محاولة صينية لرسم مستقبل شبكات الطاقة العابرة للقارات والمحيطات

رجل يمر بدراجته من أمام أبراج التبريد وخطوط نقل الطاقة عالية الجهد في محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم في داكينغ، الصين
رجل يمر بدراجته من أمام أبراج التبريد وخطوط نقل الطاقة عالية الجهد في محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم في داكينغ، الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ طرح الرئيس شي جين بينغ فكرة "إنترنت الطاقة العالمية" في الأمم المتحدة قبل ستِّ سنوات، تحاول الصين إقناع العالم ببناء خطوط طاقة عالية الجهد سريعة، لتصبح الركيزة الأساسية لتنفيذ تلك الفكرة التي تهدف إلى بناء شبكة من خطوط الكهرباء العابرة للقارات، تنطلق من بكين لتغطي بقاع العالم كافةً. ويبدو أنَّنا نشهد ما يطلق عليه شبكات الطاقة الفائقة قيد التنفيذ، وإنْ لم يكن بالمستوى المذهل نفسه الذي تصوَّره شي في بداية الأمر.

التفوق الصيني

تعدُّ الصين متفوقةً في قدراتها التصنيعية والتكنولوجية المتعلِّقة بخطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد (UHVDC)، وقد اتخذت زمام المبادرة في وضع معايير عالمية للتقنية المستخدمة ومعايير الحوكمة ذات الشأن. وفي حال تنفيذ خطط شي، ستحصل الصين على مزايا كبيرة يرى بعضهم أنَّها قد تكون ذات آثار جيوسياسية عميقة تمنح الصين قوة ونفوذاً عالمياً يشبه النفوذ الذي اكتسبته الولايات المتحدة من خلال تشكيلها النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

ليست الصين وحدها التي تدفع باتجاه تجديد الاهتمام بإنشاء الكابلات التي يمكن أن تزوِّد المستهلكين في بلد ما بكهرباء تمَّ توليدها على بعد مئات بل آلاف الأميال في بلد آخر؛ وإنَّما تصاعد وتيرة الالتزامات بالوصول بانبعاثات الكربون إلى الصفر، وكلك التقدُّم التكنولوجي، وحوافز خفض تكلفة الإنتاج، كلها عوامل تدفع نحو تسريع بوتيرة التوسع في نطاق توليد الطاقة المتجددة.

من السهل بناء محطات طاقة تعمل بالفحم والغاز وحتى الطاقة النووية بالقرب من الأسواق التي تخدمها، لكن يعتقد الكثيرون أنَّ التوسُّع في بناء مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أصبح أمراً ضرورياً لتحقيق الأهداف المناخية التي باتت واقعاً يتعايش معه الجميع.

يجب إنشاء مزارع الطاقة المتجددة في مناطق تكون فيها الرياح وأشعة الشمس أقوى، وهو ما يجعلها تبعد مئات أو آلاف الأميال عن المراكز الحضرية، وهنا يمكن للكابلات الممتدة توصيل الطاقة الشمسية في فترة ما بعد الظهيرة إلى منطقة أخرى تقارب نفس توقيتها لتلبية الطلب هناك وقت الذروة في المساء، مما يحدُّ من تقلُّب الأسعار الناجم عن عدم التطابق في العرض والطلب، وكذلك الحاجة إلى سعة احتياطية لتخزين الطاقة التي يتمُّ توليدها بالوقود الأحفوري عندما تتلاشى أشعة الشمس أو الرياح.

14 تريليون دولار

يتعيَّن على الدول إنفاق ما لا يقل عن 14 تريليون دولار لتقوية الشبكات بحلول عام 2050، وتحقيق أهداف المناخ، والتخلُّص التدريجي من الكربون وفقاً لـ"بلومبرغ نيوز إنرجي فاينانس". وتمثِّل تلك الاستثمارات جزءاً قليلاً من الإنفاق المتوقَّع على تطوير قدرات توليد الطاقة المتجددة، التي سيكون لخطوط الجهد العالي، والفائق المباشرة دور محوري في ذلك التحوُّل. لكن السؤال هو: كيف ستصبح تلك الخطوط دولية؟

أنشأ الاتحاد الأوروبي في إبريل مجموعةً عمل للمساعدة في زيادة حجم شبكته التي تعدُّ النظام الدولي الأكثر تطوراً لتبادل الكهرباء، إذ يهدف الاتحاد إلى تطوير شبكة بحرية من مزارع الرياح في دول عدة. وقد أعلنت الدنمارك في فبراير عن خططها لبناء مزرعة رياح على جزيرة صناعية لتوليد الطاقة بتكلفة تصل إلى 34 مليار دولار، التي ستمثِّل محوراً رئيسياً في قلب استراتيجية التحوُّل، إذ تستهدف الوصول إلى توليد 10 غيغاوات، أي ما يعادل ثلثي إجمالي قدرة الدنمارك الحالية على توليد الكهرباء. وسينتج المشروع فائضاً في الكهرباء عن حاجة السوق المحلية.

تداعيات أزمة تكساس

بدأ الاهتمام في الولايات المتحدة بربط شبكة الطاقة الأمريكية، بعدما كشف انقطاع التيار الكهربائي القاتل لأيام عديدة في تكساس في فبراير الماضي تخلفها عن ذلك الركب. وقد ذكر تقرير صادر في مارس من شركة "بريكثرو إنرجي" (Breakthrough Energy) التي يموِّلها بيل غيتس مؤسس "مايكروسوفت"، سيناريوهات لخطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد العابرة للقارات لتوحيد الشبكات الأمريكية الثلاث التي ما تزال منفصلة حتى الآن.

تتضمَّن خطة الرئيس جو بايدن لتطوير البنية التحتية إنفاق 100 مليار دولار على إنشاء شبكات الطاقة، وإنشاء هيئة جديدة لتطوير الشبكة تهدف إلى "وضع أولوية لإنشاء خطوط نقل الطاقة عالية الجهد" على طول الطرق الفيدرالية السريعة، فيما لم تتأكَّد حتى الآن موافقة الكونغرس على الخطة.

ومن المقرر نشر دراسة بتكليف من وكالات في كندا، والمكسيك، والولايات المتحدة حول إمكانية توصيل شبكاتها هذا العام.

تحوَّلت الظروف لتثبت صحة رأي أولئك الذين روّجوا لفكرة الشبكات العملاقة على مدى سنوات. يقول "ميكا أوباياشي" مدير معهد الطاقة المتجددة، الذي تأسس عقب كارثة فوكوشيما النووية عام 2011 على يد ماسايوشي سون مؤسس "سوفت بنك"، ومقرّه طوكيو: "أعتقد أنَّ الوقت قد حان". وتتمثَّل مهمة هذه المؤسسة في الترويج لبناء شبكة ربط عملاقة شمال شرق آسيا تربط الصين، واليابان، ومنغوليا، وروسيا، وكوريا الجنوبية. ويقول أوباياشي: "لا أستطيع أن أتخيَّل اليابان في عام 2050 معزولة عن أيِّ مكان آخر".

منافسة ومرونة

تبني أوروبا خطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد للسماح بالتحكُّم في إمدادات الطاقة من الشبكة الكهربائية بين الدول وبعضها مع بعض لعقود، فقد تبادلت الدول الأوروبية ما يزيد قليلاً على 9% من الكهرباء عبر الحدود في عام 2018 مقارنة بأقل من 2% في الأمريكتين و0.6% في آسيا بحسب وكالة الطاقة الدولية.

يدفع تداول الطاقة بسهولة إلى خفض الأسعار وسط زيادة المنافسة، كما يعزز المرونة، ويضمن عدم التعرض لانقطاع كارثي في دولة ما، إذ يمكنها ببساطة الاعتماد على الآخرين للمحافظة على الإضاءة.

لكنَّ الحاجة إلى نقل الطاقة لمسافات طويلة زادت من اهتمام العديد من الدول ببناء الشبكات العملاقة في الوقت الحالي، وسط تسارع وتيرة استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة. وينطبق ذلك بشكل خاص على مزارع الرياح البحرية التي يُنظر إليها على أنَّها منطقة نمو رئيسية لمصادر الطاقة المتجددة.

تدفع التكلفة المرتفعة للتحول من التيار المتردد الذي يسير باتجاه واحد إلى التيار المباشر الذي يسير في الاتجاهين، وانخفاض احتمال خسارة الطاقة إلى زيادة القيمة الاقتصادية لخطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد لمسافات تزيد على 500 ميل (800 كيلومتر) فوق سطح الأرض، و31 ميلاً (50 كيلومتراً) للكابلات تحت الأرض والكابلات البحرية.

مشروعات عملاقة

يعدُّ مشروع "هورن سي1" أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم في الوقت الحالي التي تبعد 120 كيلومتراً (75 ميلاً) عن سواحل بريطانيا. ومع اكتمال مشرع "دوغر بنك" البريطاني الذي يبعد 5 أميال عن الساحل سوف يحتل الصدارة بدلاً من مشروع "هورن سي1".

تتزايد وتيرة إنشاء مزارع الرياح داخل البحار بالتزامن مع تطوير عمل التوربينات على منصات عائمة، وقد أطلقت شركة "هيتاشي إيه بي بي باور" المزوِّد الرئيسي لتقنية خطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد هذا الشهر خطاً جديداً من المحوِّلات المطورة والمخصَّصة لعمل التوربينات العائمة.

تساعد كابلات خطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد في إنشاء محطات طاقة متجددة بعيدة داخل البحر بحجم محطات الطاقة الأرضية.

تقع محطة صحراء غوبي في منغوليا في قلب مشروع الشبكة العملاقة في شمال شرق آسيا الذي تروج له الصين ومعهد "أوباياشي". من الناحية النظرية، تمتلك محطة غوبي القدرة على توفير 2.6 تيراواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية - تفوق ضعف قدرة شبكة توليد الطاقة الحالية بالكامل في الولايات المتحدة - لمجموعة من الاقتصادات الآسيوية القوية التي تنتج معاً أكثر من ثلث انبعاثات الكربون العالمية. ولكن ما تزال تلك القدرات غير مستغلة بالكامل بسبب عدم توافر الوسائل اللازمة لنقل الطاقة المنتجة هناك خارج سوق منغوليا الصغير.

إمكانات أمريكية كبيرة

تتوافر الإمكانات ذاتها لدى الولايات المتحدة، إذ يمكن لولاية نيويورك، إذا ما كانت لديها البنية التحتية المناسبة الاستفادة من الموارد الغنية بالشمس والرياح ومن مناطق الجنوب والغرب الأوسط الأمريكي. وهو ما يعني أنَّ تطبيق رؤية أكثر طموحاً قد تسهِّل الوصول إلى الطاقة من أماكن بعيدة، مثل كندا، أو صحراء أتاكاما في تشيلي، إذ توجد أعلى مستويات معروفة عالمياً من إمكانات توليد الطاقة الشمسية لكلِّ متر مربع.

يقول "جيريمي ريفكين" الخبير الاقتصادي الأمريكي الذي تعتمد عليه أغلب البلدان التي تتطلَّع لتطوير بنيتها التحتية الرقمية والمتعلِّقة بالطاقة المتجددة، إنَّ هناك إمكانية لخلق سوق كهرباء واحدة تخدم 1.1 مليار شخص في الأمريكيتين، بما يقارب حجم سوق الصين نفسه تقريباً.

قدَّم ريفكين الاستشارات لكلٍّ من ألمانيا، والاتحاد الأوروبي، والصين، فضلاً عن أنَّ رؤية الرئيس شي لتشييد شبكة طاقة عالمية، مستوحاة بشكل مباشر من كتابه "الثورة الصناعية الثالثة" الصادر عام 2011.

سياسة المحيط الحيوي

يشير ريفكين إلى صعوبة إقناع الدول بالاعتماد على بعضها في إمدادات الكهرباء، ولكن طبيعة توزيع الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح المتباينة على مستوى العالم تجعل ذلك الخيار أمراً لا مفرَّ منه. ويقول ريفكين: "هذه ليست الجغرافيا السياسية للوقود الأحفوري التي يملكها بعضهم، ويشتريها آخرون، لكنَّها سياسة المحيط الحيوي القائمة على الجغرافيا التي تدفع إلى تقاسم طاقة الرياح والشمس".

يبدو أنَّ الصين بدأت ترسم الطريق لمستقبلنا المشترك القائم على مدِّ خطوط النقل السريعة للكهرباء العابرة للقارات والبحار، فقد انتهت بكين في ديسمبر من مشروع خطوط نقل الطاقة المباشرة عالية الجهد بتكلفة 3.45 مليار دولار بطول 970 ميلاً، وطاقة 800 كيلوفولت لنقل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح التي يتمُّ توليدها من سهول التيبت العالية إلى وسط الصين. وقد سبق ذلك المشروع بناء الصين خط كابلات بطاقة 1.1 مليون فولت يمكنه نقل ما يصل إلى 12 ألف ميغاواط من الطاقة - أكثر قليلاً من قدرة التوليد الحالية بالكامل في أيرلندا - من صحاري وجبال مقاطعة شينجيانغ إلى أعتاب شنغهاي على بعد يقارب ألفي ميل شرقاً. (كابلات الجهد العالي هي تلك التي تفوق 500 كيلو فولت، بينما الكابلات فائقة الجهد التي تتخصَّص فيها الصين، هي التي تزيد على 800 كيلو فولت).

يقود ليو زينيا الذي عمل سابقاً رئيساً لشركة "ستيت غريد" (State Grid – SGCC) الصينية جهود إنشاء الشبكة العالمية الفائقة، وذلك بحكم عمله رئيساً لمنظمة "التنمية والتعاون للربط العالمي للطاقة "جيدكو" المدعومة من الأمم المتحدة ومقرّها بكين.

تنقسم خطة "جيدكو" إلى مراحل تبدأ بتعزيز الشبكات الوطنية، وتنتقل إلى بناء شبكات إقليمية قبل أن تنتهي بحلول العام 2070 من بناء شبكة كاملة تمتد عبر الأرض عن طريق 18 خطاً.

وتعدُّ "ستيت غريد" أكبر مرفق للطاقة في العالم، فقد بدأت الشركة المرحلة الأولى من عملها في عام 2008 بفورة شراء لتمكينها من القيام ببعض التعزيزات، وفي ذلك الإطار، استحوذت على حصص تصل إلى 85% في شركات توزيع الكهرباء في الفلبين، والبرتغال، وأستراليا، وهونغ كونغ، والبرازيل، واليونان، وإيطاليا، وعادت للشراء في عُمان العام الماضي. كما قامت شركات صينية أخرى بشراء أسهم في شبكات أجنبية.

القلق الأمريكي

يقول "فيليب كورنيل"، وهو متخصص الطاقة في المجلس الأطلسي بواشنطن: "ترى الولايات المتحدة أنَّ الأمر يدعو إلى القلق". فالقلق لا يتعلَّق بالخوف من التهديد "سأقطع الكهرباء عنكم" على غرار قطع روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا في عام 2006 أو قطع منظمة "أوبك" النفط في السبعينيات. فقد أشار كورنيل إلى أنَّ "القلق يتعلَّق بخلق نظام مالي عالمي من خلال إنشاء عمود فقري لأنظمة الطاقة في البلدان، ترتبط به العديد من التكنولوجيا والمؤسسات المعنية، مما يجعلك تجد نفسك فجأة داخل نظام حيوي صيني".

دفعت المخاوف من النظام الحيوي الصيني الولايات المتحدة إلى الضغط على حلفائها لمنع شركة "هواوي تكنولوجي" الصينية من بناء شبكات الجيل الخامس لاحتمال تواصل شبكات الكهرباء والاتصالات مع بعضها البعض بشكل متزايد في عصر إنترنت الأشياء، وهو الاحتمال الذي يمثِّل الركيزة الأساسية لخطة شي لإنشاء شبكة عالمية للطاقة. ويتساءل كورنيل قائلاً: "هل يمكن للصين الدخول من الباب الخلفي؟ من المؤكَّد أنَّه سيتمُّ الوصول إلى معلومات المستهلكين بشكل كبير، ويمكنك تخيل قدر النفوذ الكبير الذي ستحصل عليه في المستقبل".

يرجع عدم إبداء الولايات المتحدة لمخاوفها الأمنية من شبكة شي العالمية التي يمكن الوصول إليها من خلال شركة "هواوي" على الأغلب، إلى صعوبة تحقيق طموحات الصين على أرض الواقع، إذ لم يتم بناء سوى القليل من خطة "جيدكو" التي تستهدف بناء 125 ألف كيلومتر من شبكات الجهد العالي. ويستثنى من ذلك التباطؤ الربط الباكستاني الصيني الذي يأتي ضمن المرحلة الأولى للمشروع، الذي من المقرر أن يبدأ العمل به في وقت لاحق من هذا العام.

يبقى مشروع الشبكة الفائقة لشمال شرق آسيا حتى الآن مشروعاً نظرياً بالنظر إلى التقدُّم البطيء الذي تحققه مبادرة ربط وتداول الطاقة بين 7 دول في منطقة ميكونغ الكبرى التابعة لبنك التنمية الآسيوي منذ إطلاقها في عام 1992.

الترويج للشبكات الفائقة

روّج "ليو زينيا" للشبكات الفائقة في الخطابات والمؤتمرات بشكل كبير، وشبَّه الأمر بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات، كما تفاخر بوضع الصين معايير تقنية عالمية.

لكنَّ المسؤولين في بكين بدأوا في التراجع عن بعض المقترحات الأكثر إثارة للجدل. ومن بينها على سبيل المثال، مقترح إنشاء هيئة دولية مركزية تقوم بالتوجيه والإشراف على تشغيل الشبكة العالمية. ويأتي ذلك في الوقت الذي رفضت فيه المتحدِّثة باسم "جيدكو" مناقشة خطط الشبكة الفائقة. وبدلاً من ذلك، قدَّمت خطابات وتقارير "ليو" التي تصف إمكانات الربط العالمي للطاقة وأهميته لإنهاء أزمة المناخ وتحقيق المشروع، بـ"مكاسب دولية متبادلة".

يقول أوباياشي، إنَّ المسؤولين اليابانيين لا يجرؤوا على التلميح باحتمال ربط نظام الطاقة لديهم بالصين. ويأتي ذلك في الوقت الذي تضاعف فيه اليابان تدفقات الطاقة بين الشبكات المحلية التي ما تزال معزولة وفقاً لخطة الطاقة اليابانية التي تمَّ الكشف عنها في إبريل، وهو ما يعدُّ بداية محتملة، ولكن لم يصدر عنها أي تصريح عن الربط مع الدول الأخرى.

تقنيات قديمة

قد يرجع عدم بناء تلك الشبكات العملاقة إلى قِدم التقنية التي تعتمد عليها. فهي ليست باهظة الثمن فقط، بل تواجه صعوبات سياسية ولا تحظى بشعبية، كما تتطلب تخطي العديد من التحديات الخفية. بالإضافة إلى أنَّ منشآت الطاقة الضخمة أيضاً قد عفا عليها الزمن، في الوقت الذي يوفَّر التوليد صغير الحجم القريب من المنزل، مثل السطح، وتخزين البطارية، والهيدروجين القابل للنقل حلولاً منافسة للبعض بالنسبة إلى مشاكل التوصيل التي تهدف الشبكات العملاقة إلى حلِّها.

يرى "جان فاندي بوتي" محلل الطاقة بجماعة الضغط البيئية "غرين بيس" (Greenpeace) في بروكسل، أنَّ رؤية الصين لإنترنت الطاقة العالمية لا يتنافى مع ذلك الطرح، حيث يقول: "كل ذلك سيكون مطلوباً ولن يكون هناك شيئاً كافياً،. إذ نحتاج إلى بطاريات وأدوات أخرى من أجل دمج الكميات الكبيرة من مصادر الطاقة المتجددة في الشبكات التي يصبح ربطها في ذلك الوقت أكثر فعالية من ناحية التكلفة والكفاءة". كما رجَّح بوتي أن يتحرك الاتحاد الأوروبي وغيره تدريجياً، وأن تظهر شبكات عملاقة متميزة فقط بعد عام 2030.

يؤكد "جيرهارد سالغ"، كبير مسؤولي التكنولوجيا في "هيتاشي إيه بي بي باور غريدز" (Hitachi ABB Power Grids) التي تأسست العام الماضي نتيجة شراء "هيتاشي" اليابانية 80% من أعمال "شبكة الكهرباء السويدية السويسرية" (ABB) مقابل 6.85 مليار دولار، ثقته في نمو الطلب على محوِّلات التيار المتردد إلى التيار المباشر بطاقة آلاف الأطنان التي تبنيها شركته.

اختيار المواقع

يقول سالغ: "نحن بحاجة إلى الانطلاق نحو الاعتماد على طاقة الرياح، واختيار أفضل مواقع توليد الطاقة الشمسية، وكذلك أفضل مواقع لطاقة الرياح البرية، مثل صحراء تشيلي، وكذلك شمال روسيا حيث مناطق الرياح القطبية الدائمة على مدار العام".

تبني "إيه بي بي هيتاشي" كابل في بريطانيا يربط يوركشاير بمزرعة الرياح البحرية التابعة إلى "دوغر بنك".

تقول عايدة سيتديكوفا مديرة الطاقة والموارد الطبيعية في روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير الذي شارك في الاستثمار في العديد من مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية المنغولية، إنَّ المشروعات الضخمة قد تستغرق بعض الوقت مثل ما يحدث في منغوليا ومشروعات السعودية لتوليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي يراها العديد فرصة سانحة. وبرغم الإعلان الحكومي عن دعم تلك المشروعات، تتوقَّف الجهود بسبب العوائق التنظيمية التي تعيق بدء الاستثمارات. وقد حدث بالفعل توقُّف للجهود المبذولة لبناء المزيد من مشروعات توليد الطاقة المتجددة هناك.

وأضافت سيتديكوفا: "تشييد شبكة عملاقة يتطلَّب من الدولة توفير الاستعدادات لبناء مصادر للطاقة المتجددة، وجذب الاستثمار، وتوفير البيئة التنظيمية المناسبة". لم توفِّر منغوليا تلك المقوِّمات اللازمة لتشييد شبكة ضخمة، ووافقت فقط في العام الماضي على تنمية قدرات جديدة لتوليد الطاقة، وتصديرها إلى الصين، ولكن من خلال بناء محطة جديدة تعمل بالفحم.

النموذجان الأمريكي والصيني

يرجِّح "غوش نوفاتشيك" الباحث ضمن فريق أنظمة الشبكات في المختبر الوطني للطاقة المتجددة التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، بناء المزيد من شبكات الطاقة عالية الجهد العابرة للحدود برغم كل العقبات ومنافسة التقنيات الجديدة. لكنَّه يرى أنَّ تلك الشبكات، سوف يتمُّ تشييدها وفق النموذج التاريخي الذي اتبعته شبكات الكهرباء الأمريكية التي تمَّ بناؤها تدريجياً وبشكل طبيعي، وليس النموذج الصيني الذي يستغرق وقتاً طويلاً.

ويقول نوفاتشيك: "سوف يشهد ذلك المسار تقدُّماً للأمام بالتأكيد، ولكن ذلك سيتمُّ عن طريق عولمة المسار، وليس من خلال خطة مركزية كبيرة".