كيف تتفادي الولايات المتحدة سيناريو "الركود التضخمي"؟

تحتاج الحكومة الأمريكية إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة الشركات على زيادة الإنتاج وتعزيز سلاسل التوريد محلياً لتجنب مشاكل العرض
تحتاج الحكومة الأمريكية إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة الشركات على زيادة الإنتاج وتعزيز سلاسل التوريد محلياً لتجنب مشاكل العرض المصدر: بلومبرغ
Noah Smith
Noah Smith

Noah Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was an assistant professor of finance at Stony Brook University, and he blogs at Noahpinion.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في أعقاب الوباء، يعيد الأمريكيون اكتشافهم لأهمية جانب التوريد في الاقتصاد. ولكن هذا لن يكون نسخة من عام 1980 - فنحن نتعلم أن هناك الكثير مما يجب فعله لتقوية جانب العرض، وليس فقط القيام بالتخفيضات الضريبية ورفع القيود.

يميل الاقتصاديون، كما يَعرف معظم الناس، إلى التفكير في العالم من حيث العرض والطلب.

الركود التضخمي

علمنا الركود الكبير أن نتذكر أهمية الطلب الكلي - فقد ساعد التيسير الكمي وعمليات الإنقاذ المالية في تخفيف الضربة، وكان من الممكن أن يؤدي منح المزيد من الحوافز المالية في ذلك الوقت إلى وضعنا على طريق الانتعاش في وقت أقرب. لكن جائحة كوفيد-19 مختلفة تماماً.

تذكرنا اضطرابات سلسلة التوريد، ونقص العمالة، بأنه ليست كل المشاكل الاقتصادية ناتجة عن نقص الطلب. إذ أن التضخم يستمر عند مستويات عالية، حتى مع تباطؤ تعافي الوظائف.

إن هذا الوضع يذكر بعض الناس بالركود التضخمي الذي حصل في السبعينيات. أكيد أننا لسنا في درجة السبعينيات حتى الآن - فمن المحتمل أن يتلاشى التضخم خلال الأشهر القليلة المقبلة، وسيرتفع نمو الوظائف إذا لم يعاود الوباء ظهوره.

ولكن حتى الركود التضخمي المؤقت والصغير، يجب أن يركز العقول على الحلول القائمة على العرض؛ ففي حالة الركود التضخمي، الحلول القائمة على الطلب مثل السياسة النقدية التيسيرية والاقتراض الحكومي، لا تحل المشكلة.

أهمية جانب العرض

علاوة على ذلك، ذكرنا كوفيد بأهمية العرض على مستوى الاقتصاد الجزئي. وعلمنا فشل الولايات المتحدة في صنع ما يكفي من الكمامات وأجهزة التهوية في وقتٍ مبكر من الوباء، حتى سلاسل التوريد الفعالة في الأوقات العادية يمكن أن تصبح هشة عند حدوث أزمة.

وبالتالي، يتم تذكير أمريكا بأهمية جانب العرض. ولكن على عكس ما حدث في السبعينيات والثمانينيات، أصبح من الواضح حالياً أن التدابير المختارة من ذاك الدهر السحيق، كالتخفيضات الضريبية ورفع القيود، لن تكون كافية لإنتاج استقرار الاقتصاد الكلي أو مرونة الاقتصاد الجزئي.

تعزيز الإنتاج

فشلت التخفيضات الضريبية بشكلٍ ملحوظ في تعزيز النمو في العقود الأخيرة. ورفع القيود هو مصطلح بسيط لشيء شديد التعقيد؛ العديد من القيود التنظيمية مفيدة بالفعل للاقتصاد، في حين أن العديد من الأنظمة الأخرى حميدة.

بدلاً من صيغة رونالد ريغان القديمة، يجب أن تأخذ اقتصاديات جانب العرض، طابعاً مختلفاً في حقبة ما بعد كوفيد: تحتاج الحكومة إلى اتخاذ خطوات أكثر نشاطاً لضمان أن الإنتاج يمكن أن يتوسع.

أحد المجالات الواضحة هو عرض العمالة. فالهجرة، التي كانت ذات يوم تحافظ على النمو السكاني في الولايات المتحدة، تتراجع منذ سنوات.

جذب المهاجرين الموهوبين

هذا مهم بشكل خاص في سياق الهجرة الماهرة. ساعدت الهجرة على إنتاج وفرة من العمالة الماهرة - طلاب الدراسات العليا، وعمال ضمن تأشيرة (H-1B)، وحاملي البطاقة الخضراء - مما أبقى الصناعات التكنولوجية الأمريكية مهيمنة، حتى مع تحول التصنيع إلى آسيا.

لحسن الحظ، يحاول الرئيس "جو بايدن" تجاوز الروتين الذي وضعه سلفه، للحد من هجرة الكفاءات.

ولكن إذا أردنا ضمان تدفق مستمر للمواهب، فنحن بحاجة للبقاء في الصدارة مقارنةً بالمنافسين الخارجيين مثل الصين، يجب على الولايات المتحدة أن تضع حلاً أكثر ديمومة.

إن إضافة نظام نقاط على غرار كندا إلى نظام الهجرة الحالي لدينا، وزيادة عدد البطاقات الخضراء التي يرعاها صاحب العمل، ستفي بالغرض.

دعم سلاسل التوريد

يصبح من الواضح أيضاً أن سلاسل التوريد القوية تحتاج إلى دعم حكومي. إذا تُركت لأساليبها الخاصة، فستميل الشركات إلى انتزاع كل أجزاء الكفاءة من سلاسل الإنتاج الخاصة بها، ونقل كل قطعة إلى الخارج وتعهيد كل قطعة لمصادر خارجية في أي مكان يكون السعر فيه أرخص.

حتى لو أدركوا خطر الهشاشة، فإن الضغط التنافسي، وضغط حملة الأسهم يجبرهم على مطاردة الدولارات قصيرة الأجل.

يتطلب تصحيح هذا الأمر وجود قوة تنسيق من الحكومة، وهذا هو السبب في أن "بايدن" يبحث عن طرقٍ لضمان سلاسل التوريد القوية في المجالات الحاسمة مثل رقائق الكمبيوتر والبطاريات والمعادن النادرة والمستحضرات الصيدلانية - أشياء ستكون حاسمة في حالة الحرب أو أي جائحة آخر.

الحوافز الضريبية

في الواقع، تعد قوة سلسلة التوريد مجالاً قد تكون فيه زيادة ضريبة الشركات سياسة جانب عرض جيدة.

لطالما استخدمت الولايات المتحدة الحوافز الضريبية لتشجيع أنشطة الشركات، مثل البحث والاستثمار.

قد يكون رفع معدل الضريبة الأساسي، كما اقترح "بايدن"، ثم تقديم تخفيض للشركات التي تعيد ربط سلاسل التوريد الهامة هو الحافز الأكثر فعالية هنا.

التحرك الحكومي في مجال البنية التحتية

المجال الثالث الذي تعتبر فيه الحكومة أمراً بالغ الأهمية هو البنية التحتية .إذا تُركت السوق الحرة لآلياتها الخاصة، فلن تنتج ما يكفي من البحث العلمي أو الطرق أو التعليم.

علاوة على ذلك، فإن التحول إلى الطاقة الخضراء لن يتحرك بمفرده بالسرعة الكافية؛ إذ أنه يحتاج إلى دعم حكومي. تزيد البنية التحتية من الطلب في الاقتصاد، ولكنها في جوهرها سياسة جانب العرض.

يبدو هذا هو الشكل الذي تتشكل به سياسة جانب العرض في عصر "بايدن" - في الواقع، ليس من المبالغة القول إن أحد أعمدة نهج "بايدن" الاقتصادي هو استخدام حكومة نشطة لتوسيع العرض.

ولكن طالما أن الولايات المتحدة تفكر على هذا المنوال، فقد حان الوقت لتبادل الأفكار حول طرق أخرى يمكن للحكومة من خلالها زيادة الحوافز للقطاع الخاص، بهدف توسيع الإنتاج.

إن القيام بتعديل النظام المالي بحيث يكون أفضل في مساعدة الشركات كثيفة رأس المال على التوسع بسرعة، ربما تكون فكرة جيدة، ففي نهاية المطاف، رأس المال هو أحد العوامل الرئيسية للإنتاج، ومثالياً، سيكون من السهل على السياسة القائمة على العرض جلب رأس المال.

إجمالاً، إنه لأمر جيد أن يساعد اقتصاد أمريكا ما بعد الوباء الأمة على تجاوز الأيام التي اعتقدنا فيها أن كل ما نحتاجه هو خفض الضرائب ورفع القيود، وسيهتم الإمداد بنفسه.