هل كان إيلون ماسك واعياً عندما قرر الاستثمار في ألمانيا؟

 إشارات المرور لم تسلم من البيروقراطية الألمانية أيضاً
إشارات المرور لم تسلم من البيروقراطية الألمانية أيضاً المصدر: صور غيتي
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استمعوا، استمعوا ! حقَّق أرمين لاشيت، رئيس حزب الديمقراطيين المسيحيين من يمين الوسط في ألمانيا والمرشَّح لمنصب المستشار، هدفاً مؤكَّداً بتحليله الخاص حول ما تعانيه ألمانيا. وقد أطلق على هذا البلاء بشكل عفوي اسم "بيروقراطية الـ"بينغ بونغ"، وقد أوضح ما يعنيه من خلال إسقاط لا يوصف على حدث ما في الضواحي الشرقية للعاصمة برلين.

منذ حوالي 25 عاماً، على ما يبدو، قرَّر المسؤلون المحليون تركيب إشارة ضوئية لجعل المعبر أكثر أماناً، ثم بدأت حركة تبادل كرة الـ"بينغ بونغ".

أولاً، على ما يبدو، دخل الأشخاص في الإدارة البلدية في مشاجرة مع العاملين في مرفق المياه حول مَن كان يستنزف؛ نظراً لأنَّ المنطقة محمية بيئياً. ثم تغيَّرت اللوائح، واحتاجت الإشارة الضوئية إلى مواصفات جديدة. بعد ذلك، اكتشف عمال النقل العام أنَّ الإشارة ستفسد الجداول الزمنية للمحطات القريبة. وهكذا استمر الأمر حتى الخريف الماضي، عندما كان أحدهم يقيم حفلَ عيد الغطاس، ووضع إشارةَ مرور مؤقتة في الزاوية، تحسُّباً للإزعاج الدائم. يمكن أن ينتهي هذا التجاذب في أي عقد الآن.

ليست البيروقراطية فريدة من نوعها في ألمانيا بالطبع، ولكن يبدو أنَّ الفترات الزمنية هذه متوازية مع مسار أكبر اقتصاد في أوروبا. في الوقت الذي تمَّ فيه تصميم إشارة المرور، على سبيل المثال؛ بدأت برلين أيضاً في التخطيط لمطارها الجديد. بعد عدة تأخيرات، افتتحته –انتظروا لحظة- في الخريف الماضي.

هكذا تسير الأمور، أينما نظرت. لقد وُعدت جميع الإدارات منذ التسعينيات بـ "رقمنة" البلاد. يؤتي هذا الآن ثماره. بعد مرور أكثر من عام على انتشار الوباء، بدأت الوكالات الصحية الألمانية مؤخراً في التحوُّل من الفاكس إلى الإنترنت في الإبلاغ عن حالات جديدة.

عمالقة التقنية

الوقت نسبي، كما أوضح "لاشيت" هذا الأسبوع عندما قدَّم البرنامج الانتخابي لحزبه، وهذه مشكلة لاقتصاد مفتوح يتداول في الأسواق العالمية. "خلال الوقت الذي كنَّا نلعب فيه بيروقراطية الـ"بينغ بونغ"، أصبحت "أمازون"، و"غوغل"، و"تسلا" من عمالقة التقنية".

كان بإمكان "لاشيت" أيضاً الاستشهاد بالذكاء الاصطناعي، إذ تتسارع الولايات المتحدة والصين في التقدُّم، في حين ألمانيا تتخلَّف كثيراً، أو بتحول الطاقة في ألمانيا، الذي توقَّف جزئياً لأنَّ البيروقراطية تستمر في منع نصب الأبراج، وخطوط الطاقة التي ستنقل الكهرباء من الساحل العاصف إلى المناطق النائية الصناعية، أو بالروتين الذي يبطئ البناء في المدن الألمانية، مما تسبَّب في ارتفاع الإيجارات، أو تقريباً أي جانب آخر من جوانب المجتمع الألماني.

لكنَّ اختيار "لاشيت" للمعايير واضح، لأنَّ الألمان متضاربون بشكل خاص حول هذا الثلاثي الأمريكي سريع الحركة، وغير البيروقراطي، والمؤلَّف من "أمازون"، و"غوغل"، المملوكة لـ"ألفابيت"، و"تسلا".

على أحد المستويات؛ فإنَّهم يحبون التسوُّق في المستوى الأول، والبحث في المستوى الثاني والقيادة في المستوى الثالث. إنَّها أيضاً شركات صديقة للبيئة ومحسودة، لأنَّ شركة التكنولوجيا الألمانية الوحيدة في البطولات الكبرى هي "ساب" (SAP)، التي تصنع برامج مؤسسية مملَّة نسبياً، وتأسست في عام 1972، مما يجعلها متقدِّمة في السن.

على مستوى آخر - وخاصة على اليسار السياسي - يستهجن الألمان من يرونهم رأسماليين جشعين من رعاة البقر. إنَّهم يشتبهون في أنَّ "أمازون" تقوِّض معايير العمل الألمانية، كما أنَّ "غوغل" تنتهك خصوصية البيانات التي يتبجح بها الألمان، وكل هذه الشركات تدفع ضرائب قليلة للغاية. ومن هنا جاء رد فعلهم الألماني: "دعونا نرسل البيروقراطيين لإجراء حديث مطوَّل معهم".

متلازمة تسلا

لدى الألمان تواطؤ من نوع خاص في الآونة الأخيرة بشأن "تسلا"، فهي تثيرهم بكلِّ الطرق التي يمكنك تخيّلها، كما أنَّها متخصصة في السيارات المثيرة والكهربائية أيضاً. وبالتالي؛ فإنَّها صديقة للمناخ. تتخصَّص ألمانيا في السيارات التي تبدو بشكل متزايد مثل لحم الخروف في زيِّ حمل - وبرغم التسويق الذي ربما تكون قد شاهدته – فإنَّها ما تزال تستهلك الكثير من الغاز والديزل.

ما يثير الإحراج أكثر هو أنَّ شركة "تسلا" تخضع لإدارة إيلون ماسك، وهو أنجلو ساكسوني محبٌّ للمخاطرة، وصبره نافذ، ويتعاطى المنشطات في البودكاست الذي يبثه، ويستضيف العروض الكوميدية، ويحفر في الصخور، ويطلق الصواريخ إلى الفضاء، ويستعد لاستعمار المريخ. ماسك أقرب ما يمكن إلى نقيض المدير التنفيذي الألماني الذي يتجنَّب المخاطر، المتخشب، الذي يختفي وراء المعاملات الورقية. إنَّه النقيض المثالي لألمانيا.

اختار ماسك، كما حدث في الواقع، منطقة رملية بالقرب من برلين لبناء مصنع "تسلا". كما تتوقَّعون، هناك بعض الألمان الذين يجدون ذلك مثيراً للاهتمام، سيخلق الموقع الآلاف من الوظائف الجيدة، ويضع علامة تحقق في كلِّ مربع يدَّعي الألمان أنَّهم يحبونه، لأنَّه أخضر، ورقميٌّ، ومتطور.

لكن يبدو أنَّ أحداً لم يخبر ماسك عن لعبة الـ"بينغ بونغ"، فدعاة حماية البيئة الذين يجب أن يحبوا سياراته الكهربائية يكرهون مصنعه، لأنَّه يستخدم الكثير من الماء، وقد يعرض الحياة البرية للخطر، كما أنَّ أكبر نقابة عمالية في ألمانيا، "آي جيه ميتال" (IG Metall)، تقاومه بأسنانها وأظافرها، لأنَّه لا يريد التوقيع على خطوطها المنقَّطة. لقد تمَّ تأجيل افتتاح المصنع بالفعل، ولا بدَّ أنَّ ماسك يتساءل عما كان يدخنه عندما اختار هذا الموقع.

لذا؛ فإنَّ “لاشيت” يستحق الشهرة لأنَّه جعل البيروقراطية مشكلة في الحملة التي سبقت الانتخابات الفيدرالية في سبتمبر. لقد بقي حزبه في السلطة لفترة طويلة، ومن الواضح أنَّه يشارك في تحمُّل بعض اللوم في لعبة الـ"بينغ بونغ" التي يندد بها. لكن الحقيقة هي أنَّ الهوس الألماني بالقواعد واللوائح، والأعمال الورقية، والروتين، هي أمور كانت في الأساس نتيجة السياسات اليسارية، التي غالباً ما تكون حسنة النية.

كما هو حال منافسيه الرئيسيين، حزب الخضر، يريد "لاشيت" هزيمة الوباء والاحتباس الحراري. ولكن على عكس حزب الخضر والأحزاب اليسارية الأخرى، فقد اكتشف أيضاً الحاجة إلى تبسيط الحكم الألماني. هذا ما يتطلَّبه الأمر لتحرير الطاقة والابتكار الضروريين لتحقيق هذه الأهداف، والحفاظ على ازدهار ألمانيا. عندما يعد "لاشيت" بحرمان البيروقراطيين من مضارب الـ"بينغ البونغ"؛ فإنَّه يخطط لشيء ما، وهو يستحقُّ الدعم.