قيود كورونا لم تكن كلها سيئة.. لنُبقي على متعة الساحات المفتوحة

بعض المدن الأمريكية أثناء جائحة كورونا حوّلت طرق وأماكن ركن السيارات لساحات في الهواء الطلق للمطاعم والتسوق والمشي
بعض المدن الأمريكية أثناء جائحة كورونا حوّلت طرق وأماكن ركن السيارات لساحات في الهواء الطلق للمطاعم والتسوق والمشي المصدر: غيتي إيمجز
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في وسط مدينة مانهاتن كانوا فعلياً يرقصون في الشارع. ففي المطعم اليوناني الكائن في شارع "دبليو44"، حيث تناولت العشاء الأسبوع الماضي، كانت فرقة تعزف الموسيقى الحية على الرصيف، وتحولت المساحة بين الرصيف وفسحة الجلوس الواسعة في الهواء الطلق التابعة للمطعم إلى حلبة رقص مرتجلة لعشرات المحتفلين.

شكَّل هذا المشهد برمته تحولاً في استخدام المساحة العامة، وبدا الجميع مسرورين بذلك، على الرغم من أن هذا الحيّ تغلب عليه صفة الرصانة في معظم الأحيان، حيث يضمّ مؤسسات مثل فندق "ألغونكوين" ونادي هارفرد في نيويورك.

تحسين الحياة

انتشرت هذه الاستخدامات المبتكرة للمساحات الحضرية في كافة أرجاء البلاد.

فعُمد المدن على امتداد الولايات المتحدة، حولوا بعض المساحات المخصصة للقيادة وركن السيارات، إلى ساحات للمطاعم في الهواء الطلق، ومساحات لركوب الدراجة الهوائية والتسوق والمشي.

اليوم، هذه التدابير التي اتُخذت في فترة كورونا، لا تزال مستمرة في مرحلة إعادة فتح المؤسسات الذي بات ممكناً بفضل حملات التلقيح.

ويمثل ذلك ظاهرة نادرة في عالم القوانين والأنظمة: حيث تخفيف القيود القانونية للاستجابة لحالة طوارئ ما، يتحول إلى تجربة طبيعية تسهم في الواقع في تحسين الأوضاع.

الحدّ من الحريات

للأسف، في الكثير من الأحيان، يأتي مفعول الابتكار القانوني عكس المتوخى منه. ففي وجه التحديات الجديدة، غالباً ما نشدد القوانين، إذ نحظّر المزيد من السلوكيات ونقيد الحقوق من أجل الاستجابة لحالة الطوارئ. ثمّ، بعد أن تزول حالة الطوارئ، نبقي على هذه القيود، وفي نهاية المطاف نحدّ من الحرية أكثر من الحاجة.

ومن الأمثال الكلاسيكية على ذلك قوانين مكافحة الإرهاب. فعلى الرغم من أن قانون "باتريوت" الأميركي انتهت صلاحيته أخيراً، إلا أنه بقي قائماً بأشكال مختلفة لحوالي عشرين سنة.

والمثال الكلاسيكي الآخر هو عند تبني برنامج إنفاق حكومي من أجل الاستجابة لحالة طوارئ، ويستمر هذا البرنامج بعد انتهاء الطوارئ، لأن مجموعة ذات مصلحة تضغط لصالح بقائه. ولميلتون وروز فريدمان تصريح شهير في هذا الصدد: "لا شيء يدوم بقدر برنامج حكومي مؤقت".

مكاسب اقتصادية

في المقابل، فإن استخدام شوارع المدن من قبل المطاعم وغيرها من الاستخدامات العامة ليست برنامجاً حكومية بقدر ما هو تخفيف لبعض القيود الحكومية. مثل هذه الخطوة لا تكلف المدن شيئاً يذكر، إلا ربما على صعيد خسارة بعض بدلات ركن السيارات في عدد من الأحياء.

إلا أنه يسهم في تحقيق أرباح اقتصادية من خلال جذب المزيد من الزبائن إلى المطاعم، ما يدرّ إيرادات أكبر للحكومات المحلية من عدادات مواقف السيارات. وبالطبع يسهم ذلك في إثراء الحياة في المدينة.

على الأقل بالنسبة لمعظم الأشخاص، ففي نهاية المطاف لا بدّ أن تظهر مجموعة تضغط ضد إبقاء الشوارع مفتوحة لمثل هذه الاستخدامات.

وستتمثل هذه المجموعة على الأرجح بالسائقين القلقين من الازدحام، ومالكي السيارات المعتادين على ركن مركباتهم على جانب الطريق، برسم أقل من سعر السوق. وهذا لا يعني أنني لا أتعاطف مع مخاوفهم، فمالكو السيارات في المدينة يعتمدون على توقعات واضحة من حيث الأماكن التي يمكنهم فيها ركن السيارة وقيادتها.

ففي مكان مثل مانهاتن، تكلفة ركن السيارة في المرائب بدل الشوارع عالية جداً. لذا من المنطقي أن يحارب بعض السائقين من أجل استرجاع أماكن ركن السيارات، التي كانت متوفرة قبل وباء كورونا.

ولكن عدا ذلك، فإن الاستخدام العام الإضافي للشوارع، هو خيرٌ عام يمكن أن يتشاركه الجميع تقريباً.

السائقون قد يرفضون إغلاق الشوارع

فعلي صعيد نشر الاستفادة من الخير العام، يكمن التحدي دائماً في أن قيمة الاستخدام العام هي في توزيعه على الجميع. إذ إن المنافع تشمل الجميع، أماّ التكلفة فقد تتحملها مجموعة عالية التنظيم، مثل السائقين في المدن.

ويمهد ذلك الطريق لنزاع على شاكلة ما وصفه الخبير الاقتصادي "مانكور أولسون"، الذي قال إنه في مثل هذه النزاعات، المجموعات المنظمة من أصحاب المصلحة تتمتع بالأفضلية الأكبر.

الجواب، هو أن يقوم القادة السياسيون المنتخبون بتسليط الضوء على المنافع الناجمة عن الابتكار.

ففي أحد استطلاعات الرأي، قال 92% من عُمد المدن، إنهم وسعوا مساحات المطاعم في الهواء الطلق أثناء الوباء، ولكن 34% منهم فقط قالوا إنهم يعتزمون الإبقاء على هذه التغييرات بشكل دائم.

استفتاء المجتمعات المحلية

في كلّ الأحوال، لا بدّ من تطبيق هذا التمديد للاستخدامات العامة بشكل ديمقراطي. وهذا غالباً ما يكون صعباً على الصعيد المحلي.

يمكن للمشرِّعين على مستوى الولايات أن يمكّنوا المدن من التصرف حيث يلزم. ففي بعض الأماكن تكون مجالس المدن ممثلة للشعب، ولكن في أماكن أخرى، بسبب مسائل تتعلق بالمشاركة الانتخابية، ربما يكون العمدة المسؤول المحلي الأكثر تمثيلاً، بالتالي فإن القرارات الصادرة عن العمدة تكون الأكثر ديمقراطية. إلا أن الاستفتاءات تبقى مفيدة في كل الأحوال.

سَبَّب وباء كورونا كماً هائلاً من المعاناة والخسائر، لذا من المهم جداً الاستفادة من المنافع القليلة التي نشأت عنه، وانتهاز الفرصة لاستغلال الابتكارات التي تؤدي إلى مصلحة لم تكن متوقعة –والقليل من الفرح بعد المأساة.