المستثمرون يتهافتون على النحاس.. لماذا؟

شحنات من النحاس
شحنات من النحاس المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشهد سوق النحاس موجة اهتمام ملحوظة لامثيل لها، من قبل المستثمرين منذ عشر سنوات.

ورفعت التدفقات الهائلة من دولارات المستثمرين سعر المعدن الصناعي الرائد إلى أعلى مستوى في 7 سنوات ليصل إلى سعر 7520 دولاراً للطن خلال الأسبوع الجاري.

كما يستعد المتداولون، الذين يتذكَّرون آخر سوق صاعدة للنحاس، التي أخذت المعدن فوق 10 آلاف دولار للطن في 2011، للمزيد من الارتفاعات الشاهقة نظراً لإثارة توقُّعات التعافي الاقتصادي العالمي لمخاوف التضخُّم، إلى جانب ضخِّ الحكومات للأموال في حزم التحفيز "الخضراء" كثيفة الاستهلاك للمعادن.

وقال "مارك هانسن"، المدير التنفيذي لشركة "تداول السلع" في لندن"كونكورد ريسورسيز": "نحن في موقف غير مسبوق، إذ تبحث كميات أكبر من أي وقت مضى من الأموال عن شيء تفعله. وربما لم يكن النحاس جزءاً من توجُّهات المستثمرين المتمحورة حول الطاقة الخضراء، منذ 10 سنوات".

تحوُّل كبير

ويمثِّل الارتفاع تحولاً كبيراً، في سوق النحاس، مثل أغلب السلع، وكان متراجعاً خلال معظم العقد الماضي، كما هبطت الأسعار بأكثر من 50% من أعلى مستوى وصلت إليه في 2011، وكانت تتداول دون 5 آلاف دولار للطن، خلال ركود 2015 و2016، وفي 2020 حاليَّاً.

كما انخفضت أسهم شركات التعدين أيضاً، وأغلقت صناديق التحوُّط التي تركز على السلع، أو تقلَّصت إلى جزء صغير من حجمها السابق، مثل "أستنبيك كابيتال مانجمينت"، و"كلايف كابيتال".

وتحظى السلع حالياً بإقبال ملحوظ، وسط التوقُّعات بتعافي الاقتصاد العالمي، وضعف الدولار، وارتفاع التضخم، وصعد مؤشِّر "بلومبرغ للسلع الفورية" بنسبة 43% منذ مارس.

وقال "إيفي هامبرو"، المدير العالمي للاستثمار القطاعي في "بلاك روك" في لندن، التي تدير 16 مليون دولار: "نتوقع أن يتجاوز التضخُّم توقعات السوق الحالية، نظراً للزيادة غير المسبوقة في محفِّزات السياسات المالية والنقدية. وعندما نعود للماضي، نجد أن السلع والأسهم المرتبطة بقطاع التعدين، لعبت دوراً فعالاً في رفع توقُّعات التضخم".

وينطبق ذلك على جميع السلع، على أنَّ النحاس يستفيد من عوامل أكثر تحديداً، تجعله رهاناً مفضلاً بين المستثمرين طويلي الأجل.

وبالرغم من توقُّع الكثيرين لتعافي أسعار البترول على المدى القصير مع بدء عودة العالم للوضع الطبيعي، فإنَّ هناك شكوكاً حول آفاقه طويلة الأجل، مع اكتساب اتجاه التحول نحو الطاقة المتجددة زخماً. أما النحاس فسيستفيد من هذا التحول بسبب استخدامه في الأسلاك الكهربائية.

ويؤكد بنك "غولدمان ساكس"، الذي توقع الشهر الحالي "سوقاً صاعدةً هيكلية" جديدةً للسلع، على أنَّ حزم التحفيز – مثل خطة الصين الخماسية، واتفاقية أوروبا الخضراء، وحزمة الرئيس المنتخب "جو بايدن" للولايات المتحدة ، سيكون لها تأثير طفرة الإنشاءات الصينية نفسه في بداية القرن الحالي.

ويقول "ديفيد لايلي"، مناصر سوق النحاس، ومؤسس صندوق التحوط الذي يركز على السلع "دريكود كابيتال مانجمينت" في لندن، الذي حقَّق عائدات "في أعلى خانة العشرات" منذ إطلاقه في مايو الماضي: "العالم يعيد هندسة قطاعات النقل، وتوليد الكهرباء، وتخزين المعلومات، وتوزيع البضائع. والحكومات حول العالم تدعم وتشجع هذا التحول (نحو الطاقة النظيفة)، ومن المؤكد أنَّ التأثيرات على الطلب على المعادن، ستكون مثيرة للحماسة".

وهناك عوامل قصيرة الأجل تجعل النحاس رهاناً جذاباً أيضاً؛ فعلى عكس البترول، يُعدُّ المعروض من النحاس ناقصاً بالفعل، لأن الطلب أقل تأثُّراً بفيروس كورونا، ولأنَّ الصين عزَّزت مشترياتها مع تراجع الأسعار.

وارتفعت واردات الصين من منتجات النحاس المعالجة بنسبة 41% العام الحالي، وهي زيادة قدرها 1.6 مليون طن، أي أكثر من الطلب السنوي لألمانيا، كما انخفض المعروض من المناجم بسبب الإغلاقات الناتجة عن كورونا.

ومع ذلك، لا يزال المتداولون يرون التدفقات الاستثمارية على أنها المحرك الرئيسي للأسعار، وارتفعت الرهانات المتفائلة على النحاس لأعلى مستوى على الإطلاق منذ 2014، وفقاً لبنك "سيتي جروب".

وهو ما يوحي أنَّ الاستثمارات "فائقة" بالفعل، وأشار محللو البنك إلى أنَّ الأداء المتفوِّق للنحاس على المعادن الأخرى غير المتداولة، مثل: المنجنيز والموليبدينوم دليل على أن الصعود في الأسعار يقوده المستثمرون.

وقال "ماكس لايتون"، المحلل في "سيتي جروب"، الأسبوع الماضي: "في ظل ضعف المؤشرات المادية بشكل عام خارج الصين، لا توجد علامات على نقصٍ في المعروض عالمياً، ويمكن أن نقول إنَّ زيادة الاستثمار هي ما رفع الأسعار".

وبالرغم من ذلك، لا يعني هذا أنَّ التدفقات الاستثمارية الجديدة، لن ترفع الأسعار أكثر، ففي ظل استجابة البنوك المركزية لمواجهة كورونا من خلال إطلاق موجة غير مسبوقة من السيولة في الأسواق العالمية؛ فإنَّ استراتيجيات الاستثمار التقليدية تاريخياً قد لا تنطبق اليوم.

وقال "مارك هانسن": "تعدُّ قوة "السيناريو الأخضر" مهمة، وبمجرد أن تجذب هذه السيناريوهات قوة دفع، مثل تلك التي على وشك أن يحصل النحاس عليها، فلن تعد الأسس الاقتصادية على المدى القصير مهمة ".