هل تستجيب روسيا لتحذيرات أمريكا بشأن الهجمات السيبرانية؟

لقاء القمة بين بوتين وجو بايدين تناول مسألة الهجمات الإلكترونية التي ضربت جهات حيوية في أمريكا
لقاء القمة بين بوتين وجو بايدين تناول مسألة الهجمات الإلكترونية التي ضربت جهات حيوية في أمريكا المصدر: غيتي إيمجز
Meghan L. O'Sullivan
Meghan L. O'Sullivan

Meghan L. O’Sullivan is a Bloomberg Opinion columnist. She is a professor of international affairs at Harvard’s Kennedy School, the North American chair of the Trilateral Commission, and a member of the board of directors of the Council on Foreign Relations and the board of Raytheon Technologies Corp. She served on the National Security Council from 2004 to 2007.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل وضع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" للتو خطاً أحمر للزعيم الروسي "فلاديمير بوتين"؟ عندما وصف "بايدن" التحذير الذي قدمه إلى "بوتين" بشأن الهجمات الإلكترونية، بدا بالتأكيد وكأنه تحذير.

هذا أمر مثير للدهشة، ويحتمل أن يكون إشكالياً، ولكنه قد يحفز أيضاً التقدم المطلوب بشدة في تطوير القواعد والعقيدة فيما يتعلق بالفضاء السيبراني.

مقترح غريب

وصف "بايدن" تسليمه إلى "بوتين" بقائمة تضم 16 كياناً من كيانات البنية التحتية التي لا يمكن المساس بها بأنه "مقترح". لكنه كان اقتراحاً غريباً حقاً، لأنه جاء مع تحذير من عواقب وخيمة إذا جرى اختراق هذه المواقع.

بعد قمة الأربعاء، ورداً على سؤال حول العقوبات التي قد يجلبها مثل هذا الهجوم، قال "بايدن": "ألمحت إليه أن لدينا قدرة إلكترونية كبيرة. وهو يعرف ذلك. إنه لا يعرف بالضبط ماذا تكون؟، لكنها ضخمة. وإذا انتهكوا، في الواقع، هذه القواعد الأساسية، فسنرد عبر الإنترنت. هو يعرف ذلك".

وكشف "بايدن" أيضاً أنه سأل "بوتين" عن شعوره، إذا تعرضت خطوط الأنابيب الروسية للتلف، بسبب برامج الفدية. كان من الممكن أن يكون سؤالاً عرضياً، لكن من المحتمل أن يكون "بوتين" أخذها على محمل التحذير، لا سيما بالنظر إلى أن خطوط الأنابيب هذه هي شريان الحياة للاقتصاد الروسي، حيث يشكل النفط والغاز ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

تحذير مفاجئ

كان الخط الأحمر المشار إليه ضمنياً مفاجئاً لسببين. أولاً، على الرغم من مناقشته على نطاق واسع، فإن فائدة الخطوط الحمراء في عالم الإنترنت لم يُنظر إليها عموماً على أنها فكرة جيدة.

في شهر سبتمبر لعام 2016، عندما كان "بايدن" نائباً للرئيس، أوضح الجنرال "كيفين ماكلولين"، نائب رئيس القيادة السيبرانية الأمريكية، خلال مؤتمر الاستخبارات والأمن القومي، أن الولايات المتحدة قررت عدم رسم "الخطوط الحمراء" في الفضاء الإلكتروني: "الغموض، عدم تقييد نفسك، هي الطريقة التي تفضلها حكومتنا لفعل ذلك".

بالطبع، لقد تغير الكثير في مجال التكنولوجيا منذ ذلك الحين، لكن قيمة الحفاظ على حرية الرد على الهجمات الإلكترونية، على الرغم من أن الولايات المتحدة ترى أنها مناسبة، لا تزال ذات قيمة.

كارثة الخط الأحمر

ثانياً، بالنسبة لـ "بايدن" والعديد من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، فإن كارثة الخط الأحمر للرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" فيما يتعلق بنظام بشار الأسد في سوريا محفورة في أذهانهم بالتأكيد.

في مؤتمر صحفي في 20 أغسطس 2012، قال "أوباما" للصحفيين: "لقد أوضحنا لنظام الأسد أن الخط الأحمر بالنسبة لنا، هو أننا بدأنا نرى مجموعة كاملة من الأسلحة الكيماوية تتحرك أو يجري استخدامها، وهذا من شأنه أن يغير حساباتي".

في حين بدا أن البيان كان له تأثير رادع في البداية، بحلول نهاية العام، اكتشفت الإدارة علامات تدل على وجود استخدام للأسلحة الكيميائية. في شهر أغسطس التالي، أدى هجوم كيماوي واسع النطاق على ضواحي في دمشق إلى مقتل أكثر من ألف سوري.

ما تلا ذلك كان إخفاقاً على صعيد الشؤون الخارجية، حيث تحدثت الإدارة الأمريكية عن ضربات عقابية، إلا أن الرئيس الأمريكي تراجع في وقتٍ لاحق بمجرد أن جزم بعدم وجود دعم من قبل الكونغرس الأمريكي للعمل العسكري.

لاحظ الحلفاء والأعداء في جميع أنحاء العالم فشل "أوباما" في الدفاع عن خطه الأحمر، مما أدى إلى تقويض مصداقية أمريكا في الدفاع عن الأعراف التي تدعي أنها تعيش وفقاً لها.

تهديد مصداقية الولايات المتحدة

يحمل الخط الأحمر الضمني لـ"بوتين"، كل التعقيدات المحتملة التي اتضح أن تهديد "أوباما" لـ"بشار الأسد" ينطوي عليها.

إنه يحد من مرونة الإدارة الأمريكية في الرد على الهجمات السيبرانية، ويحمل احتمال أن يؤدي الفشل في تنفيذ ذلك، إلى الإضرار بالمصداقية الأمريكية، في وقت يحرص فيه "بايدن" على إظهار صدق عزيمة الولايات المتحدة لـ"بوتين" وبقية العالم، وخاصة الصين.

علاوة على ذلك، من خلال تحديد الكيانات التي تحتاج إلى الحماية، قد يكون المعنى الضمني أن المواقع الأخرى هي عُرضة للهجوم.

أخيراً، تحديد أن الدولة الروسية - على عكس مجرمي الإنترنت الذين شنوا الهجوم على شركة "كولونيال بايبلاين" الأمريكية - كانت مسؤولة عن أي عملية هجومية سيكون على الأرجح أصعب بكثير من إثبات استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام "الأسد" في سوريا.

اعترف "بايدن" في مؤتمره الصحفي بوجود تفريق منطقي بين الحكومة الروسية، وهذه الجهات غير الحكومية المنفذة للهجوم. في إشارة إلى هجمات برامج الفدية الأخيرة، قال عن نظام "بوتين"، "لا أعتقد أنهم خططوا لها، في هذه الحالة".

لا يسع المرء إلا أن يأمل أن يكون "بايدن" قد أوضح لـ"بوتين" أنه سيكون مسؤولاً عن أي هجوم إلكتروني ضد أمريكا - وأن الحكومة الأمريكية قد قيَّمت بثقة أن "بوتين" لديه القدرة على السيطرة الكاملة على هذه الجماعات إذا أراد ذلك.

رد الهجوم عبر الإنترنت أيضاً

الاستثناء من القياس مع خط "أوباما" الأحمر، هو أنه إذا واجهت هجوماً إلكترونياً روسياً على أحد هذه الكيانات الـ16 التي لا يمكن المساس بها، فلن يكون لدى إدارة "بايدن" التعقيد (أو العذر)، في الحاجة إلى التشاور مع الكونغرس الأمريكي حول الرد عليها بهجوم مماثل.

في حين أن هناك حججاً قانونية قوية، مفادها أن الرئيس يجب أن يسعى للحصول على إذن من المشرِّعين بعمل عسكري وشيك، لا يوجد مثل هذا القانون فيما يتعلق بالإنترنت.

يقودنا هذا إلى المجالات التي يمكن أن يكون فيها للخط الأحمر الضمني لـ"بايدن" بعض الفوائد. لسنوات عديدة، لاحظ الخبراء أن الضرر الذي تُسببه الهجمات السيبرانية يمكن أن يكون مشابهاً للضرر الناجم عن ضربات العسكرية.

لكن هجمات برامج الفدية الأخيرة ضد الكيانات الأمريكية، قد أبرزت هذا الواقع على نحو صارخ، وأكدت مدى قصور تطوير القواعد والعقيدة القتالية، بالنظر إلى حالة التكنولوجيا.

يستمر هذا الضعف على الرغم من الجهود الجديرة بالثناء من قبل مختلف هيئات الأمم المتحدة، واللجنة العالمية بشأن الاستقرار الفضاء السيبراني، واتفاقية نداء باريس من أجل الثقة والأمن في الفضاء السيبراني لعام 2018.

الخط الأحمر له بعض الفوائد

يمكن أن يضيف الخط الأحمر الضمني لـ"بايدن" الخاص بـ "بوتين" أهمية جوهرية للحوار الاستراتيجي حول القضايا السيبرانية بين واشنطن وموسكو، إذا حفز ذلك تعاون القوى العظمى الذي تشتد الحاجة إليه، حول الجهود المبذولة لبناء قواعد السلوك، فسيكون ذلك خطوة مهمة في نقل العالم إلى ما وراء مجرد تحديد مثل هذه القواعد للجهات الفاعلة المهمة التي تقبل العمل بها.

بالإضافة إلى ذلك، إذا وجدت إدارة "بايدن" نفسها ملزمة بكلمات الرئيس بشن هجوم إلكتروني ضد روسيا، فمن المرجح أن يستيقظ الكونغرس على حقيقة أنه لم يمارس سلطاته الدستورية في مجالٍ متزايد من الصراع - مما يستدعي عقد جلسات استماع ومداولات وربما صدور تشريع جديد.

عادة ما يتعلق صنع القرار بالاختيار بين الخيارات السيئة. من المفهوم أن بايدن شعر أنه من الضروري وقف الاتجاه المزعج للهجمات السيبرانية الضارة القادمة من روسيا. من المحتمل أن يكون هو وطاقمه قد ناقشوا إيجابيات وسلبيات الخط الأحمر، وقرروا أن تبنّي أحدها يعد أفضل مسار للعمل، على الرغم من سلبياته الواضحة.

ومع ذلك، من الصعب رؤية فوائد جعل مثل هذا الطرح علنياً. ربما كان "بايدن" قادراً على خلق نفس التأثير الرادع تقريباً، من خلال التأكيد على عدم المساس بهذه المناطق الستة عشر، والعواقب المؤكدة المترتبة على أي هجوم سيبراني يستهدفها، أثناء التحدث على انفراد مع بوتين.

حالياً بعد أن أصبح العالم يراقب الموقف، ستحتاج الحكومة الأمريكية إلى تكثيف جهودها لإضفاء الطابع الرسمي على ما كان حتى الآن غير رسمي في عالم الإنترنت.