هل تفوز أمريكا بالمعركة العالمية للهيمنة على الرقائق الإلكترونية؟

الكونغرس الأمريكي وافق على تخصيص 52 مليار دولار لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية في البلاد فهل تكفي لدعم الصناعة الوطنية في مواجهة منافسة عالمية شرسة؟
الكونغرس الأمريكي وافق على تخصيص 52 مليار دولار لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية في البلاد فهل تكفي لدعم الصناعة الوطنية في مواجهة منافسة عالمية شرسة؟ المصدر: بلومبرغ
Noah Smith
Noah Smith

Noah Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was an assistant professor of finance at Stony Brook University, and he blogs at Noahpinion.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستعد العالم لمعركة ضخمة على أشباه الموصلات، لتأمين موقعه في هذه الصناعة الأكثر استراتيجية من بين جميع الصناعات.

سيتعين على الولايات المتحدة أن تزن استراتيجيتها بعناية، وتتعلم دروس الماضي، إذ أن التوازن الصحيح لدعم كل من الإنتاج والابتكار سيُميز الرابحين.

من بين جميع الصناعات الحديثة، تعتبر أشباه الموصلات - أي رقائق الكمبيوتر – هي التي تتمتع بأكبر حماية، وبطلب مرتفع من قبل الحكومات الوطنية، لأسباب عديدة.

صناعة استراتيجية

بداية، هي صناعة مهمة من الناحية العسكرية - جميع الأسلحة تقريباً تعتمد على الحوسبة حالياً، وفي الحرب تحتاج إلى أن تكون قادراً على صنع رقائقك الإلكترونية الخاصة.

علاوة على ذلك، يعد تصنيع أشباه الموصلات نشاطاً عالي القيمة للغاية، لأنه يولد الكثير من الإيرادات، والكثير من الوظائف ذات الأجر الجيد.

ونظراً لأن رقائق الكمبيوتر، هي مدخلات رئيسية في مجموعة كبيرة ومتنوعة من الصناعات الأخرى عالية التقنية، فإن وجود أشباه الموصلات في بلدك يدعم نظاماً متكاملاً للنشاط الاقتصادي عالي القيمة.

وبالتالي، ليس من المستغرب أن يُركز تبني الديمقراطيين الجديد للسياسة الصناعية أولاً وقبل كل شيء على أشباه الموصلات.

فمن مبلغ 250 مليار دولار المخصص في مشروع قانون التنافسية، الذي أقره مجلس الشيوخ للتو، تم تخصيص 52 مليار دولار لتعزيز إنتاج أشباه الموصلات المحلي.

وفي الوقت نفسه، حددت المراجعة الجديدة التي أجراها الرئيس "جو بايدن" لسلاسل التوريد الأمريكية، رقائق الكمبيوتر باعتبارها مجالاً رئيسياً يجب استعادته إلى داخل الولايات المتحدة.

منافسة شرسة مع آسيا

أمام قادة الولايات المتحدة مهمة ليست سهلة. إنهم يواجهون الصين، التي أطلقت برنامجاً ضخماً يهدف إلى تعزيز صناعة أشباه الموصلات الخاصة بها إلى موقع تتفوق فيه على العالم.

بينما تحاول اليابان وأوروبا استعادة بعض حصصها التي فقدوها في هذه السوق.

من جهتها، تقوم كوريا الجنوبية - التي حصلت شركاتها على جزء من حصة السوق الأمريكية في السنوات الأخيرة – أيضاً بدفعٍ كبير في الاتجاه ذاته.

وتايوان التي هي موطن شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة"، والتي تعتبر حالياً الشركة الرائدة في مجال التكنولوجيا العالمية في تصنيع الرقائق، بعد أن تفوقت بفارق كبير على شركة "إنتل"الأمريكية.

بعبارة أخرى، سيقوم الجميع بضخ الأموال في شركات الرقائق، والمساعدة في تمويل إنشاء مصانع عملاقة تسمى"فابس"، وإجراء المزيد من البحث والتطوير، وما إلى ذلك.

وفي حال كانت الولايات المتحدة قادرة ببساطة على الحفاظ على حصتها في السوق - لا تزال حالياً الأكبر في العالم بحوالي 47% - فيجب اعتبار ذلك انتصاراً.

وإذا تمكنت الولايات المتحدة من إقناع شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" بإقامة المزيد من مصانعها في الولايات المتحدة، فسيكون ذلك بمثابة نجاح استراتيجي كبير، على الرغم من أن شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة"هي شركة تايوانية.

دروس من الماضي

ولكن ما الذي يتطلبه الأمر للفوز بشكل حاسم في حروب أشباه الموصلات، بدلاً من مجرد الجري بقوة أكبر للبقاء في المكان نفسه؟

للإجابة على ذلك، يقدم الماضي عدداً من الأمثلة المفيدة - أهمها، المعركة على أشباه الموصلات في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.

في الثمانينيات من القرن الماضي، لحقت صناعة رقائق الذاكرة في اليابان بالتكنولوجيا الأمريكية، وبدأت في الاستحواذ على حصة في السوق.

الولايات المتحدة، التي كانت أكثر حمائية بكثير في ذلك الوقت من الفترة الحالية، أصيبت بالذهول، وبدأت حرباً تجارية.

استخدمت أمريكا آنذاك تعريفات جمركية عالية لإجبار اليابان على الموافقة على تخصيص جزء من سوقها المحلي لرقائق الذاكرة أمريكية الصنع، ومشاركة بعض تقنياتها.

وفي الوقت نفسه، أنشأت الولايات المتحدة "سيماتك"، وهو اتحاد نظمته الحكومة من شركات أشباه الموصلات الخاصة المكرسة للحفاظ على التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة.

لم ينجح أي من هذا في إنقاذ المنتجين المحليين لرقائق الذاكرة. لم تتعافى حصة سوق الولايات المتحدة في تلك الصناعة من الهبوط الذي تعرضت له في أوائل الثمانينيات.

احتفظت اليابان بقيادتها لبضع سنوات، ثم تفوقت عليها كوريا، التي أنفقت مبالغ كبيرة للسيطرة على ما كان بحلول ذلك الوقت سوقاً سلعيةً منخفضة الهامش بشكل متزايد.

ومع ذلك، استعادت الولايات المتحدة موقعها الأول في سوق أشباه الموصلات العالمي بشكل عام. لأنه بينما كان العالم يتقاتل على رقائق الذاكرة، تحولت الشركات الأمريكية مثل"إنتل" إلى صنع شيء ذي قيمة أكبر، ألا وهو المعالجات الدقيقة. حصدت وحدات المعالجة المركزية الأمريكية الأموال، في حين أن الدول الآسيوية كانت تتقاتل على الخردة في صناعة رقائق الذاكرة.

الحل في الابتكارات الجديدة

توضح تلك الحقبة أهمية الابتكار. تعاني "إنتل" حالياً، لكن هيمنتها على مدى عدة عقود - والتي تُرجمت إلى هيمنة على السوق الوطنية - لم تأتِ من خلال التمويل الحكومي الرخيص أو المنافسة الشديدة، ولكن من خلال التركيز على أنواع جديدة ومبتكرة من المنتجات.

وبالمثل، فإن التحولات اللاحقة في الصناعة لم تكن في الغالب بسبب المنافسة في الأسواق الحالية، ولكن بسبب المنتجات الجديدة: وحدات معالجة الرسومات، والرقائق منخفضة الطاقة، ورقائق الهواتف المحمولة، والنموذج المسبك من صناعة شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة".

الأولوية للشركات الناشئة

بينما تتجه الولايات المتحدة إلى حرب أشباه الموصلات الأحدث، من الأفضل أن تتذكر هذا المبدأ الأساسي. سيكون هناك بالتأكيد إغراء لإلقاء الأموال على شركة "إنتل" وغيرها من صانعي الرقائق الأمريكيين، لتصميم التكرار التالي لمنتجاتهم الحالية.

وفي حين أن هذا قد لا يضر، يشير التاريخ إلى أن هيمنة الولايات المتحدة على الصناعة ستعتمد على قيام شركات جديدة بإنشاء أنواع جديدة من الرقائق.

هذا يعني أن الحكومة بحاجة إلى دعم الشركات الناشئة بالإضافة إلى الشركات الوطنية، وإتاحة نتائج البحث على نطاق واسع بدلاً من السماح للشركات بتخزينها، وتخصيص الأموال نحو الابتكارات التخريبية، مع القدرة على إنشاء أسواق جديدة كاملة.

إذا تعلق الأمر بمنافسة خالصة على الإعانات المالية، فمن المرجح أن تخسر الولايات المتحدة، مع انقساماتها السياسية العميقة وتناقضها التقليدي بشأن التعاون بين القطاعين العام والخاص، لصالح الصين - أو في أفضل الأحوال، ستنفق الكثير من المال لمجرد صد التحدي.

لقد ابتكرنا طريقنا لتحقيق النصر في حرب أشباه الموصلات الأخيرة، لربما يتعين علينا أن نفعل الشيء نفسه في هذه المرة.