أكبر سوق للكربون في العالم تزداد رسوخاً مع تحول أوروبا للاقتصاد الأخضر

الانبعاثات تصدر من إحدى محطات توليد الطاقة في نيوريث، ألمانيا. تسعى ألمانيا لإغلاق آخر محطة  تعمل بالفحم قبل فترة طويلة من الموعد النهائي المحدد في البلاد عند عام 2038
الانبعاثات تصدر من إحدى محطات توليد الطاقة في نيوريث، ألمانيا. تسعى ألمانيا لإغلاق آخر محطة تعمل بالفحم قبل فترة طويلة من الموعد النهائي المحدد في البلاد عند عام 2038 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المتوقَّع توسُّع سوق الكربون الأوروبية، وهي الأكبر في العالم، بالإضافة إلى فرض قيود أكثر صرامة على الدول المسبِّبة للانبعاثات الكربونية. يأتي ذلك في وقت تعمل فيه المنطقة على مواءمة اقتصادها برمَّته مع هدف مناخي أكثر تشدداً على مدى العقد المقبل.

تعتزم المفوضية الأوروبية دمج النقل البحري في نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، اعتباراً من عام 2023. كما أنَّها تخطط لتحسين آلية التحكُّم في توفير تراخيص الكربون كجزء من أكبر إصلاح للسوق حتى الآن، وذلك بحسب مسودة قانون اطَّلعت عليها "بلومبرغ نيوز".

هذا الإصلاح سيسهم في تحسين معدل تقلُّص الحدود القصوى للانبعاثات بشكل سنوي، فضلاً عن تشديد قواعد الحصول على مخصَّصات الانبعاثات المجانية. وسيتمُّ كشف النقاب عن هذا الإصلاح في 14 يوليو القادم.

تشكِّل التغييرات جزءاً من حزمة أوسع نطاقاً مصممة لمزامنة كل قطاعات المنطقة مع استراتيجية طموحة لجعل أوروبا أوَّل قارة محايدة مناخياً في العالم بحلول عام 2050، لتشمل القطاعات جميعها من الطاقة إلى التجارة حتى السيارات.

وبموجب الصفقة الخضراء الأوروبية تمَّ تعزيز هدف خفض الانبعاثات بالمنطقة لعام 2030 إلى 55% على الأقل من مستويات عام 1990. والجدير بالذكر أنَّ نسبة الخفض المستهدفة سابقاً كانت 40% على الأقل.

وتقول المفوضية في الوثيقة: "يعد نظام تداول الانبعاثات أداة أساسية لمساعدة الاتحاد الأوروبي في زيادة تحقيق الهدف لعام 2030، والانتقال الناجح والعادل نحو الحياد المناخي بحلول عام 2050".

الحافز الأخضر

تعدُّ سوق الكربون الأوروبة أداةً سياسية رئيسية لحثِّ الكتلة المكوَّنة من 27 دولة على خفض الغازات الدفيئة. فهذه السوق تفرض على حوالي 12 ألفاً من المنشآت والمرافق المملوكة للمصنعين، حدوداً قصوى للانبعاثات تتناقص سنوياً. كما تحدُّ السوق من انبعاثات شركات الطيران. ويمكن للشركات التي تصدر كميات أقل من الكربون بيع تصاريحها غير المستخدمة. وهو أمر يحفِّزها على التحوُّل إلى شركات صديقة للبيئة بشكل أسرع.

تمَّ تصميم بنود "نظام تداول الانبعاثات" الحالي لضمان خفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030 من مستويات عام 2005. لكنَّ تحليلاً حديثاً للاتحاد الأوروبي يُظهر إمكانية ارتفاع نسبة الخفض إلى 51% إذا ظلَّ التشريع دون تغيير، بحسب الوثيقة.

قوانين مُعدّلة

ومع ذلك؛ فإنَّ هذه النسبة ستظلُّ غير كافية لمواءمة برنامج تحديد سقف إصدار وتجارة الانبعاثات مع هدف المناخ الجديد للعقد المقبل. لهذا السبب تريد المفوضية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، زيادة معدل تقلُّص سقف التلوث، وهو ما يسمى بـ"عامل التخفيض الخطي". وهذا المعدل سيرتفع "بدءاً من العام التالي لدخول قانون الانبعاثات المعدّل حيز التنفيذ".

وبشكل عام، يحتاج التشريع إلى موافقة الحكومات الوطنية والبرلمان الأوروبي، وهو الأمر الذي يستغرق غالباً نحو عامين أو أكثر.

وقد تمَّ ترك الحيز المخصص للقيمة الدقيقة لعامل التخفيض الخطي الجديد فارغاً في الوثيقة. ومن المقرر اقتران وتيرة خفض الانبعاثات الأسرع، بالخفض المباشر للحدود القصوى للانبعاثات، بحيث "تتماشى مع مستوى التخفيضات السنوية المطبَّقة اعتباراً من عام 2021".

استيعاب الاحتياطي

بموجب مشروع القانون، يريد الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي أيضاً تحسين نظامٍ احتياطي لاستقرار السوق، الذي يُعرف بكونه أداة رئيسية لحجب تصاريح الانبعاثات الزائدة عن الحاجة.

وكان النظام الاحتياطي أو (MSR)، يوفِّر التصاريح تلقائياً في حال انطباق شروط معينة، إذ يعدُّ عاملاً قد ساهم باستعادة ثقة المستثمرين، كما قدَّم دفعة لأسعار الكربون التي ارتفعت بعد الموافقة عليه في عام 2018.

سيتمُّ تعديل معايير النظام الاحتياطي لإدخال "حاجز استيعاب الـMSR" ضمن شروطه بشكل يتراوح فيه عدد تصاريح الكربون المتداولة بين 833 مليوناً، و 1.096 ملياراً، ليكون مقدار التصاريح التي يتمُّ استيعابها هو الفارق بين عدد التصاريح المتداولة، والحد الأدنى البالغ 833 مليونَ تصريح. وبما أنَّ هناك أكثر من 1.096 ملياراً من التصاريح المتداولة، بما في ذلك التصاريح المخصصة لقطاع الطيران؛ فإنَّ معدل "حاجز استيعاب الـMSR" سيظلُّ عند 24% حتى عام 2030.

وبغرض منح المستثمرين قدرة إضافية على التنبؤ بشأن التصاريح الموجودة في نظام احتياطي لاستقرار السوق اعتباراً من عام 2023، سيقتصر عدد التصاريح الصادرة على 400 مليون. في حين أنَّ التصاريح التي تتجاوز هذا الحد سيتمُّ إبطالها.

ويذكر أنَّ المفوضية تتبع سياسة عدم التعليق على مشاريع القوانين، كما أنَّ هذا المقترح قد يتغيَّر قبل اعتماده. كذلك سيتمُّ تشديد القواعد المتعلِّقة بالمعايير التي تحدد أسس مخصصات الانبعاثات المجانية. ومن المقرر أن يكون تخصيصها مشروطاً بجهود إزالة الكربون من أجل تشجيع استيعاب التقنيات منخفضة الكربون.

أسعار الكربون

بالإضافة إلى ذلك، لن تكون التصاريح المجانية متاحة للقطاعات المشمولة ضمن ضريبة استيراد الكربون المخطط فرضها. وبموجب مسودة لائحة تنظيمية منفصلة، تدرس المفوضية الأوروبية تطبيق ما يسمى بآلية تعديل حدود الكربون على صناعات، مثل: الصلب، والإسمنت، والألمنيوم، والأسمدة، والكهرباء.

ولقد تضاعف سعر الكربون ضمن نظام تداول الانبعاثات بالاتحاد الأوروبي خلال العامين الماضيين، وذلك بالتزامن مع تعزيز أوروبا لطموحها المناخي الذي جذب بدوره المستثمرين الماليين.

وارتفعت تصاريح الانبعاثات المرجعية إلى مستوى قياسي بلغ 56.9 يورو للطن المتري في مايو الماضي، وتوقَّعت بعض صناديق التحوُّط ارتفاعَ هذه القيمة إلى 100 يورو قبل نهاية العام.

حلول متناغمة

وبغرض تخفيف المخاوف المتعلِّقة بتكاليف التحوُّل الأخضر، تريد المفوضية تغيير طريقة استخدام الحكومات للإيرادات الخاصة بمزادات تصاريح الكربون. كما أنَّها تسعى لتعزيز الآليات القائمة على "نظام تداول الانبعاثات" لتمويل التقنيات منخفضة الكربون.

تجدر الإشارة إلى أنَّ دول الاتحاد الأوروبي ستضطر لاستخدام كل الإيرادات من تصاريح الكربون للأغراض المتعلِّقة بالمناخ، مثل دعم التجديد الأخضر المستدام للأسر منخفضة الدخل.

سيعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً على تعزيز صندوق خاص يستند إلى "نظام تداول الانبعاثات" للتجديد المستدام في الدول الأعضاء منخفضة الدخل. إذ ستوفِّر هذه المزادات لتلك الدول إيرادات إضافية بنسبة 2% من الحد الأقصى اللازم لتمويل تحوُّل الطاقة.

كذلك، تشمل عناصر تقرير سوق الكربون الأخرى الموجودة ضمن مشروع القانون المنتظر الآتي:

  • تطبيق نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي ليشمل قطاع الشحن.
  • إنشاء برنامج آخر لتداول الانبعاثات مخصص للتدفئة والنقل البري.
  • إتاحة عقود الكربون مقابل الفروقات، وهي توفِّر للمستثمرين في التكنولوجيات الإبداعية سعراً ثابتاً يرتفع عن المستوى الحالي لمعدلات تداول الانبعاثات، يكافئ تخفيضهم للكربون.
  • قواعد أشد صرامة للتمويل في إطار صندوق التحديث، الذي لن يدعم الاستثمارات المتعلِّقة بأيِّ نوع من أنواع الوقود الأحفوري بعد الآن.
  • مخصصات لتشجيع تقنية التقاط الكربون واستخدامها.