لماذا نموت أحياناً ونحن نحاول تجنب المخاطر؟

الحوادث المرورية زادت العام الماضي في أمريكا برغم تراجع المسافات التي جرى قطعها بسبب إغلاقات كورونا
الحوادث المرورية زادت العام الماضي في أمريكا برغم تراجع المسافات التي جرى قطعها بسبب إغلاقات كورونا المصدر: غيتي إيمجز
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في الصيف الماضي التقيت بصديقين لتناول العشاء بمطعم في الهواء الطلق. لم أراهما كثيراً في الأشهر الأولى للوباء، لأنَّهما كانا يخشيان الذهاب إلى الخارج. إذ قال أحدهما، إنَّ لقاءنا يشبه "لعبنا بحياتنا لعبة الروليت الروسية".

باعتباري خبيرة اقتصادية أدرس المخاطر، فقد أدهشني هذا لأنَّه غريب، لأنَّ احتمالات الوفاة من لعب "الروليت الروسية" هي 1 من 6. في حين كانت احتمالات الإصابة بكوفيد-19 أثناء وجودك في الهواء الطلق في حالة تباعد - ثم الموت كشخص صغير السن ذي صحة جيدة - أقل بكثير من 1%.

ولكن ما أذهلني حقاً هو أنَّ صديقاي الاثنين ركبا دراجاتهما عبر حركة المرور في المدينة للوصول إلى العشاء.

كان ذلك أكثر أماناً بالنسبة لهم من الركوب في مترو الأنفاق، أو ركوب سيارة أجرة، أو اللجوء إلى خدمة مشاركة الرحلة. بالنسبة لي بدا الأمر أكثر خطورة، وبالتأكيد أكثر خطورة من تناول وجبة في الخارج.

وهو ما كان مخيباً، لأنَّني من النوع الاقتصادي الذي يؤمن، على الرغم من كل تحيزاتنا، أنَّ البشر مجهَّزون جيداً لاتخاذ قرارات متعلِّقة بشأن المخاطر.

زيادة الحوادث المرورية

ومع ذلك، لم يكن سلوك أصدقائي غير معتاد. فبعد مرور عام تقريباً، ما يزال من الشائع رؤية سائقي الدراجات النارية بلا خوذة، لكنَّهم يرتدون الكمامات في مدينة نيويورك. وهذا ما تظهره البيانات أيضاً.

فبعد سنوات من التراجع، ارتفع معدل وفيات حوادث المرور في عام 2020.

على الصعيد الوطني، توفي 38680 شخصاً على الطرق، بزيادة أكثر من 7% عن عام 2019، على الرغم من أنَّ الأمريكيين قطعوا أميالاً أقل، بسبب الإغلاق الواسع النطاق.

وحتى العام الماضي، كانت الوفيات المرورية تتجه نحو الانخفاض، لأنَّ السيارات أصبحت أكثر أماناً.

مزيد من المخاطر

لكن العام الماضي كان شاذاً، بسبب سلوك السائقين الخطر. إذ كان الأمريكيون يقودون سياراتهم بشكل أسرع، ولم يرتدوا أحزمة المقاعد، وكانوا أكثر عرضة للإصابة، بفعل تناولهم للمخدرات، أو الكحول أثناء القيادة.

وقضى الناس أيضاً وقتاً أطول على الدراجات النارية، أحياناً بدون رخصة قيادة. كل هذا كان خلال عام أمضيناه، ونحن بحذر شديد عندما يتعلَّق الأمر بمعظم جوانب حياتنا، لكنَّنا اخترنا تحمُّل المزيد من المخاطر على الطرق.

قد يكون ذلك لأنَّ العيش في ظلِّ هذه القيود جعلنا نريد التحرر، وهذا في الواقع استجابة شائعة لمخاطر بحجم الوباء.

مخاطر مرعبة

يطلق علماء النفس على التهديدات الكبيرة والمرئية، ولكنَّها نادرة الحدوث مثل الأوبئة أو الإرهاب، "مخاطر مرعبة".

فعندما نلاحظ خطراً كارثياً يقتل العديد من الأشخاص، فإنَّنا نميل إلى التركيز عليه، وبالتالي غالباً ما ينتهي بنا الأمر إلى تقليل المخاطر الروتينية الأخرى.

في بعض الأحيان، نتصرَّف بشكل أكثر تهوراً في جوانب أخرى من حياتنا، مما يزيد من إجمالي مخاطرنا.

سلوكيات أكثر خطورة

على سبيل المثال، بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان الناس يخشون الطيران، وصاروا يقودون السيارات بدلاً من ذلك، على الرغم من أنَّ احتمالية أن تموت على الطريق أكثر من الطائرة.

قدَّر عالم النفس "غيرد غيغرينزر" أن 1500 شخص ماتوا في العام التالي للهجوم، لأنَّهم أرادوا تجنُّب احتمال الموت على متن طائرة.

ويجادل "غيغرينزر" بأنَّ مثل هذه الأحداث المؤلمة، ولكن النادرة، مثل 11 سبتمبر تحمل نوعين من المخاطر: الضرر المباشر الناجم عن الحادث، والأضرار غير المباشرة الناتجة عن التغييرات السلوكية التي تقودنا إلى اتخاذ خيارات أكثر خطورة.

يفترض "غيغرينزر" إمكانية وجود سبب تطوري، يفسر لماذا يركِّز الناس على "المخاطر المرعبة".

فعندما عاش البشر في مجموعات أصغر من الصيادين وجامعي الثمار، كان الحدث الكارثي، برغم أنَّه بعيد الاحتمال، يحمل إمكانية القضاء على عائلتك ومجتمعك بالكامل. كان هذا تهديداً أكبر بكثير من المخاطر اليومية الأصغر التي تؤثِّر فقط على الفرد.

القدرة على إدارة المخاطر

على الرغم من ملاحظة بعض الخيارات الغريبة التي اتُخذت لتجنُّب الأذى، خلال العام الماضي، ما زلت أؤمن بقدرة البشرية على إدارة المخاطر.

وهناك شيئان يحددان المخاطر التي نتحمَّلها: كيف ندرك خطراً محتملاً؟، وكيف نستجيب بعد ذلك لهذا الإدراك؟.

في العام الماضي، كانت المعلومات التي غذَّت تصوراتنا للمخاطر، مربكة ومضللة في كثير من الأحيان.

لقد غمرتنا الصور والإحصائيات حول الوباء في الصيف الماضي، ولكن ليس بحوادث السيارات.

وهو ما جعل الوباء يبدو كأنَّه أكبر تهديد مباشر لحياتنا، وهذا صحيح بالنسبة لكثير من الناس.

فقد مات الكثير من الناس بسبب كوفيد أكثر من حوادث السيارات. لكن لم تكن جميع الأنشطة محفوفة بالقدر نفسه من المخاطر. بالنسبة لمعظمنا، كان التواصل الاجتماعي في الهواء الطلق أكثر أماناً من القيادة المتهوِّرة.

تضارب المعلومات

سمعنا أيضاً تصريحات غير متسقة من سلطات الصحة العامة، ولم نحصل على إرشادات واضحة (حتى وقت قريب جداً) حول الأنشطة الأكثر أماناً من غيرها، وكيفية وضعها في السياق.

هذا لدرجة أنَّ بعض من هم في مجتمع الصحة العامة، لم يشجعوا على مقارنة كوفيد بمخاطر أخرى، لأنَّه في الأيام الأولى كان الكثير عنه ما يزال مجهولاً، وانتشاره في المجتمع جعل المقارنات صعبة.

ومهما كان هذا حسن النية، فقد تُركنا نحاول فهم المخاطر التي تتعرَّض لها أنفسنا، أحياناً من بيانات غير كاملة أو غير موثوقة.

إعلان المخاطر بشكل أكثر وضوحاً

لقد شوَّه الضغط الاجتماعي أيضاً تصوراتنا؛ فاتخاذ خطوات متطرِّفة لحفاظك على مخاطر كوفيد عند الصفر، كان ينظر إليه على أنَّه أمر فاضل وجيد لمجتمعك، بينما السرعة أو القيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول (الذي يضر الآخرين أيضاً) لم يحظ بالاهتمام نفسه.

كان من الأفضل قبول بعض الأنشطة التي تنطوي على مخاطر متدنية وقابلة للإدارة. بدلاً من تجنُّب أي احتمال للإصابة بكوفيد، وبعد ذلك القيام بشيء فيه فرصة أكبر بكثير للانتهاء بنتيجة قاتلة.

ربما المشكلة لا تكمن في أننا مخلوقات معيوبة، لا تستطيع فهم الاحتمالات أو تقييم المخاطر بشكل معقول.

ربما لم نحصل على معلومات دقيقة للغاية من وسائل الإعلام أو سلطات الصحة العامة لمساعدتنا في تقييم جميع المخاطر النسبية التي واجهناها.

في المرة القادمة - ويخبرنا الخبراء أنَّه ستكون هناك مرة أخرى - يجب أن يكون من الممكن إيصال المخاطر بشكل أكثر وضوحاً، ثم الثقة في الناس لتحمُّل مخاطر أكثر ذكاءً وتوازناً.

سيمكِّننا هذا من الاستمتاع بالأشياء الصغيرة، مثل العشاء بالخارج مع الأصدقاء، وتجنُّب المزيد من المخاطر الخطرة، وهذا ما سيجعلنا حقاً أكثر أماناً.