الارتفاع الكبير في أسعار السلع يغري اللصوص

ارتفاع الأسعار يحفز زيادة الجرائم المرتبطة بالسلع، بدءاً من سرقة الأخشاب وحتى الاحتيال الغذائي
ارتفاع الأسعار يحفز زيادة الجرائم المرتبطة بالسلع، بدءاً من سرقة الأخشاب وحتى الاحتيال الغذائي المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تقضي الرقيب، توشا تيرنس، معظم وقتها في دائرة شرطة ساسكاتون للتحقيق في قضايا اقتحام ودخول، وفي الأشهر الماضية، شهد قسمها زيادة "هائلة" في نوع واحد من الجرائم وهو: سرقة الأخشاب من مواقع البناء.

تقول تيرنس من مدينة ساسكاتون في منطقة البراري في كندا: "كل شيء ملقى هناك، وكأنه مجاني نوعاً ما للجميع.. وبعض المواقع تعرضت للسرقة مرتين وثلاث وأربع مرات".

تعدّ سرقة السلع مثل الأخشاب، والمعادن، والمحاصيل الغذائية، ليست شيئاً جديداً، لكن مزيج ارتفاع الأسعار، ووباء كورونا، والضرر الذي لحق بالاقتصادات خلق أرض خصبة للمجرمين.

لكن يصعب الحصول على الإحصاءات، لأن السلطات تستخدم بيانات مختلفة، ومعظمها يعود إلى قبل انتشار الوباء. مع ذلك، ترسم المقابلات مع الخبراء، ووكالات إنفاذ القانون، والضحايا صورة عن ارتفاع النشاط الإجرامي، إذ إن القفزة في أسعار السلع، غذت الحديث عن "دورة فائقة" أخرى مثل تلك في العقد الأول من القرن.

في تشيلي، حيث يتتبع المصرفيون وسائقو سيارات الأجرة على حد السواء سعر النحاس، بسبب أهميته للاقتصاد، تستهدف العصابات حزم صفائح المعدن المنتجة حديثاً أثناء سفرها على عربات السكك الحديدية. وعندما يهجم اللصوص، يطاردهم رجال الشرطة المزودون "بأسلحة قتالية"، بحسب أحد الضباط في منطقة انتوفاغاستا، التي تضم بعضاً من أكبر مناجم النحاس في العالم.

كذلك تفيد تقارير من ألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، بسرقة قطع المحولات المحفزة من السيارات من أجل معادنها الثمينة. وفي نيجيريا أيضاً، التي تعاني مثل العديد من الدول النامية من تضخم جامح في أسعار المواد الغذائية، يشكو بعض المزارعين من استهداف اللصوص للمحاصيل الزراعية. حيث يقول جونسون أكينوونمي، مزارع الكاكاو في ولاية أوندو": لقد كانوا يسرقون كميات صغيرة من قبل، لكن السرقات الآن وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق منذ ديسمبر".

كذلك، انتشرت قضايا ما يُعرف باحتيال الطعام، والتي يمكن أن تعني الغش في المواد الغذائية، أو استبدالها بمنتجات رديئة الجودة، أو تزوير مصدرها. في ماليزيا، يقوم بعض المجرمين بإعادة تعبئة زيت الطهي المستعمل في علب أو زجاجات مطلية، ثم يبيعونه على أنه زيت نخيل، وهي السلعة الأساسية التي أصبحت أكثر تكلفة.

سلع مغشوشة

وكأحد نتائج الاحتيال الغذائي، أصيب 500 شخص على الأقل بالمرض في أبريل، بعد تناول دقيق الحنطة السوداء المغشوشة في الهند. وتقول الشرطة، إن هناك زيادة ملحوظة في الممارسة الشائعة المتمثلة بتخفيف التوابل، مثل الكركم والفلفل الحار، عن طريق خلطها بمواد أرخص (والتي غالباً ما تكون سامة)، مثل دقيق الأرز، أو أصباغ من مادة الأنيلين.

يقول أماريندرا باندا، وهو مساعد مفوض الشرطة في كوتاك في ولاية أوديشا بشرق الهند، إن ضباطه داهموا نحو 20 مبنى مؤخراً، وصادروا ما أسماه "سلع مغشوشة"، تبلغ قيمتها ملايين الروبيات، أو عشرات الآلاف من الدولارات. وقال: "كان دافعهم جني أرباح ضخمة من خلال أقل استثمار ممكن".

أما في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت أسعار الأخشاب إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في مايو. وقفزت الآن إلى أكثر من ضعف ما كانت عليه قبل عام. كما صعد النحاس بنسبة 70% خلال الفترة نفسها، بعد أن سجل رقم قياسي الشهر الماضي. كذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية للشهر الثاني عشر على التوالي في مايو، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقد تقريباً.

قال جيم ياربرو، الذي يقود فريق "معهد المعايير البريطانية" الذي يراقب الأخطار التي تتعرض لها سلاسل التوريد، بما في ذلك الإرهاب:"تتغير قيمة السلع في السوق السوداء تماماً مثلما تتغير في السوق العامة.. هذا أمر سيقود النشاط الإجرامي تماماً كأي شكل من العرض والطلب".

اضطرابات الوباء

على الرغم من أن ارتفاع الأسعار حفّز الجرائم المرتبطة بالسلع الأساسية، إلا أن الوباء قد أتاح فرصاً جديدة لانتشارها. وتقول كيمبرلي كاري كوفين، المديرة الفنية العالمي في "ليودز ريجستر" وهي شركة مراقبة جودة، إن اضطراب الإمدادات ونقص بعض المواد أجبر المسؤولين في بعض الأحيان على اللجوء إلى موردين لم يتعاملوا معهم من قبل.

حتى أن المشترين المخضرمين باتوا معرضين للخداع. ففي الصيف الماضي، أبرمت شركة تجارة السلع السويسرية "ميركوريا إنرجي غروب ليمتد" صفقة لشراء نحاس بقيمة 36 مليون دولار من مورد تركي، لكنها حصلت بدلاً من ذلك على شحنة من الأحجار المطلية.

سطو وخسائر كبيرة

منذ نهاية 2019، زادت عمليات السطو على النحاس في مقاطعة أتوفاغاستا بشمال تشيلي بنحو 30%، بحسب إيجيديو أوجيدا، الضابط بشرطة التحقيقات التشيلية. ورغم أن بعضاً من ذلك يمكن أن يُعزى إلى بُعد المناجم، وتزايد الاضطرابات الاجتماعية قبل الوباء، فإنه يعد أيضاً نتيجة للارتفاع الكبير في السعر السوقي للمعدن. يقول أوجيدا: "إن العمليات أشبه بالأفلام.. هذا نشاط تجاري يحرّك الكثير من المال، وربما زادت هذه الأموال الآن مع ارتفاع الأسعار".

في هذه الجرائم، يلاحق اللصوص الشحنات بسياراتهم الكبيرة، محاولين اعتراض عربات السكك الحديدية، التي تنطلق من مناجم مثل إسكونديدا أو زالديفار، التابعين لمجموعة "بي إتش بي"، وتديرهما "أنتوفاغاستا"، بحسب أوجيدا. وهم ينجحون في كل مرة بسرقة حزمة أو حزمتين من صفائح النحاس الأحمر، والتي تقدر قيمة كل واحدة منها بحوالي 20 مليون بيزو تشيلي (27500 دولار). وفي مارس، ألقت الشرطة القبض على ثلاثة أشخاص بالقرب من سكة حديد للقطارات، ووجدوا في شاحنتهم أدوات لقطع الأشرطة المعدنية التي تربط الألواح النحاسية.

حلول أمنية

بات العديد من أصحاب الأعمال يلجؤون إلى تعزيز أمنهم الخاص، حيث يدفع أولوسغان أولاني، وهو مزارع في ولاية أوسيون في جنوب غرب نيجيريا، لحراس للقيام بدوريات في أراضيه لمكافحة سرقة الذرة، والموز، والبفرة، ومحاصيل أخرى. ويقول، إن اللصوص يأتون في الليل وبعد الظهر، عندما يكون العمال في استراحة.

كما عانت شركة "أكاش هومز" في إدمونتون في ألبرتا، من سرقات متكررة للأخشاب، بإجمالي خسائر بلغت 100 ألف دولار كندي (82,915 دولار أمريكي) منذ فبراير، بحسب نائب رئيسها، هيرش غوبتا.

استخدمت الشركة كاميرات المراقبة الأمنية في مواقع البناء الخاصة بها. كما تآزرت مع شركات البناء الأخرى في الأراضي المجاورة، لتوظيف حراس للقيام بدوريات خلال الليل، وفي عطلات نهاية الأسبوع. ويقول غوبتا، وهو يشير إلى نوع من الرافعات الشوكية: "لقد أصبح الأمر جنونياً للغاية، لدرجة أن اللصوص بدؤوا بتشغيل رافعاتهم الخاطفة لتحميل شاحناتهم الخاصة".

حالياً، ترسم الشركة حرف (A) على أخشابها بلون أزرق سماوي يتطابق مع شعار الشركة، وذلك للمساعدة في التعرف على الأخشاب في حال سُرقت. ورغم أن بعض ضحايا سرقة الأخشاب يراقبون منصات البيع عبر الإنترنت مثل "فيسبوك ماركت بلس" للبحث عن البضائع المسروقة، فإن علامات الطلاء تزال بسهولة، ما يجعل الخشب لا يمكن التعرف عليه.

يعد التعامل مع الاحتيال في الغذاء أمراً أكثر صعوبة. وهو أمر يُقّدر بأنه يكلف قطاع المواد الغذائية 40 مليار دولار سنوياً. وتأتي هذه التكاليف على شكل خسائر مبيعات، أو سحب منتجات من الأسواق، أو كفواتير قانونية تتكبدها الشركات. ونظراً لمدى تعقيد سلاسل التوريد، فإن البضائع تنتقل بين جهة وأخرى أكثر من مرة، وغالباً عبر الحدود الدولية، قبل وصولها إلى رفوف المتاجر.

زيادة النشاط الإجرامي

قفز عدد الحالات التي تم تصنيفها كاحتيال في الغذاء أو غش أو توثيق خاطئ للمنتجات، بنسبة 38%، وذلك خلال الربع الأخير من عام 2020، مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، وفقاً لشركة "فود فورينسيكس ليمتد" البريطانية والتي تختص بإجراء الاختبارات، ولديها قاعدة بيانات تركز بشكل أساسي على أوروبا.

وقال ريك ساندرسون، مدير تطوير الأعمال في الشركة:

نحن مشغولون أكثر من أي وقت مضى، وخاصة بفحص المنتجات الأكثر عرضة للاحتيال، مثل الأسماك البيضاء والطماطم والأرز، وغيرها من السلع الأساسية

من جهة أخرى، أعاق الوباء الجهود المبذولة لقمع النشاط الإجرامي. فقد تم تحويل الموارد الخاصة بالشرطة، ولم يعد بإمكان مفتشي الحكومة، أو مفتشي سلامة الأغذية زيارة المصانع في أماكن مثل الهند، وأصبح أخذ العينات أمراً صعباً. وفي الوقت نفسه، باتت الأسواق ومنصات التوصيل عبر الإنترنت، تخلق المزيد من الفرص لبيع البضائع غير القانونية، كما تقول كوفين من "لويد ريجستر".

يقول أنوغبوبا إبهوداغي، الذي تعمل شركته لتصدير المواد الغذائية في لاغوس بنيجيريا، في كل شيء تقريباً، بدءاً من الكاجو إلى رقائق البفرة: "إن احتمال أن تصل بضاعتي إلى وجهتها النهائية، ضعيف جداً، وفي حال وصلت، هناك فرصة كبيرة لأن تُسرَق خلال النقل"، مضيفاً: "بات الجميع كالصقور، يبحثون عما يمكنهم أخذه، بأقل استحقاق".