الإفراج عن مخزونات المعادن بالصين قد لا يقضي على طفرة الأسعار

الصين تتجه للإفراج عن مخزون احتياطي المعادن من أجل الحد من ارتفاع الأسعار
الصين تتجه للإفراج عن مخزون احتياطي المعادن من أجل الحد من ارتفاع الأسعار المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تشنُّ حكومة الصين حملةً لكبح جماح أسعار المعادن الصناعية. وإذا أرادت نجاح الخطة، فعليها معالجة السبب وليس الأعراض.

وصدرت أوامر للشركات المملوكة للدولة للسيطرة على مخاطرها، والحد من التعرُّض لأسواق السلع الخارجية، بحسب ما قال أشخاص مطَّلعون على هذا الأمر لـ "بلومبرغ نيوز" الأسبوع الماضي.

كما سيتمُّ قريباً الإفراج عن مخزونات الحكومة الصينية من النحاس، والألمنيوم، والزنك للمنتجين، والمصنِّعين، وهو إجراء كان من المتوقَّع اتخاذه لخفض الأسعار.

الطلب حقيقي وليس مضاربة

لكنْ من غير المرجَّح أن تسير الأمور على هذا النحو، إذ تودُّ الحكومة الصينية الاعتقاد أنَّ ارتفاع الأسعار يقف وراءه مجموعة من المضاربين الفاسدين المنفصلين عن الواقع، مثلهم كمثل أي مستثمر يمكن أن يقع في الجانب الخاطئ من التجارة.

لكن في الحقيقة، فإنَّ المضاربين يتحرَّكون بسبب وجود نشاط في الاقتصاد الحقيقي، وهذا النشاط لن يتوقَّف لمجرد أنَّ مسؤولاً ما أمر بتغيير المسار الحالي.

ولمعرفة السبب وراء ذلك، ضع في اعتبارك ما حدث في أغسطس 1971 عندما فرض الرئيس الأمريكي الراحل "ريتشارد نيكسون" ضوابط على الأجور والأسعار، في محاولة للحدِّ من ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، وحاول معرفة ما إذا كان بإمكانك تحديد تلك اللحظة على الرسم البياني الآتي:

احتياطي البترول الاستراتيجي

وتُظهر بقايا أخرى من السبعينيات، مدى صعوبة قيام الحكومة بخفض الأسعار حتى الآن، فقد ظلَّ الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة متوفِّراً منذ أزمات النفط في ذلك العقد؛ لضمان عدم نقص النفط الخام في أمريكا أبداً، لكن في المناسبات التي تمَّ فيها استخدام احتياطي البترول الاستراتيجي بالفعل، ظهرت القليل من الأدلة على أنَّه كان يملك تأثيراً كبيراً.

وحدثت آخر عملية من بين ثلاث عمليات سحب طارئة للاحتياطات البترولية الأمريكية في عام 2011، عندما كان الربيع العربي ينتشر في الشرق الأوسط.

لكن يبدو أنَّ ذلك أدى إلى نتائج عكسية، هذا إن كان له تأثير أصلاً. فبعد شهر واحد من مناقشة الرئيس المريكي الأسبق "باراك أوباما"، لأوَّل مرة لإمكانية استغلال احتياطي البترول الاستراتيجي في مارس من ذلك العام، ارتفعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 8.7٪، ووصلت إلى 109.92 دولاراً.

وبعد تراجع الأسعار بنحو 91 دولاراً خلال الأشهر التالية، أعقب ذلك إعلان وزير الطاقة الأمريكي آنذاك "ستيفن تشو"، في يونيو، عن إصدار دولي منسَّق للإمدادات بنحو 60 مليون برميل، فقد أعقبها هي الأخرى ذلك الصعود الشهري الآخر في الأسعار بنسبة 9٪.

في هذه المرحلة، كانت هناك ملاحظة كثيرة التكرار لدرجة الملل بين الاقتصاديين، وهي أنَّ احتياطي البترول الاستراتيجي له تأثير ضئيل على أسعار النفط الخام، بل وربما يدفعها إلى الارتفاع.

احتياطي لحوم الخنازير

وهناك دليل آخر يسبِّب شعوراً أكبر بالانزعاج، ويُظهر عدم جدوى ضوابط الأسعار في بكين، وهو زيادة احتياطي لحوم الخنزير الموجودة في الصين، وهو عبارة عن شبكة من مستودعات اللحوم المجمَّدة التي تستخدمها الحكومة منذ عام 2009 للتخفيف من التقلُّبات في العرض والطلب على الخنازير، بدلاً من تقليل تقلُّبات الأسعار، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة "يي يو" (Yi Yu) من جامعة "نانجينغ" الزراعية.

ربما يرجع ذلك إلى أنَّ مثل هذا التدخل الحكومي المبالغ فيه يشوش الإشارات التي يحتاجها المنتجون للحكم على الاتجاه الذي تتجه إليه الأمور.

ولا تبدو سوق لحوم الخنازير في الصين، التي تحوَّلت في فترة تزيد قليلاً على 12 شهراً من التضخم القياسي، إلى المعاناة من أقوى انكماش في عقد من الزمن، كنموذج على تحقيق الاستقرار.

الإفراج عن مخزونات المعادن

ومن المؤكَّد أنَّ حجم مبيعات المعادن المخطط لها في الصين قد يكون كافياً لإخافة بعض المضاربين، وتراجع نشاطهم في السوق؛ إذ تميل الإفراجات عن احتياطي البترول الاستراتيجي الأمريكي إلى أن تكون صغيرة نسبياً، ويكون حجمها في حدود يوم إلى يومين من الطلب الأمريكي على النفط، لكنَّ الأرقام الصينية التي تبلغ نحو 800 ألف طن متري من الألمنيوم تقريباً، التي تمَّ الاستشهاد بها فيما يتعلَّق بخطط الصين، أكثر تأثيراً بكثير، إذ تساوي تقريباً حجم الإنتاج في أسبوع كامل.

ويُعدُّ حجم مخزونات المعادن الاستراتيجية في بكين سرَّاً خاضعاً لحراسة مشددة، لذا فإنَّ أي شخص يقوم بشراء هذه المعادن على أمل ارتفاع الأسعار سيواجه بائعاً قد يكون لديه مخزون كبير جداً وغير مفهوم منها، وهذا المخزون يهدف لإبقاء المستويات منخفضة.

تذبذب الأسعار

يكمن الخطر هنا - كما هو الحال مع لحم الخنزير - في أنَّ تلاعب الحكومة بالسوق المفتوحة هو الذي يتسبَّب في تذبذب الأسعار، وليس التلاعب المفترض بالسوق من قبل مستثمري القطاع الخاص، ممن تستهدف مبيعات الاحتياطيات إيقاف نشاطهم.

وهناك الكثير من المؤشرات التي توحي أنَّ الطلب على المعادن في الصين قوي بشكل أساسي، إذ كان الاستثمار في الأصول الثابتة في البنية التحتية يعمل بما يقرب من ثلاثة أضعاف مستويات العام الماضي، خلال الأشهر الثلاثة الممتدة حتى مايو الماضي، وهو ما يفوق بكثير أي معدل شهدته البلاد على الإطلاق.

ووصلت رسوم المعالجة التي تحتاجها مصافي النحاس لتحويل مركِّزات المعادن إلى معدن لمستوى قياسي منخفض إلى 30.54 دولاراً للطن في شهر إبريل الماضي، مما يشير إلى أنَّها تخفِّض هوامش ربحها؛ حتى تحصل على المنتج المطلوب للمستهلكين.

وارتفعت أسعار المنتجين بنسبة 9٪ مقارنة بالعام الماضي في شهر مايو الماضي، وتعدُّ تلك النسبة أسرع وتيرة لها منذ عام 2008.

أسعار المنازل ترتفع

على الجانب الآخر، فأسعار المنازل آخذة في الارتفاع، مع انخفاض المعروض من الشقق، على الرغم من حقيقة أنَّ المساحة الأرضية للمباني السكنية قيد الإنشاء في مايو من هذا العام كانت بالفعل أعلى من الإجمالي السنوي في أي عام حتى 2018. وسيحتاج كلٌّ من هذه المباني إلى إمدادت، بدءاً من: الأسلاك النحاسية، وإطارات النوافذ المصنوعة من الألومنيوم، والشرفات، والسلالم الفولاذية المجلفنة بالزنك.

ولا يميل منحنى استخدام مثل هذه المنتجات المجهزة للوصول إلى نقطة الذروة إلا في أواخر العام الجاري.

ختاماً؛ يمكن القول، إنَّ تلك الإملاءات الحكومية لن تكون كافية لتحطيم سوق المعادن المحتدمة، إلا إذا تمَّ التوقُّف عن العمل في جميع مواقع البناء هذه.

معادن أساسية