معاناة الإسكان تنتقل إلى سوق الإيجارات

مشهد من شرفة بناء سكني..ثلاثة عوامل مرشحة لرفع الإيجارات على مدى العام المقبل على الأقل، أولها العودة المتوقعة للاقتصاد إلى طبيعته مع عودة الناس إلى نمط حياة ما قبل الوباء، إذ تفتح مباني المكاتب وتعود الحياة الحضرية
مشهد من شرفة بناء سكني..ثلاثة عوامل مرشحة لرفع الإيجارات على مدى العام المقبل على الأقل، أولها العودة المتوقعة للاقتصاد إلى طبيعته مع عودة الناس إلى نمط حياة ما قبل الوباء، إذ تفتح مباني المكاتب وتعود الحياة الحضرية المصدر: بلومبرغ
Conor Sen
Conor Sen

Columnist for @bopinion . Founder of Peachtree Creek Investments. Fintwit, demographics/elections, Atlanta.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان العام المنصرم مرهِقاً للساعين إلى امتلاك منازل، إذ تخبطتهم ارتفاعات الأسعار السريعة وتراجع الخيارات المتاحة. ولكن يبدو أن غصة الراغبين في الشراء بدأت تخف اليوم مع انتقال معاناة الإسكان نحو سوق الاستئجار.

أدى ارتفاع نِسَب شغور المساكن إبان الوباء إلى ركود وانخفاض في إيجارات المناطق الحضرية، لكن اليوم تظهر هذه النسب علامات على بدء تحول المسار ممّا يخلق مشكلات للمستأجرين وللاحتياطي الفيدرالي في الأشهر المقبلة.

ثلاثة عوامل مرشحة لرفع الإيجارات على مدى العام المقبل على الأقل، أولها العودة المتوقعة للاقتصاد إلى طبيعته مع عودة الناس إلى نمط حياة ما قبل الوباء، إذ تفتح مباني المكاتب وتعود الحياة الحضرية. تظهر بيانات منصة "Apartment List" ارتفاعاً قوياً في الإيجارات منذ مارس في المدن الرئيسية الأشد تأثراً بالوباء، وبغض النظر عن شعورك تجاه ارتفاع الإيجارات، فلا بدّ من الترحيب بهذه الآلية، إذ إن الحياة الطبيعية أفضل من أن يتخذ الناس ملاجئ، أو أن يعملوا من مساكنهم نتيجة إغلاقات مناطق التجارة والأعمال.

العامل الثاني هو التغيير الذي أحدثته موجة شراء المنازل أخيراً على تناسبية استئجار المساكن مقابل تملكها، إذ ارتفعت أسعار المساكن على المستوى الوطني بنسبة 15% منذ مطلع 2020، وبنسب أعلى في بعض المدن الكبرى أمثال أوستن في تكساس، فيما عدد المنازل المتوفرة لا يزال قريباً من أدنى معدل تاريخي، على الرغم من بعض التحسن في مايو، حتى إن بعض الأشخاص الذين بمقدورهم تملك مسكن قرروا الاستمرار في الإيجار ترقباً لعودة السوق الى طبيعتها.

سرعة ارتفاع الأجور

على صعيد التكلفة، بات الإيجار أكثر جاذبية رغم انخفاض الفوائد على الرهون العقارية. فمثلاً، إذا ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 15% أو 20% في منطقتك، فإن شقة إيجارها ارتفع 5% تمثل صفقة أفضل ممّا كانت عليه قبل 18 شهراً.

العامل الثالث هو سرعة ارتفاع الأجور في بعض قطاعات الخدمات منخفضة الدخل في ظلّ تنافس شركات مثل "أمازون" و"شيبوتلي مكسيكان غريل" و"كوستكو" على تأمين الموظفين للمستودعات والمطاعم ومنافذ البيع الكبرى، ورغم أن ذلك لن يؤثر في الشقق الفخمة في نيويورك وسان فرانسيسكو، فإن ارتفاع الأجور سوف يشحذ عزيمة ملاك العقارات على رفع الإيجارات، خصوصاً في المدن محدودة المساكن.

وبما أن المستأجرين غالباً ما يوقعون عقود إيجار لعام واحد، فإن الزيادات التراكمية في الإيجارات ستتفاعل خلال العام المقبل مع انتهاء آجال العقود وتجديدها. مثلاً، تخيلوا أن شخصاً في سان فرانسيسكو وقّع عقد إيجار في سبتمبر مقابل 2400 دولار لشقة كانت تؤجر بـ3 آلاف دولار قبل الوباء. بحلول وقت تجديد عقده، فإن بدل إيجار الشقة، الذي سيكون قد سجّل ارتفاعاً ثابتاً بنحو 3% شهرياً، سيكون قد عاد إلى 3 آلاف دولار على مدى العام. ولكن من وجهة نظر المستأجر، ذلك يمثل قفزة بنسبة 25% دفعة واحدة.

سوق الإيجارات.. السفينة التي تتهادى ببطء

لهذا الأمر تبعات على الاحتياطي الفيدرالي أيضاً. ففي اجتماعه في يونيو أعرب الاحتياطي الفيدرالي عن قلقه تجاه التضخم، وعلى الرغم من أن بعض الظروف المساهمة في التضخم قد تخف حدتها خلال الأشهر المقبلة، ولعلّ أوضحها أسعار السيارات المستعملة، فإن الإيجارات المنخفضة التي كانت تسهم في ضبط التضخم سوف ترتفع.

أشار تقرير تضخم أسعار المستهلك لشهر مايو إلى أن مكون "بدل إيجار المسكن الرئيسي" ارتفع بنسبة 1.8% على أساس سنوي، بالمقارنة بقرابة 4% في السنوات الماضية. وارتفع "موازي إيجار الملّاك"، أي الإيجار الذي يرى ملّاك المنازل أن مساكنهم تستحقه، وكذلك مكون أساسي آخر في مؤشر أسعار المستهلك، بنسبة 2% على أساس سنوي في شهر مايو، مقارنة بمعدلات ما قبل الوباء التي كانت تبلغ نحو 3.3%، مع العلم أن عودة سوق الإيجارات لطبيعتها سوف تعني مستويات تناهز تلك السائدة في الربيع الماضي، بل قد تتجاوز ذلك لفترة ما.

وبينما يرحب المشاركون في السوق بالأدلة بأن قطاعات مثل الأخشاب والمركبات بدأت تتجاوز فترة التضخم المؤقت، فلا بدّ أن نوجّه انتباهنا إلى سوق الإيجارات، وهي السفينة التي تتهادى ببطء، إذ يمكن لارتفاع الإيجارات الذي قد يتسارع في الأشهر المقبلة أن يؤدي إلى نمط جديد من التضخم أقل مرحلية، يتعين على الاحتياطي الفيدرالي أن يتعامل معه خلال 2022.