العالمي مختلفة.

ففي آسيا، يتناقض الوضع تقريباً عما هو عليه في فيينا، وكانت الشوارع في الهند ممتلئة مؤخراً أثناء عيد الأنوار، كما ذهب الملايين في الصين بالسيارات، والقطارات، حتى بالطائرات في الأسبوع الذهبي لزيارة أقاربهم عبر الدولة.

وهذا التباين بين الشرق والغرب يزيد الأمور تعقيداً على "أوبك+" التي يتعيَّن عليها من 30 نوفمبر حتى 1 ديسمبر أن تقرر إذا كانت ستؤجل رفع الإنتاج المقرر في يناير، أم لا. وإذا كانت ستؤجله، فإلى متى. وهناك أيضاً انقسام مهم آخر في سوق البترول، ففي حين تعافى الطلب على البنزين والديزل إلى حوالى 90% من المستويات الطبيعية، يتخلَّف الطلب على وقود الطائرات بحوالي 50%.

مداولات أكثر صعوبة

وقال بسام فتوح، "رئيس معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة"، إنَّ حجم الصدمة وتأثيرها المتفاوت يعني أنَّ عملية التعافي لن تكون سلسة.

وسرَّاً، يتحدَّث ممثلو "أوبك+" عن اختلالات التعافي سواء جغرافياً أو بين المنتجات المكررة. كما يزداد حديثهم كذلك عن موضوع آخر متعلق بجودة البترول الخام، وذلك لأنَّ سوق الخام الثقيل عالي الكبريت، أو ما يطلق عليه الثقيل الحامض، ينخفض فيه المعروض نتيجة تخفيضات الإنتاج في السعودية، وروسيا، وكبار المنتجين الآخرين، في حين أنَّ سوق ما يعرف بالخام الخفيف متخم بالمعروض، وهو يعود جزئياً إلى عودة براميل البترول الليبية إلى السوق بعد وقف إطلاق النار، وإلى استهلاك المصافي الأوروبية كمية خام أقل من بحر الشمال.


كل تلك العوامل تجعل مداولات وزراء "أوبك+" أكثر صعوبة؛ نظراً لعدم امتلاكهم سوى أداة مفيدة واحدة تحت تصرفهم، وهي رفع أو خفض الإنتاج الإجمالي، فدول "أوبك+" لا تستهدف إنتاج البنزين أو وقود الطائرات، وإنما النفط الخام فقط.

وهناك عقبة جغرافية كذلك، فمعظم إنتاج "أوبك+" يذهب إلى آسيا، لأنَّ الطلب قوي، وليس إلى أوروبا وأمريكا، مما يعني أنَّه ليس بإمكانهم فعل الكثير لمعالجة التخمة في المنطقتين الأكثر أهمية. كما أنَّ جودة الخام تمثِّل مشكلة أيضاً؛ لأنَّ معظم إنتاج "أوبك" من الخام الثقيل الحامض، وبالتالي لا يمكنها فعل الكثير نسبياً لكبح الفائض من الخام الخفيف الحلو.

خفة وطأة موجة كورونا الثانية

ومع ذلك، هناك أمر يقدم بعض المواساة، فبالرغم من أنَّ تعافي الطلب على البترول الذي بدأ في مايو تعثَّر في أكتوبر ونوفمبر مع الموجة الثانية من الوباء، فإنَّ الضرر لم يكن مماثلاً لأوائل العام، كما أنَّ الإغلاقات في أوروبا ليست حادَّة مثل الموجة الأولى والطلب في آسيا يرتفع، وليس في الصين فقط، وإنما أيضاً في الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية.

وتظهر بيانات استخدام الطرق تراجعاً في أوائل نوفمبر بنسبة 30% عن مستويات ما قبل كورونا، مقارنة بحوالي 70% في أواخر مارس وأوائل أبريل، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ نيوز". وتشير أحدث البيانات إلى أنَّ الطلب على وقود المركبات وصل لأدنى مستوى في 15 نوفمبر، ويتعافى منذ ذلك الحين، وفي ظل تخفيف الدول الأوروبية لتدابير الإغلاق قبيل عيد الميلاد، وعلى الأرجح سيتعافى الطلب أكثر.

علامات قوة في سوق النفط

وعند مراجعة كلِّ ما سبق، سنجد أنَّ السوق ليس سيئاً، كما بدا منذ أسابيع قليلة، وتعكس أسعار البترول الرؤية الأكثر إيجابية، إذ صعد خام برنت فوق 45 دولاراً للبرميل، وانقلب المنحنى، وأصبحت العقود ذات الآجال القريبة تتداول بفارق سعر أعلى عن تلك البعيدة، وهذه الآلية المعروفة بالتأجيل، التي تكون عادةً إشارة على الصعود المتوقَّع في الأسعار، تعني أنَّ الطلب يتفوَّق على المعروض.

ويظهر السوق المادي، إذ يتمُّ تداول براميل حقيقية، علامات على القوة أيضاً، فيتمُّ شراء أنواع الخام المفضلة لدى المصافي الصينية بعلاوات متزايدة، وعلى سبيل المثال، تمَّ تداول خام "ESPO" الروسي الذي تحب المصافي الصينية المستقلة شراءه، ويطلق عليه "أبريق الشاي"، بعلاوة قدرها 2.85 دولاراً للبرميل عن سعره القياسي، بارتفاع 55 سنتاً عن منتصف أكتوبر، وتتحسَّن التوقُّعات أكثر لما بعد الربع المقبل.

اللقاح

ويتفاءل الكثيرون بالفعل بشأن تأثير لقاح فيروس كورونا على الطلب على البترول، وإذا كانوا محقين، ففي منتصف العام المقبل ستجتمع "أوبك+" مجدداً، وستمتلئ شوارع فيينا مجدداً بالسياح الذين يرتبكون من رؤية وزراء البترول تلاحقهم مجموعة من كاميرات التلفزيون عبر العاصمة النمساوية.

وتعتزم "أوبك+" بشكل مبدئي عقد مؤتمرها النفطي الدولي نصف السنوي، وهي مناسبة مدتها يومين، في قصر هوفبرغ الإمبراطوري في يونيو 2021.

ويقول داميان كورفالين، محلل البترول في "جولدمان ساكس": "تشير فاعلية اللقاحات، وتوافرها إلى تعافٍ كبير في الطلب على البترول العام المقبل بما يكفي للسماح لـ"أوبك" بتحقيق التوازن في المخزونات الفائضة، وكذلك زيادة الإنتاج بحدَّة".

ليبيا

وفي الوقت الحالي لا يزال يتعيَّن على "أوبك+" القيام ببعض الخطوات، وإذا أرادت مواصلة استنزاف المخزونات المتراكمة منذ أوائل العام الحالي، فيجب أن تجعل المعروض أقل في السوق بدلاً من موازنة العرض والطلب ببساطة، ومع ارتفاع الإنتاج الليبي، يعتقد الاقتصاديون داخل "أوبك" أنَّ المخزونات العالمية سترتفع بحوالي 200 ألف برميل يومياً خلال الربع الأول من 2021، إذا رفعت المجموعة الإنتاج كما هو مخطط في يناير، أما إذا أجَّلت الرفع لثلاثة أشهر، فستنخفض المخزونات بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً ما بين يناير ومارس، أي بكمية مشابهة لما توقَّعتها في الربع الرابع من 2020.

وقال جوردن جراي، المدير العالمي لأبحاث أسهم شركات البترول والغاز في "إتش إس بي سي": "المهمة بعيدة كل البعد عن الانتهاء".