أوسلو.. عاصمة العالم للسيارات الكهربائية تخوض معارك معقدة حول النفط

منصة حفر بحرية وقد تم تلوينها عبر برنامج فني باللون الأخضر تصوّر النرويج نفسها على أنها الدولة المتقدمة والواعية بيئياً في الوقت الذي تعتبر أيضاً أكبر منتج للنفط والغاز في أوروبا الغربية
منصة حفر بحرية وقد تم تلوينها عبر برنامج فني باللون الأخضر تصوّر النرويج نفسها على أنها الدولة المتقدمة والواعية بيئياً في الوقت الذي تعتبر أيضاً أكبر منتج للنفط والغاز في أوروبا الغربية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في واحدة من أكثر المدن العالمية اخضراراً، حيث تكثر السيارات الكهربائية، وتعتزم الخطط على القضاء على جميع انبعاثات الكربون تقريباً في غضون عقد من الزمن، يدور جدال مسموم للغاية حول تغيّر المناخ، إلى درجة استدعت تحقيق الشرطة بشأن تهديدات عنيفة ضد أحد كبار مسؤوليها.

تلقت "لان ماري نغيوين بيرغ"، السياسية في حزب الخضر، ونائب عمدة العاصمة النرويجية أوسلو، وصاحبة الصوت القوي فيما يختص بسياسات المناخ، سلسلة من رسائل الكراهية والتهديدات والتعليقات العنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي. وأصبحت بيرغ هدفاً يُبرِز إلى حد كبير التناقض في قلب اقتصاد الدولة الإسكندنافية.

تصوّر النرويج نفسها أنها الدولة المتقدمة والواعية بيئياً، في الوقت الذي تعتبر أيضاً أكبر منتج للنفط والغاز في أوروبا الغربية. وباحتساب نصيب الفرد، لدى البلاد سيارات كهربائية تفوق أية دولة أخرى، بينما تضخ نفطاً يزيد عن السعودية أو روسيا.

قالت بيرغ في رسالة بالبريد الإلكتروني: "يُقدّر عدد سكاننا بخمسة ملايين فرد فقط، ولكننا ما زلنا من بين أكبر مُصّدري النفط والغاز في العالم. من المهم جداً لسياسة المناخ النرويجية أن نوقف التنقيب عن المزيد من النفط والغاز، وكذلك عمليات تطوير الحقول الجديدة".

يعتبر ذلك أحد المعايير المحددة في خارطة طريق الانبعاثات العالمية الصفرية لعام 2050، والتي وضعتها وكالة الطاقة الدولية. كما سيطالب حزب الخضر بهذا المعيار أيضاً، إذا أصبح جزءاً من حكومة ائتلافية بعد الانتخابات في شهر سبتمبر، مما سيؤدي إلى مواجهة سياسية قد تقلب أهم صناعة نرويجية رأساً على عقب.

يضم قطاع النفط والغاز النرويجي حوالي 200 ألف موظف، وترفد عائداته خزائن صندوق الثروة السيادي البالغ 1.4 تريليون دولار، والذي يشكل دعامة رئيسية لرفاهية الأجيال القادمة. ومن شأن فرض التدهور على الصناعة أن يترك أثراً أكبر حجماً وأكثر استمراراً على حياة النرويجيين من أية سياسة مناخية حتى الآن، ويبدو أن هذه القضية ستؤدي إلى بعض أكثر اللحظات سخونة في الحملة الانتخابية.

ومع ذلك، تصادف أن واحدة من أشد المدافعين عن "بيرغ" ضد إساءة الاستخدام الإلكتروني هي منافستها السياسية الرئيسة، "تينا برو"، وزيرة البترول والطاقة، المنتمية لحزب المحافظين الصديق لصناعة النفط. خلال شهر مايو، نشرت "برو" جملة على "فيسبوك" تقول"لا أستطيع احتمال الأمر بعد الآن"، مرفقة إياها بلقطات مصوّرة من الرسائل المسيئة المرسلة إلى "بيرغ". وبعد أيام قليلة من رسالة تضمنت جملة "اخرسي!"، اندفعت الشرطة للتحقيق في الأمر.

ويبدو أن الهجوم أصاب وتراً حساساً لسبب ما. فلقد سبق لـ"برو" أيضاً التعرض للإساءة الإلكترونية بسبب دعمها لتوليد طاقة الرياح على البر، مما يؤكد مدى القدسية التي تتمتع بها صناعة النفط لدى الناخبين النرويجيين. تأتي السيدتان من طرفين مختلفين بالطيف السياسي، لكنهما حليفتان في الضغط من أجل المزيد من استثمارات الطاقة النظيفة، وتختلفان بشدة حول السرعة التي يجب أن يحدث بها التحوّل.

تتحدث "برو" بفخر عن إنجازات السياسة الخضراء النرويجية، والتي تشمل العمل باستخدام الطاقة المتجددة بنسبة تقترب من 100%، والتوّسع المدفوع بالسياسات لأسطول السيارات الكهربائية، والعبّارات العاملة بالهيدروجين. إلا أنها تدافع بنفس القدر عن سياساتها النفطية التي تتعارض بشكل مباشر مع سياسات بيرغ.

تقول "برو": "لا يؤنبني ضميري حيال كون النرويج دولة مناخية طموحة، في الوقت الذي تملك فيها إنتاجاً من النفط والغاز". ولن يتبّع حزبها خارطة الطريق الموضوعة من قبل وكالة الطاقة الدولية لأنه "إذا قررنا غداً التوقف عن إنتاج النفط والغاز بالجرف النرويجي، فستقول الدول الأخرى (حسناً، سنقوم نحن بتوفير هذا)"، بحسب "برو".

وفي الوقت الحالي، تتمثل سياسة النرويج في تقليص جزء بسيط من انبعاثات الكربون الناتجة عن استخراج النفط والغاز، من خلال تزويد مرافق الإنتاج في بحر الشمال بالكهرباء من المصادر المتجددة. كما ستنشر الحكومة يوم الجمعة ورقة حول سياسة الطاقة تشمل خططاً للرياح البحرية، والهيدروجين، والتنقيب عن معادن قاع البحر، والنفط والغاز.

صفر انبعاثات في منتصف القرن

التزمت النرويج، من خلال عضويتها في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، بخفض 50%-55% مما يسمى بالانبعاثات غير المرتبطة بحصص في قطاعات مثل الزراعة، والنفايات، والنقل، بحلول عام 2030. ورغم أنه ليس لديها هدف الصفر، تسعى النرويج إلى خفض التلوث العام بنسبة تصل إلى 95% بحلول منتصف القرن، وتروّج لقدرة غاباتها الشاسعة على امتصاص الكربون، فيما لا تأخذ أي من أهدافها في الاعتبار الانبعاثات الناتجة عن النفط والغاز الذي تبيعه للدول الأخرى.

كما تهدف شركة النفط النرويجية المملوكة للدولة، "إيكوينور"، إلى تحقيق صفر انبعاثات بحلول عام 2050، ولكنها تتوقع احتياجاً للنفط في العقود القادمة، مما سيتطلب استثمارات في حقول جديدة. تُصنّف منظمة "كربون تراكَر" غير الربحية أهداف الشركة المناخية بأنها تقل عن تلك الخاصة بمنافسيها من أمثال "رويال داتش شل"، و"BP"، و"توتال".

تريد جميع الأحزاب الرئيسة النرويجية استمرار صناعة النفط في التنقيب عن حقول جديدة وتطويرها، لكن عملية تشكيل ائتلاف بعد انتخابات شهر سبتمبر، يُمكن أن تعطّل الوضع الراهن. وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب العمل حالياً، رغم حاجته إلى دعم من الأحزاب الصغيرة لكي يحكم البلاد، وربما يشمل ذلك حزب اليسار الاشتراكي أو حزب الخضر أو ​​حزب الحمر، التي تدعو جميعاً إلى تقليل الحفر.

وقال بارد لاهن، الباحث في مركز "سيسيرو" لأبحاث المناخ الدولية في أوسلو:" سيتعين على الأحزاب الكبيرة الصديقة للنفط التفاوض مع الأحزاب الصغيرة التي ترغب في وقف الأنشطة النفطية الجديدة، بغض النظر عن الفائز بالانتخابات".

وإذا وجد حزبها نفسه في موقع صانع الملوك، فإن "بيرغ" ستستفيد منه بالكامل، حيث قالت:

لا يمكن لحزب الخضر دعم رئيس وزراء يقبل بالتنقيب الجديد عن النفط، أو التطورات النفطية الجديدة في النرويج. هذا إنذار.

انتهت مفاوضات تشكيل الحكومة إلى حل وسط بعد الانتخابات النرويجية السابقة، حيث توصل الحزبان الليبرالي والمحافظ في عام 2018 إلى اتفاق لإبقاء صناعة النفط بعيداً عن جزر "لوفوتين"، وهي منطقة هشة ذات طبيعة جميلة.

معركة القطب الشمالي

إلا أن لاهن، يرى أن خصوم صناعة النفط قد يواجهون يداً أقوى هذه المرة، فمن المحتمل أن يتجهوا إلى منطقة أكبر بكثير خارج الحدود مثل منطقة بحر "بارنتس" في القطب الشمالي، حيث يقع معظم النفط والغاز النرويجي غير المكتشف، بحسب اعتقاد البعض.

إذا حدث ذلك، فستكون هذه خطوة تتفوق في جرأتها على بريطانيا وهولندا، جارتي النرويج في بحر الشمال، اللتين تمتلكا أهدافاً صافية صفرية ولكن لا تمتلكا خططاً لإنهاء التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما. وفي العام الماضي، توقفت الدنمارك، التي تنتج نفطاً أقل بكثير من النرويج، عن تقديم تراخيص جديدة للنفط والغاز، وتعهدت بإنهاء الإنتاج بحلول عام 2050.

وبالنسبة لأولاف فيكس تفيت، أسقف كنيسة النرويج الذي تحدّث في محادثات المناخ بباريس في عام 2015، فإن التحوّل المحلي إلى البيئة الخضراء لا يعني أن المجتمع الدولي سيترك النرويج خارج نطاق صادراتها من الوقود الأحفوري.

قال تفيت: "علينا أن ندرك ونعترف بأن مصداقيتنا موضع تساؤل، وهذا ما خبرته في جميع أنحاء العالم. تمتلك النرويج موارد مالية أكبر من معظم البلدان، لكي تعالج هذه المشكلة، ويجب أن نفعل شيئاً حيالها، وأن نكون على استعداد للتضحية بشيء ما".