المجر وبولندا تمارسان الخداع وعلى ميركل أن تتصل بهما

أنغيلا ميركل، مستشارة ألمانيا
أنغيلا ميركل، مستشارة ألمانيا المصدر: بلومبرغ
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تحاول المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في سنتها الـ 16 والأخيرة في منصبها، التوصُّل لتسويةٍ مع المجر وبولندا من أجل إنقاذ صفقةٍ ماليَّةٍ تاريخيَّةٍ للاتحاد الأوروبي.

وتبذل ميركل مساعيها، لأنَّ هناك مسائل على المحكِّ أكثر من تلك الصفقة، مهما كانت كبيرة. وعلى الرغم من المظاهر، فإنَّ الاتحاد الأوروبي يمتلك اليد الأقوى بالفعل، في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في 10 ديسمبر، وفي الأسابيع المتبقية إلى أن تسلِّم ألمانيا الرئاسة الدورية للتكتل إلى البرتغال في الأول من يناير، كما يجب أن تلعب ميركل بجميع أوراقها الرابحة.

وفي الواقع ، تحاول بودابست ووارسو ابتزاز الاتحاد الأوروبي؛ فهما تهدِّدان باستخدام حق النقض ضد حزمة مالية بقيمة 1.8 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار). وتتألف الحزمة من ميزانية الاتحاد للسنوات السبع القادمة، و"صندوق تحفيز إضافي" لمواجهة كورونا، يتمُّ تمويله من خلال سندات الاتحاد الأوروبي المشتركة. كما تطالب البلدان الاتحاد الأوروبي بالتخلي عن آلية جديدة، تجعل تلقي هذه الأموال مشروطاً بالتزام الدول بسيادة القانون من أجل الحصول على فدية

علماً أنَّ هذه الآلية، قد تمَّ تخفيفها بالفعل من المُسوَّدات السابقة، ولن تبدأ إلا عندما تؤدي المخالفات في الدولة المنتسبة إلى إفساد طريقة إنفاق الأموال الأوروبية بشكل مباشر.

ولكن يبدو انَّ هذا أكثر من اللازم بالنسبة للمجر وبولندا. إذ يخضع كلاهما للتحقيق من قبل الاتحاد الأوروبي لانتهاكهما استقلال القضاء، وأساسيات سيادة القانون الأخرى.

"بوليكسيت"!

وجرياً على العادة، تستخدم الحكومتان الشعبويتان هذه المواجهة للدعاية المناهضة لبروكسل في الداخل. وفي رواياتهما السخيفة، يتمُّ تصوير الاتحاد الأوروبي على أنَّه إمبراطورية قمعية، مثل الاتحاد السوفيتي.

وتقول القصة، إنَّ بروكسل تريد فرض أسلوب حياة غريب وليبراليٍّ، يتضمَّن - وفقاً للحزب الحاكم في بولندا،، "القانون والعدالة"- أجندة للمثليين والمتحوِّلين جنسياً،

لا يمكن التوفيق بينها وبين الثقافة البولندية الكاثوليكية.

وهذا التهيُّج المفرط يذكرنا بالهجوم الذي تعرَّضت له بروكسل كثيراً في الصحافة البريطانية، الذي أدى إلى إجراء استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.

ونشرت مجلةٌ مواليةٌ للحكومة في بولندا على غلافها مؤخَّراً "خروج بولندا من الاتحاد الأوروبي Polexit" .

ولا يعني ذلك سوى مبالغات؛ فالحقيقة هي أنَّ المجر وبولندا، لا تعتمدان على الاتحاد الأوروبي فقط، لأنً لديهما شعوباً مؤيَّدةً للنزعة الأوروبية بشدة. والصراع الحالي يقوم به عدد قليل من المستبدِّين الساخرين لأغراضهم الخاصة. ويمكن أن يأتي بنتائج عكسية عليهم.

الميزانية وأموال التحفيز التي يهددان بنقضها

في الواقع، كانت بولندا والمجر إلى حدٍّ بعيد أكبر مستفيد من الأموال الأوروبية. وسيكونان مرة أخرى من المستفيدين الرئيسيين من صندوق الإنعاش، الذي يرفضان التصويت لصالحه، ويحتجزانه مثل "رهينة".

وكلا البلدين بحاجة ماسة إلى تلك الأموال. فالمجر، على سبيل المثال، تضرَّرت مؤخَّراً وضررها كان شديداً بسبب كوفيد-19. واقتصادها ينكمش بشكل حادٍّ، والفورنت المجري يفقد قيمته، في حين تعاني الموازنة العامة من عجز.

ويحتاج رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى ضخِّ السيولة في الاقتصاد فوراً، إن لم يكن يريد المخاطرة بالكساد قبل الانتخابات البرلمانية في البلاد في أوائل عام 2022.

علاوة على ذلك ، فإنَّ البولنديين والمجريين ليس لديهم مشاعر استقطاب بشأن أوروبا، كما كان البريطانيون.

في أحدث استطلاع بولنديٍّ، على سبيل المثال، أفاد 87٪ أنهم يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، مقابل 5٪ فقط، قالوا إنَّهم لا يريدون ذلك.

وعلى النقيض من ذلك، انخفض الدعم للائتلاف الحكومي الشعبوي إلى 27٪ فقط، وهو ما يتعادل مع نسبة التأييد للمعارضة الليبرالية، والموالية لبروكسل.

رسالة حاسمة

في هذا السياق السياسي، تبدو خيارات ميركل جيدة بشكل مدهش.

أولاً، لا تخشى ميركل دخول عام 2021 بدون اتفاق بشأن الميزانية، ويحدد "الإطار المالي متعدد السنوات" للتكتل مدة سبع سنوات. فبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، فإنَّ ميزانية 2020 يمكن تمديدها ببساطة لعام إضافي.

وستحصل الدول الأعضاء في التكتل على الأموال كما كانت من قبل، بدون الزيادات المخطط لها، ولا الحوافز الإضافية أيضاً.

كما ستستمر كلٌّ من المجر وبولندا في الحصول على الأموال، إن لم تقر آلية سيادة القانون الجديدة، عدم حصولهما على المال.

وأما بالنسبة لصندوق التحفيز لمواجهة تداعيات كورونا، المسمى رسمياً "آلية التعافي والمرونة" ، فيمكن للمجر وبولندا الاستمرار في استخدام حق النقض ضده. لكنَّ الدول الأعضاء الـ 25 الأخرى، يمكنها المضي قدماً بغيرهما.

وتتمثَّل إحدى طرق القيام بذلك في ما يسمى بالتعاون المعزز؛ وهو عبارة عن تحالف من الدول الأعضاء الراغبة بالمضي قدماً، في حين تنسحب دول أخرى، على الرغم من أنه يمكن للجميع الانضمام لاحقاً.

آلية الاستقرار

لقد فعلت دول الاتحاد الأوروبي ذلك بالفعل، إزاء تنظيم براءات الاختراع، وقانون الطلاق، وفرض الضرائب على المعاملات المالية، على سبيل المثال.

ويتمثِّل المسار الآخر في إنشاء صندوقٍ من خلال معاهدة حكومية دولية بين الدول المشاركة ال25. وبهذه الطريقة، سيكون الصندوق منفصلاً من الناحية الفنية عن بنية الاتحاد الأوروبي، ولكنها ستلتصق به. ونجد أحد الأمثلة على مثل هذا الهيكل من خلال آلية الاستقرار الأوروبية؛ وهي عبارة عن حزمة إنقاذ لـ19 دولة في منطقة اليورو.

وهذه البدائل مرهقة، ومثيرة للجدل بطريقتها الخاصة. ومن الواضح أنَّ الخطة الحالية للجمع بين الميزانية والحوافز هي الأفضل، وأكثرها مناسبة.

ولكن إذا أصرَّت المجر وبولندا على تخريب هذا الحل، فلا يزال بإمكان الخطة البديلة توفير إعانة مالية لدولٍ، مثل إسبانيا وإيطاليا، مع إرسال هذه الرسالة الحاسمة إلى بودابست ووارسو: "أنتما معزولان الآن - ولكن نرحب بكما للانضمام مجدداً في أي وقت".

وتواجه ميركل والاتحاد الأوروبي اختبار "فاوست" - طبيب ساحر في الأسطورة الألمانية ، ويبيع روحه للشيطان مقابل القوة والمعرفة- إذ يمكنهم المضي قدماً في التكامل المالي، مقابل بيع قِيَمهم الديمقراطية. أو يمكنهم الوقوف بحزم من حيث المبدأ، وترتيب الأموال لاحقاً. والأمر لا يحتاج إلى تفكير.