إجبار شركات النفط الكبرى على التحوّل الأخضر لن ينقذ الكوكب

نشطاء مناهضون للنفط يتظاهرون خارج مقر اجتماع "أوبك"
نشطاء مناهضون للنفط يتظاهرون خارج مقر اجتماع "أوبك" المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لن يؤدي إجبار شركات النفط الكبرى المتداولة في سوق المال، على التحوّل لبيئة خضراء، إلى إنقاذ الكوكب من تأثير أزمة المناخ.

بالتأكيد، تعتبر تلك الشركات هدفاً مثالياً لتوجيه الغضب نحوها، فهي شركات ضخمة بأسماء مألوفة، وتتواجد شعاراتها في محطات تعبئة الوقود حول العالم.

كما أنها تضخ من الأرض ملايين البراميل من النفط الخام يومياً، وتشحنها في ناقلات ضخمة، ثم تعالجها في مجمّعات مترامية الأطراف من الأنابيب والصهاريج، لينبعث منها غيوم لا يُعرف عن مكوناتها شيئاً، سوى أنها تنطلق في الغلاف الجوي.

استهداف الشركات الكبيرة

تحتاج هذه الشركات بالطبع إلى القضاء على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لديها، أو معالجتها، أو التعويض عن تلك التي يتسبب فيها حرق الوقود الذي تنتجه.

هم بحاجة أيضاً إلى استخدام خبراتهم وأموالهم الكثيرة للمساعدة في التحوّل الأخضر.

إلا أن كل هذا التركيز على عددٍ قليل من الشركات التي تضخ حوالي 10% من النفط الخام المنتج على كوكب الأرض يومياً، لن يؤدي وحده إلى تخفيض الارتفاع في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، ولا حتى إلى انخفاض حجم غاز الميثان الذي لديه تأثير احترارٍ أكبر على المدى القصير.

ضغوط أقل على الشركات الحكومية

وفي الواقع، لا يتعرض أكبر منتجي النفط في العالم لضغط المساهمين، الذي وجّه ضربات إلى إدارات "إكسون موبيل" و"شيفرون" خلال الشهر الماضي، ولا أجبر "رويال داتش شل" بأمر من المحكمة الهولندية على مراجعة خططها لخفض انبعاثات الكربون.

تميل تلك الشركات إلى أن تكون كيانات مملوكة للدولة، أو أن تكون خاضعة لسيطرة الدولة، في البلدان التي لا يتمتع فيها نشطاء تغيّر المناخ، والمستثمرون المعنيون بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، بنفوذٍ كبير.

بل ومن المرجّح، كما كتب زملائي "راشيل آدامز-هيرد" و"لورا هيرست" و"كيفن كراولي" من بلومبرغ "نيوز"، أن تقوم تلك الشركات باختيار المشاريع النفطية المباعة من قبل الشركات الكبرى، لأجل تقليل البصمات الكربونية.

الطلب لا يزال مستمراً

وأينما كان المكان الذي تتواجد فيه الشركات، فإن النفط الذي تكتشفه سيتم إنتاجه من قبل شخص ما، طالما كان هناك طلب عليه، وطالما كانت أسعاره مرتفعة بما فيه الكفاية.

وإذا لم تقم الشركات بضخه بنفسها، فيمكنها بيعه إلى شخص آخر، أو حتى الابتعاد، أو ترك الأمر للحكومات المحلية، التي ستجد بلا شك شركات تطويرية أخرى، قد لا تخضع بالضرورة لنفس النوع من الرقابة البيئية أيضاً.

لهذا السبب، لا يمكننا معالجة مشاكل المناخ ببساطة، عن طريق إجبار شركات النفط المساهمة العامة على ضخ كميات أقل منه. فطالما أن هناك طلب على النفط، سيقوم أحد ما بتوريده.

من هذا المنطلق، يجب أن يأتي التغيير الحقيقي عبر إنهاء إدمان العالم على النفط، بل ويجب أن تكون هناك بدائل، وقد تكون كبرى الشركات النفطية جزءاً من الحل.

"لا لا لاند"

فمثلاً، لا يمكن أن يتحقق هدف وكالة الطاقة الدولية، إلا إذا كان هناك حل سريع لخفض الطلب على النفط.

ذلك الهدف، الذي تم طرحه في تقرير للوكالة بعنوان "صافي الصفر بحلول عام 2050"، يقضي بـ"عدم الاستثمار في مشاريع إمدادات الوقود الأحفوري الجديدة"، وهو ما دفع وزير النفط السعودي إلى إطلاق اسم "لا لا لاند" عليه بسبب مثاليته المنفصلة عن الواقع.

وفي العالم الواقعي، تتواجد بشكلٍ قليل، أو لا تتواجد كبرى شركات النفط الغربية كمنتجين أو بائعين في دول مثل الصين، والهند، وروسيا، التي تعتبر أكبر دول مُصدِرة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.

وبرغم أن تقليل الانبعاثات في كل مكان يعد أمراً بالغ الأهمية، إلا أنه من الأهم تحقيق إنجازات كبيرة في هذه البلدان، إذ سيؤدي خفض انبعاثات الصين بنسبة 10%، إلى خفض حجم ثاني أكسيد الكربون الذي يتم ضخه في الغلاف الجوي، بقدر مايوقفها تماماً في كل من بريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا.

الضغط على الأسعار

وإذا حاولنا كبح العرض دون معالجة الطلب، فسنقوم ببساطة برفع الأسعار، ونحفّز الآخرين على ضخ المزيد.

وإلى أن تتوفر سيارات وشاحنات صغيرة وكبيرة بأسعار معتدلة يمكن الاعتماد عليها، وبنية تحتية لشحنها، سيتواجد دائماً طرف على استعداد لتوفير الوقود لأجل الحفاظ على تشغيل المخزون القديم.

ناهيك أيضاً عن اعتمادنا على تدفئة الأماكن، والتدفئة الصناعية، والسفن، والمجموعة الكاملة من المجالات الأخرى التي تعتمد حالياً على الوقود الأحفوري.

الطريق لا يزال طويلاً

هذا لا يعني أننا لم نتخذ خطوات لتغيير طرقنا القديمة. فكما لاحظ زملائي في"بلومبرغ إن إي إف"، "أننا قد وصلنا، بشكل شبه مؤكد، إلى ذروة مبيعات السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي قبل أربع سنوات"، ولكن، ما يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه قبل أن يصبح الوقود الأحفوري شيئاً من الماضي.

كما أننا نرى أن تحوّل شركات النفط الكبرى إلى بيئة خضراء يُعدّ جزءاً من حل أزمة المناخ، ولكنه لا يمثل كل المشكلة، ولا حتى الجزء الأكبر منها.