"بوتين" محق.. لا مفر من الدولار

فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي المصدر: أ.ف.ب
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يكون السلاح الأكثر فعالية في صراع أمريكا مع منافسيها الاستراتيجيين والاقتصاديين هو الـ 100 سنت الأمريكي.

إنَّ دولاً مثل روسيا والصين تشعر بالاستياء من هيمنة الدولار، ولكن، لا يوجد الكثير مما يمكنها فعله، عدا اتخاذ موقف، وإجراء تعديلات حميدة نسبياً على ترتيباتها النقدية.

عملة عالمية

اعترف بذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الأيام القليلة الماضية، بقوله للصحفيين: "لا نريد التخلُّص منها، لأنَّها عملة عالمية".

ويأتي هذا في الوقت الذي لا تسير فيه حملة الصين لتدويل "اليوان" بسرعة كبيرة، برغم تلقِّيها الدعم من "صندوق النقد الدولي" في عام 2016.

جاء حديث "بوتين" بعد أن قال صندوق النفط الروسي، إنَّه سيتخلَّص من حيازات الدولارات، ويحولها إلى اليورو، والذهب، واليوان.

وستتمُّ التحويلات داخل احتياطيات البنك المركزي، ولم يكن هناك تأثير يذكر على الأسواق.

عقوبات أمريكية

خلفية كل هذا هي معارضة روسيا للعقوبات التي فرضتها واشنطن منذ أن ضمَّ "بوتين" شبه جزيرة "القرم" من أوكرانيا في عام 2014.

ومنذ ذلك الحين حاولت روسيا الحد من تعرُّضها للأصول الأمريكية.

وفي عام 2019، نقلت شركة النفط العملاقة "روسنفت" الحكومية عقود تصديرها إلى اليورو.

وانخفضت حصة روسيا من الصادرات المباعة بالعملة الأمريكية إلى أقل من 50% للمرة الأولى في الربع الرابع من عام 2020.

تفوق الدولار

على الرغم من نجاحها، أقرَّت روسيا أنَّ الدولار واسع الانتشار في كل مكان في التجارة العالمية، لدرجة أنَّه من الصعب العمل كمجتمع حديث بدونه.

يمثِّل الدولار ما يقرب من 60 %من احتياطيات البنوك المركزية العالمية، و88% من معاملات الصرف الأجنبي التي تجري مقابل العملة الأمريكية. وحوالي نصف القروض العابرة للحدود، وسندات الدين الدولية المقوَّمة بالدولار.

عندما توقَّفت الأسواق في وقتٍ مبكر من جائحة كوفيد-19، كان الاحتياطي الفيدرالي - وليس "بنك روسيا"، أو "بنك الشعب الصيني" - هو الذي تحرَّك بقوة وبسرعة تجاه النظام المالي العالمي.

الهيمنة العالمية قد تتراجع

لكن هل تفوُّق الدولار منيع؟ هناك أسباب للشكِّ في ذلك. سيشمل العجز القياسي في الميزانية الأمريكية بيع المزيد من سندات الخزانة التي تعزز العرض العالمي للعملة الأمريكية، والعجز التجاري آخذ في الازدياد. (وهذا ليس حديثاً جديداً).

ففي حين يهمين الدولار على إجمالي احتياطيات البنوك المركزية بمقدار 59%؛ فإنَّ هذا هو أدنى مستوى له منذ 25 عاماً، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

لقد كانت إجراءات "بنك الاحتياطي الفيدرالي" في مارس 2020، فعَّالة في منع أزمة الصحة العامة من أن تصبح كارثة مالية، لكن هذه المؤسسة حساسة للغاية تجاه مزاج الكونغرس. إذ يمكن للمشرِّعين إضعافها في أيِّ وقت يرغبون فيه.

حتى الآن، تجنَّب "الاحتياطي الفيدرالي" هذا الصدام. إنَّ البنوك المركزية الخارجية التي تلقَّت خطوط تبادل الدولار عندما تفشى الوباء، هم حلفاء أو شركاء للولايات المتحدة. وسيكون من الصعب على بنك الاحتياطي الفيدرالي إعطاء خط تبادل العملة، لبلاد، كالصين أو حتى هونغ كونغ.

ففي حال حصول ذلك، سيتمُّ انتقاد صنَّاع هذه السياسة بشدة في مبنى الـ"كابيتول هيل". وبالنتيجة، قد تعيق هذه الخطوط الحمراء الفاعلية.

اليوان الصيني

حتى الآن، أتت محاولة بكين لتعزيز صورة "اليوان" بعوائد هزيلة، ولكن يُنظر إلى هذه المحاولة على أنَّها لعبة نَفَس طويل.

فمن المتوقَّع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني نظيره الأمريكي مع حلول نهاية هذا العقد.

ووفقاً لحسابات "بلومبرغ"، وبناءً على توقُّعات صندوق النقد الدولي؛ ستساهم الصين بأكثر من خمس إجمالي الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي حتى عام 2026. وستكون الولايات المتحدة والهند في المركز الثاني والثالث، مع وجود اليابان وألمانيا في المراكز الخمسة الأولى.

منطقة الدولار

ومع ذلك، قد يفتقد الحجم الأصلي للدولار بعض الديناميكيات الأساسية في المناطق التي يهيمن فيها، حتى لو كانت خارج حدود الولايات المتحدة.

حول ذلك، كتب روبرت ماكولي، المساهم غير المقيم في قسم التنمية العالمية في مركز السياسات في "جامعة بوسطن"، أنَّ حصة منطقة الدولار، التي تعرف على أنَّها اقتصادات تختلف عملاتها مقابل الدولار أقل من اليورو أو العملات الرئيسية الأخرى، ظلَّت عند 50% إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

يقول ماكولي، المسؤول السابق في "بنك الاحتياطي الفيدرالي"، و"بنك التسويات الدولية" في ورقة بحثية: "في حين تقلَّصت منطقة الدولار جغرافياً مع تحرُّك الخط الفاصل بين اليورو والدولار شرقاً في أوروبا؛ فإنَّ النمو الأسرع في آسيا في مناطق مرتبطة بالدولار قد حافظ على حصة الدولار".

دبلوماسية الدولار

وبالنظر إلى هذه القوة، هل يمكن للولايات المتحدة أن تتوسَّع وتشجِّع المزيد من المناطق على التنويع؟

على الرغم من كل الانبهار الشعبي بحاملات الطائرات الصينية، والقلق بشأن إلقاء "بوتين" بثقله، استخدمت واشنطن على الفور دبلوماسية الدولار أو أسلحة الدولار.

إنَّ روسيا ترى هذا مصدر انزعاج كبير. فقد قال وزير المالية، "أنطون سيلوانوف"، للتلفزيون الحكومي، في منتدى "سان بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي، الذي عقد الأسبوع الماضي: "تلعب الجغرافيا السياسية دوراً، ونحن نحاول حماية استثماراتنا".

المستقبل يظل للعملة الخضراء

ستستمر روسيا والصين وخصوم آخرون في محاولتهم للتخلُّص من تفوُّق الدولار. قد ينجحون قليلاً في الهامش.

لكن، من أجل استبدال الدولار، يحتاج طالب هذا العرش لامتلاك سمات أمريكا، بما في ذلك أسواق رأس المال العميقة ذات السيولة، والبنك المركزي المستقل، وسيادة القانون، على سبيل المثال لا الحصر (وهنا ذكرت بعض السمات الإيجابية دون التعرُّض إلى العيوب).

إنَّ الناس محقُّون في القلق بشأن النظام السياسي باستقطابه المتزايد، ذاك الذي يمكن أن يعيق صنع السياسات، ويقوِّض الشرعية المتصوَّرة للمؤسسات الأساسية. لقد كان التمرد في يناير، الذي حدث عندما اقتحمت حشود من أنصار "دونالد ترمب"، مبنى الكونغرس، درساً في الهوامش للديمقراطية القابلة للتفجر، وتسبَّب ذلك في إلحاق ضرر كبير بالسمعة.

وفي مرحلة ما، قد يفقد الأمريكيون شهيتهم تجاه المسؤوليات الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية العالمية، تلك التي تحمَّلوها منذ عام 1945.

حتى ذلك الحين، استعدوا لمستقبل يسود فيه الدولار. وليس عليكم تصديق كلام رئيس "بنك الاحتياطي الفيدرالي"، "جيروم باول"، أو الرئيس "جو بايدن"، فلقد أنجز "بوتين" العمل نيابةً عنهم.