بلومبرغ
حراس السندات الذين كانوا مختفين في وقت من الأوقات، بدوا هادئين في الآونة الأخيرة، وهم، وفقاً لمفاهيم وول ستريت، المستثمرون الذين يتصرفون بأنفسهم عندما لا تحمي الحكومة العملة. فإذا ارتفع معدل التضخم أو نما العجز، أو كانت الجدارة الائتمانية للدولة في خطر، باعوا السندات بشكل جماعي لرفع أسعار الفائدة بحدة، وإجبار الحكومة على التحرك بجدية.
لا أثر يُذكَر
لم يكن للحراس أي أثر يوم 9 يونيو، عندما انخفضت الفائدة بدلاً من ارتفاعها، وتراجع العائد على أذون الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 1.48% بعدما ارتفع إلى 1.74% في نهاية مارس، وذلك رغم توقعات الاقتصاديين بأن مكتب إحصاءات العمل كان سيعلن في 10 يونيو ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 4.7% في العام المنتهي في مايو.
ذهب إدوارد هاريسون إلى حد كتابة مقال في 9 يونيو بعنوان "موت حراس سندات الخزانة الأمريكية" في "كريديت رايتداونز" (Credit Writedowns)، وهي نشرة إخبارية أسسها بنفسه، وكتب أن "أسواق السندات لم تعد تهدّد أي أحد في الوقت الحالي".
فهل تنمو الزهور حقاً على قبور الحراس؟ وجهت هذا السؤال إلى الاقتصادي إدوارد يارديني، رئيس شركة "يارديني ريسيرش" (Yardeni Research)، الذي ابتكر مصطلح "حراس السندات" في عام 1983، عندما كانوا قوة يُعتدّ بها، وكانت إجابته القصيرة هي لا. أما إجابته الطويلة فكانت مليئة بنوع من الآراء القوية التي تتوقعها من شخص يتابع الأسواق منذ حصوله على دكتوراه الاقتصاد من جامعة يال عام 1976.
في ما يلي نسخة مكثفة ممّا قاله:
كانت ذروة نشاطهم في ثمانينيات القرن الماضي عندما حظينا بأربع حلقات من ارتفاع عائدات السندات ثم انخفاض لاحق في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وكان كثيرون يعرفون أن حكومة كلينتون كانت تخشى حراس السندات، لذلك حافظت على قدر معقول من الانضباط المالي، بل إننا فعلياً تمتعنا بفوائض.
الحاجة إلى يقظة الحراس
في الوقت ذاته، ظهر بعض القوى الانكماشية القوية جداً على طول الطريق، وهدأت الحاجة إلى يقظة الحراس في تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، حتى ضربت الأزمة المالية العالمية وتسببت في زيادة كبيرة في العجز، ومع ذلك ظلّوا هادئين.
وبرز الحراس في اليونان، وفي 2010/2011 ارتفع عائد السندات السيادية إلى 40%، وتدخل دراغي (رئيس المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي) لخفضه.
ومع خروجهم من 2008 تبنّت البنوك المركزية سياسات نقدية غير تقليدية، وعززت ميزانياتها، ولم تعُد سوق السندات سوقاً، ولم تعُد قوى السوق الحرة تحدّد العرض والطلب على السندات. وكما قد يقول البعض، كانت البنوك المركزية تتلاعب بسوق السندات. وحتى إذا أراد الحراس التعبير عن رأي، كانت تمنعهم أفعال البنك المركزي، ومجدداً لم يحدث كثير مما يستدعي الشكوى.
لكن ربما عاد الحراس من الموت بدءاً من أغسطس الماضي، وكان الفيدرالي يشتري كل تلك الأذون والسندات، ومع ذلك ارتفع عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 1.7% أوائل العام الجاري. وبالتأكيد ظهر من يبيعون مع شراء الفيدرالي كل هذه الكمية، وكانت لهم قوة كافية لدفع العائد إلى أعلى، ولا بد أنهم مستثمرون من القطاع الخاصّ.
النظرية الحديثة
في مارس تَبنَّى الفيدرالي ووزارة الخزانة النظرية النقدية الحديثة (التي لا تقلق بشأن عجوزات الموازنة)، وكانت تصريحاتهم ومواقفهم موحدة.
سألته إذا كان الحراس قد ماتوا:
لا أعتقد أنهم ماتوا، ودعنا نرَ ماذا سيحدث غداً (في تقرير التضخم)، فقد دخل ابني ذو الـ22 ربيعاً إلى مكتبي صدفة وكان قد حصل للتو على قصة شعر جديدة، وقال إنهم رفعوا السعر في صالون الحلاقة من 20 إلى 26 دولاراً.
فعندما يبدأ الحلاقون رفع الأسعار، فعليك القلق من التضخم الأوسع.
وما زلت متمسكاً بتوقعاتي بأن يصل العائد إلى 2% (العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات) بحلول نهاية العام، وسيدوم التضخم لوقت أطول قليلاً مما تتوقع الأسواق.
ولم يعد من السهل أن تكون حارس سوق سندات مثلما كان الأمر في الثمانينيات، حينها لم يتدخل الفيدرالي مباشرة في سوق السندات، مما أعطى الحراس مزيداً من الثقة للمحاولة بشجاعة التعبير عن رأيهم عندما كان البنك المركزي يكمَّم أفواههم لفترة طويلة.
وفي السوق الحرة التنافسية تنجح آليات السعر، ولكن السوق الحالية ليست حرة.
وكلما واصل الفيدرالي شراء السندات، ازدادت قوة حراس سوق السندات (على الأغلب) لأن التأثير المركَّب لأسعار الفائدة الأعلى على خدمة مدفوعات الدين سيكون قاتلاً، وقد حظينا بلمحة عن ذلك في 2017/2018 عندما كانت الفائدة ترتفع.