التلاعب بأحجام السلع.. احذروا حيل المنتجين أثناء التضخم

تقليص العبوات أحد حيل المنتجين خلال فترات التضخم
تقليص العبوات أحد حيل المنتجين خلال فترات التضخم المصدر: صور غيتي
Stephen Mihm
Stephen Mihm

Columnist at Bloomberg (http://bloomberg.com/opinion). Author of A Nation of Counterfeiters; Crisis Economics (with Nouriel Roubini). Sleep-deprived father of three.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كيف سنعرف ما إذا كان التضخم سيعود من جديد أم لا؟، يركِّز معظم الاقتصاديين على أسعار المواد الأولية، والأجور، والسلع، والخدمات الأساسية الأخرى، لكنَّ التاريخ يظهر أنَّه ربما يجب عليهم مراقبة ظاهرة ذات صلة تعرف بـ"انكماش الإنتاج" shrinkflation، التي غالباً ما يتعذَّر ملاحظتها.

أصبحت هذه الممارسة شائعة بشكل متزايد خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما قام المصنِّعون الذين واجهوا التضخم الجامح بتعديل أحجام العبوات وأسلوب التغليف بدلاً من رفع الأسعار. في البداية، جذبت هذه الممارسة القليل من الانتباه نسبياً، إذ يصعب تمييز التغييرات في أسعار الوحدات، عندما تكون مموَّهة في علب وأكياس مختلفة المظهر.

في الواقع، كان الكاتب الساخر، آرت بوخفالد، من أوائل من دقوا ناقوس الخطر بشأن تلك الظاهرة. وفي عمود بعنوان "التضخم المعبأ" نُشر عام 1969، سخر "بوخفالد" من الاتجاه المتزايد لإخفاء الزيادات في الأسعار. وأشاد مازحاً بالصناعة الأمريكية "لابتكار طرق جديدة لجعل المنتج أصغر مع جعل العبوة أكبر".

لم يكن ذلك بعيداً عن الحقيقة، فقد اتبع المصنِّعون عدداً من الأساليب لتمرير زيادات الأسعار للمستهلكين في ظلِّ ارتفاع الضغوط التضخمية خلال سبعينيات القرن الماضي. وكان من أهم هذه الأساليب ما يسمى بـ"التقليص"، إذ يتمُّ طرح المنتجات بالعبوات نفسها، وبالسعر نفسه، لكن مع عدد أقل من السلع.

حِيل السبعينيات

على سبيل المثال، في أواخر صيف عام 1974، عرضت سلسلة السوبرماركت ومحلات البقالة الأسترالية "وول ورثز Woolworth’s" علبة أقلام رصاص في إطار تخفيضات العودة إلى المدارس مقابل 99 سنتاً- وهو نفس سعرها في العام السابق. لكن كما لاحظ مراسل قوي الملاحظة في صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد احتوت العبوات على 24 قلمَ رصاص فقط، أي أقل بستة أقلام مقارنة بعرض العام السابق. وانسحبت الاستراتيجية ذاتها على عبوات الورق المقوَّى (24 ورقة، وليس 30).

وكانت سلسلة البقالة سالفة الذكر قدَّمت العديد من الفرص لتقليص أحجام السلع فيما سبق. في بداية العقد، تمَّ بيع الغذاء الرئيسي في فترة ما بعد الحرب، "رايس أيه روني Rice-A-Roni"، في علب تحتوي على 8 أونصات من المنتج. وعلى الرغم من ذلك، سرعان ما تقلَّص الوزن إلى 6.9 أونصة، في حين ظلَّت العبوة والسعر كما هما. (اليوم، تظلُّ العلب المليئة بالأرز والشعيرية بالوزن نفسه بالضبط، مما يشير إلى أنَّ تقليص المنتجات المرتبط بالتضخم له حدود أيضاً).

وانتشر هذا النوع من حيل خفة اليد على نطاق واسع. كل شيء من علب أسماك التونة إلى صلصة "السباغيتي"، يحتوي على كميات أقل وأقل. من جانبها، عارضت جماعات الدفاع عن حقوق المستهلك مثل "اتحاد المستهلكين Consumers" Union" (الذي يعرف حالياً بتقارير المستهلك Consumer Reports) تقليص أحجام السلع، لكن هذه الممارسة ظلَّت منتشرة على نطاق واسع.

ربما نفَّذ صانعو العلكة أكثر أشكال تقليص المنتجات وقاحةً لعدم استطاعتهم رفع الأسعار بسهولة مع ارتفاع سعر السكر في السبعينيات، وكانت آلات صنع العلكة مصمَّمة لقبول عملة معينة. ومن ثم لم يتمكَّنوا من جعل حجم العلكة أصغر، إذ لم تتمكَّن الموزعات من التعامل بشكل موثوق مع أي حجم آخر للحلوى. لذلك قاموا بتشكيل تجويف هوائي في العلكة المصمَّمة سابقاً. وبدلاً من السكر، حصل الأطفال على بعض الهواء.

مسار مختلف

وابتكرت "بريم كوفي Brim Coffee" لصناعة القهوة منزوعة الكافيين نوعاً مختلفاً من تطبيقات تلك الإستراتيجية من خلال استخدام تقنية "التضخيم" الخاصة بها لزيادة كمية القهوة، بما يسمح لها بملء الصفائح التي تستوعب 13 أونصة من القهوة بـ 11.5 أونصة فقط. وادَّعت الشركة أنَّ هذه العملية الكيمياوية أسفرت عن استخلاص قهوة ذات نكهة أقوى من عدد أقل من الحبوب.

في بعض الأحيان، تنطوي المنتجات التي يتمُّ تقليصها على مزيد من الجاذبية العاطفية، فلم تكن الكمية الأصغر ببساطة أصغر، بل أيضاً أقل من ناحية السعرات الحرارية. ووصفت العبوات الأصغر بكونها صديقة للبيئة.

في حين اتخذت بعض الشركات مساراً مختلفاً تماماً، الذي لم يكن تقليصاً مرتبطاً بالتضخم بالمعنى الدقيق. وبدلاً من تقليص عبواتهم، جعلوها أكبر، وأعلنوا هذه الحقيقة بكل فخر. ولكن ما لم يقروا به؛ هو أنَّ الحجم الجديد الأكثر سخاءً كان في الواقع أكثر تكلفة على مستوى سعر الوحدة.

على سبيل المثال، لوح شوكولاتة كان يزن عشر أونصات، ويُباع بالتجزئة مقابل 75 سنتاً، يُباع الآن في عبوات أكثر سخاءً تزن خمس عشرة أونصة، ولكنَّها تباع الآن بسعر 1.25 دولاراً. وجاء ذلك كردٍّ ذكي على التقليص وغير منفصل عنه. فقد استثمرت هذه الإجراءات الاشمئزاز الذي لحق بتقليص حجم السلع، حتى لو حقَّقت الغاية نفسها.

عارضت بعض الولايات هذا التوجه من خلال مطالبة متاجر البقالة بتزويد العملاء بسعر الوحدة لكل منتج. وقد تبنَّت بعض متاجر البقالة الأخرى تلك الممارسة طواعية، ووجدتها طريقة مفيدة لطمأنة العملاء بأنَّها تهتم لمصلحتهم قبل أي شيء.

وتظلُّ العديد من أنظمة تسعير الوحدات تلك قائمة في عام 2021، وكذلك تقليص المنتجات المرتبط بالتضخم. في العام الماضي، كانت هناك تقارير متزايدة عن الشركات المصنِّعة المحنَّكة التي تقلل من كل شيء، من ورق المرحاض إلى وجبات طعام القطط. وقد اشتدت تلك الممارسات خلال الأسابيع الأخيرة.

ولنحذر إذا ما استمر هذا التوجُّه؛ إذ قد يشير ذلك إلى أنَّ التضخم الكامن لفترة طويلة، قد يعاود الظهور فى نهاية الأمر.

السلع الزراعية