"أبل"جوهرة التكنولوجيا تخسر بريقها مع زيادة التدقيق

تيم كوك، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "أبل"، في أوكلاند بالولايات المتحدة
تيم كوك، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "أبل"، في أوكلاند بالولايات المتحدة المصدر: أ.ب
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد لا يكون تيم كوك، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "أبل"، مشاركاً دونالد ترمب في قيمه، لكنه مع ذلك يعرف بالتأكيد كيف يجعله يستمع إليه.

وفي الوقت الذي واجه فيه كبار المديرين التنفيذيين لشركات مثل "فيسبوك" و"ألفابت" التابعة لـ"غوغل" اتهامات بالتحيز ضد الجمهوريين، وخاض جيف بيزوس من "أمازون" نزاعاً علنياً مع الرئيس السابق، كان كوك يتناول العشاء مع ترمب في نادي الغولف التابع له "بيدمينستر"، ويضع بذوراً مستقبلية للعلاقات مع أبنائه.

ماذا كانت الاستفادة التي حقّقها؟ عندما واجه كوك مشكلة، كان كل ما يحتاج إليه هو إجراء اتصال هاتفي. قال ترمب في أغسطس 2019، متحدثاً بصيغة الغائب عن كوك: "يوظّف الآخرون مستشارين مكلفين، فيما يتصل تيم كوك بدونالد ترمب مباشرة. عندما تحدث مشكلة، سيتصل".

شهادة تاريخية

اليوم، المشكلات التي يتعرض لها كوك، ستحتاج منه إلى أكثر من مجرد مستشارين مكلفين للغاية. إنه يحتاج إلى بعض المحامين المكلفين جداً.

في 21 مايو الماضي جلس كوك في قاعة محكمة أوكلاند بكاليفورنيا، على بعد نحو 2400 ميل (1 ميل = 1,609 كم) من المكتب البيضاوي، ليقدّم شهادته في دعوى قضائية رفعتها شركة التطوير "إيبك غيمز". وقال كوك حينها إن شركته التي تبلغ قيمتها تريليونَي دولار، تواجه "منافسة شرسة". وكان بعض من أصعب الاستفسارات قد وُجّهت إليه من القاضية، التي تساءلت ما إذا كانت "أبل" تتمتع بسلطة أكبر من اللازم على سوق تطبيقاتها.

وقالت القاضية إيفون غونزاليس روجرز، إن قرار شركة "أبل" خفض التكاليف على بعض المطورين "لم يكُن بسبب المنافسة"، وأضافت: "يبدو أن هذا كان نتيجة للضغط الذي تشعر به من التحقيقات، والدعاوى القضائية".

أكبر شركات أمريكا

سابقاً، قبع كل من "أمازون" و"فيسبوك" و"غوغل" في مواقف صعبة، وذلك ضمن "المواجهات التكنولوجية" التي بدأت في عهد ترمب، ويبدو أن الدور الآن قد حان لشركة "أبل"، وهي أكبر شركة أمريكية من حيث القيمة السوقية، ويقع مقرها في كوبرتينولا بولاية كاليفورنيا. وكانت عملاقة التكنولوجيا استطاعت البقاء بعيداً عن الأضواء القانونية والسياسية لفترة طويلة خلال إدارتها الأخيرة.

وفيما كان كل من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء يسحقون الشركات الأخرى بسبب الاحتكارات، ارتفع سعر سهم "أبل" بنسبة 340%، متجاوزاً ارتفاعاً نسبته 70% على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، كما أن أداءه تفوق أيضاً على عمالقة التكنولوجيا الآخرين.

مع ذلك، لم تُفلت شركة "أبل" تماماً من هذه المواجهات، فقد أدلى كوك بشهادته إلى جانب المديرين التنفيذيين الآخرين في جلسة استماع حول مكافحة الاحتكار في الكونغرس في يوليو الماضي، ولكن الشركة استطاعت تجاوز معظم المشكلات التي نالت من أقرانها.

متجر التطبيقات

تُعَدّ محاكمة أوكلاند الأخيرة رمزاً لمشكلات "أبل" المتزايدة، وهي تثير المخاوف المتعلقة بمتجر التطبيقات التابع للشركة، الذي يُعَدّ الخيار الوحيد لتنزيل التطبيقات بالنسبة إلى أكثر من مليار مستخدم لأجهزة "آيفون". وتقتطع "أبل" نحو 30% من قيمة كل عملية بيع لتطبيق في متجرها، إلى جانب حصة أخرى تحصل عليها كلما أجرى المستخدمون عمليات شراء داخل التطبيق.

وعندما حاولت شركة "إيبيك غيمز"، مطورة لعبة "فورتنايت" ذات الشعبية الكبيرة، أن تستبدل بنظام الشراء داخل تطبيقها نظامَها الخاص، حظرتها شركة "أبل" من متجر التطبيقات، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع دعوى قضائية ضدها، وتوجيه اتهامات بممارسات مناهضة للمنافسة. ومن المتوقع أن تتخذ القاضية قراراً حيال القضية في وقت ما خلال الصيف الحالي. وسيتناول القرار إمكانية احتفاظ "أبل" بقبضتها الخانقة على التطبيقات المتاحة للمستخدمين على أجهزتها. (قالت شركة "أبل" إنها تواجه منافسة قوية في سوق الهواتف الذكية، وأن متجر تطبيقات أبل" هو نظام بيئي مزدهر لتطبيقات الأطراف الأخرى، وإن عمولته تتماشى مع ما يتقاضاه منافسون آخرون مثل "غوغل" و"سامسونغ").

قضايا الاحتكار

هذا لم يكن كل شيء، ففي أبريل وجّه الكونغرس أيضاً سهامه نحو "أبل"، إذ أدلى مديرون تنفيذيون في شركتي "أبل" و"غوغل"، إضافة إلى مطورين من أطراف أخرى، بشهادتهم أمام اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار التابعة لمجلس الشيوخ، بشأن متاجر تطبيقات هذه الشركات. وانصب غضب المشرعين على شركة "أبل"، التي رفضت بدايةً إرسال مسؤول تنفيذي إلى جلسة الاستماع، لكنها عكست مسارها وسط ضغوط من الحزبين.

ورغم أن المطورين قالوا إنهم شعروا بالتعرض للاستغلال، وصف كايل أندير، كبير مسؤولي الامتثال في "أبل"، المنافسة التي تواجهها شركته بأنها "شرسة وعادلة"، تماماً كما فعل كوك. مع ذلك، لم يقتنع بعض أعضاء مجلس الشيوخ بذلك، إذ قال ريتشارد بلومنتال، الديمقراطي من ولاية كونتيكيت: "إذا قُدّم هذا النمط من الحقائق في امتحان مكافحة الاحتكار في كلية الحقوق، فإن الطلاب سيضحكون على الأستاذ حتى يخرجوه من الفصل، لأنه انتهاك واضح لقوانين مكافحة الاحتكار لدينا".

بيانات المستخدمين

في مايو، وجّه المشرعون ضربات أخرى إلى الشركة، وذلك بعدما أفاد تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" أن الشركة تنازلت عن سيطرتها على البيانات الشخصية للعملاء الصينيين لحكومة بكين. وأفادت صحيفة "ذا تايمز" بأن "أبل" تَخلَّت عن بعض ممارسات التشفير المعتادة، ووافقت على تخزين البيانات لدى شركة تعود للدولة، مقابل حماية الوصول إلى السوق.

في تغريدة له عبر "تويتر"، قال ريك سكوت السيناتور الجمهوري عن فلوريدا: "أعتقد أن (أبل) و(تيم كوك) يرون حدوداً لا نهاية لها من الأرباح، من خلال مساعدة وتحريض مهمة الديكتاتورية الشيوعية لقمع الحريات الأساسية وحقوق الإنسان"، فيما قالت شركة "أبل" لصحيفة "ذا تايمز" إنها لم تُعرض بيانات عُملائها الصينيين للخطر أبداً.

مجرد كلمات

الضغط السياسي الذي تواجهه شركة "أبل" وشركات التكنولوجيا الأخرى، قد يشكّل حالة غير مريحة لهم، ولكن في العالم الحقيقي للأموال، كانت الأمور هادئة إلى حد كبير، فغالباً ما يهدّد المشرعون بإلحاق الضرر بالأعمال التجارية، ولكن حتى مع توافق الحزبين، يُعَدّ نقل مشروع قانون إلى خط البداية أمراً صعب التحقق، ناهيك بإقراره.

خلال العامين الماضيين، قدّم الديمقراطيون والجمهوريون أكثر من عشرة مشاريع قوانين للحدّ من الحماية التي تتمتع بها شركات التواصل الاجتماعي، لعدم تحمل المسؤولية عما ينشره المستخدمون، لكن لم يصل أي من هذه المشاريع إلى نتيجة. ومن غير المرجح أن تذهب كلمات المشرعين الغاضبة ضد شركة "أبل" إلى أبعد من كونها مجرد كلمات.

التهديد الحقيقي

لكن التهديد الحقيقي ليس فقط لشركة "أبل" ولكن لكل شركة تكنولوجيا كبيرة، يكمن في الجهات الحكومية لمكافحة الاحتكار، والتي أمضت السنوات القليلة الماضية تعمل بهدوء خلف الكواليس. وفي عام 2020، رفعت الوكالات الفيدرالية والخاصة، دعاوى قضائية عدة، بتهم الاحتكار ضد "غوغل" و"فيسبوك".

كذلك، في مايو وجّه المدعي العام في واشنطن العاصمة، أول دعوى قضائية لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة ضد شركة "أمازون". في حين لم تواجه شركة "أبل" دعوى مماثلة بعد. لكن وزارة العدل الأمريكية قابلت في يناير شركة تطوير برمجيات واحدة على الأقلّ بغرض التحقيق، وهو ما ذكرته "بلومبرغ" في أخبارها.

تاريخ من المحاكمات

في الواقع، شكّلت شهادة كوك في محاكمة "إيبيك غيمز" لحظة كبيرة أخرى في تاريخ محاكمات مكافحة الاحتكار، ربما لم نشهد مثلها منذ أكثر من عقدين. وذلك منذ أن رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد شركة "مايكروسوفت" في عام 1998. في ذلك العام أدلى الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك بيل غيتس، بشهادته الخاصة، إذ تشاجر مع المحامي الفيدرالي ديفيد بويز، مستخدماً أسلوباً متحذلقاً يحمل سخفاً، جعل القاضي يضحك بصوت مرتفع في المحكمة. وقد أمرت المحكمة الابتدائية حينها بتفكيك شركة "مايكروسوفت"، لكن الشركة ربحت باستئنافها وحسمت الأمر.

مع ذلك، لربما تأمل "أبل" وشركات التكنولوجيا الأخرى، أن لا تكون تشكّل هذه القضية نذير شؤم لهم، إذ إنه من الصحيح أن "مايكروسوفت" قد ربحت، لكن مديريها التنفيذيين قالوا إن الضغوطات جعلت الشركة تتجنب التوسعات التجارية التي قد تؤدي إلى مزيد من التدقيق، وهو ما ترك مساحة للشركات الجديدة، مثل "غوغل"، والشركات التي أعادت رسم صورتها مثل "أبل"، لتنمو وتصبح الشركات العملاقة التي هي عليها اليوم.

وفيما قد يشكّل فوز "أبل" في المحكمة عزاءً لمستثمريها، فإنه قد يعني أيضاً احتمالية تفويتها للثورات التكنولوجية المقبلة.