أمريكا في حاجة لشركات عملاقة جديدة وليس إلى تفكيك "أمازون"

الكونغرس الأمريكي يعد مشروع قانون لمواجهة الاحتكار يستهدف الشركات التكنولوجية الكبرى، ومن المقترحات تفكيك بعض هذه الشركات العملاقة مثل أمازون
الكونغرس الأمريكي يعد مشروع قانون لمواجهة الاحتكار يستهدف الشركات التكنولوجية الكبرى، ومن المقترحات تفكيك بعض هذه الشركات العملاقة مثل أمازون المصدر: بلومبرغ
Noah Smith
Noah Smith

Noah Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was an assistant professor of finance at Stony Brook University, and he blogs at Noahpinion.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عادت قضية مكافحة الاحتكار للأضواء مرة أخرى في الولايات المتحدة، مع تقديم مشروع قانون جديد من خلال الكونجرس يستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى.

وبالإضافة إلى المخاوف المعتادة بشأن قوة الاحتكار؛ هناك مبرر للقلق أيضاً بشأن هيمنة الشركات الكبرى على الصناعات الرئيسية.

فالاعتماد المفرط على واحد أو اثنين فقط من الأبطال الوطنيين في كلِّ صناعة يتسبَّب في انعدام التنوع الاقتصادي، مما يُعرِّض الولايات المتحدة لخطر التخلُّف في المجالات الرئيسية، إذا ما تعثَّرت هذه الشركات.

ويعدُّ تفكيك الشركات العملاقة قسرياً من قبل الحكومة أحد الحلول المطروحة، إلا أنَّ النهج الأكثر حكمةً والأطول أمداً، هو تشجيع بزوغ نجوم بارزين جدد.

التخلف عن الركب

كانت الولايات المتحدة قد شهدت تخلُّف أبطالها الوطنيين عن الركب فيما مضى، إذ خسرت شركتا "جنرال موتورز"، و"فورد موتور" قدراً كبيراً من تفوقهما لصالح المنافسين اليابانيين عندما واجهتا صعوبة في إدارة التحوُّل إلى سيارات موثوقة، وأكثر فعالية في استهلاك الوقود خلال السبعينيات.

وبالمثل؛ فقدت "أي بي إم"، التي هيمنت على صناعة التكنولوجيا بشكل كامل حتى منتصف الثمانينيات، أهميتها إلى حدٍّ كبير.

وفي بعض الصناعات عالية التقنية، واصلت الشركات الأمريكية العملاقة صمودها حتى ازدهرت، إذ احتفظت شركة "بوينغ" بمكانتها المهيمنة كجزء من احتكار عالمي للطائرات ذات البدن العريض، في حين تربَّعت شركة "إنتل" على عرش المعالجات الدقيقة. لكن في السنوات الأخيرة، بدت هذه الشركات هشة. وبعد فترة من عدم اليقين، يتضح حالياً تخلُّف شركة "إنتل" عن شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" من ناحية التصنيع الفعلي لرقائق الكمبيوتر.

تحديات أمام الشركات الأمريكية

وفي غضون ذلك، لم تستطع شركة "إنتل" النجاح في سوق رقائق الهواتف المحمولة. كما خسرت قطاعاً كبيراً من سوق أجهزة الكمبيوتر المحمولة مؤخراً لمنافستها القديمة "أدفانسد مايكرو ديفايسز".

وتقف العديد من الأسباب وراء ذلك، مثل القرارات الإستراتيجية، والاضطراب الإداري، والصعوبات الفنية.

لكنَّ المحصلة النهائية واضحة، إذ لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد على "إنتل" للهيمنة على صناعة أشباه الموصلات ذات الأهمية الاستراتيجية.

أما بالنسبة لشركة "بوينغ"، فقد بدأت مشاكلها مع إيقاف تشغيل طائرتها من طراز "737 ماكس" في أعقاب حادثين مميتين.

ومن ثم؛ تمَّ تحديد وتصحيح عيب في نظام التحكُّم في الطيران، لكن الطائرة تواجه حالياً مجموعة جديدة من عيوب التصنيع.

وبالإضافة إلى مشاكل المصنع الأخرى التي تثقل كاهل الشركة، فقد تضرَّرت شركة "بوينغ" من جائحة "كوفيد" أكثر بكثير من منافستها الرئيسية "إيرباص".

وبرغم انتعاش المبيعات مع اقتراب الوباء من نهايته؛ إلا أنَّ مستقبل شركة الطائرات الأمريكية سيصبح مهدداً إذا ما سمحت بتدهور جودة التصنيع. وفي الوقت نفسه؛ فإنَّ المنافسة من الصين في مجال الطائرات عريضة البدن أصبحت وشيكةً.

"معضلة المبتكر"

ماذا نستنتج من هذا النمط؟ الإجابة الخاطئة هي أنَّ الشركات الأمريكية ضعيفة بطبيعتها، لأنَّ الشركات البارزة في الدول الأخرى، من "رولز رويس" في المملكة المتحدة إلى "سوني" اليابانية، والعديد من الشركات الأخرى، تميل إلى التراجع بمرور الوقت.

قد يعود جزء من هذا لحسابات بسيطة، إذا بقيت في السوق لفترة طويلة بما يكفي، سيأتي أحدهم ويتغلَّب عليك في النهاية.

ولكن قد يرجع ذلك أيضاً إلى ما أطلق عليه خبير الأعمال، كلايتون إم كريستنسن، "معضلة المبتكر"، أي ميل الشركات الكبيرة الراسخة إلى التركيز حصرياً على عملائها الحاليين أصحاب القيمة العالية، وتجاهل التقنيات الجديدة التي تخدم الأسواق الجديدة. ومن المؤكَّد أنَّ فشل "إنتل" في سوق رقائق الهواتف المحمولة يوافق هذا النمط.

شركات جديدة

لكنْ هناك اختلاف واحد مهم بين الولايات المتحدة والدول الأخرى عندما يتعلَّق الأمر بشركاتها الرائدة، ألا وهو أنَّ الولايات المتحدة تواصل إطلاق شركات جديدة. فشركات "أبل"، و"أمازون"، و"مايكروسوفت"، و"غوغل" التابعة لشركة "ألفابيت"، وغيرها من الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة، تعدُّ جميعها من الوافدين الجدد نسبياً.

كما تحوَّل متوسط عمر الشركات في مؤشر الأسهم "ستاندرد آند بورز 500" من أكثر من 60 عاماً في منتصف القرن العشرين إلى أقل من 20 عاماً اليوم.

وفي الوقت نفسه، تعدُّ "تسلا"، التي تأسست في عام 2003، أهم شركة سيارات فى العالم.

وهذا يمنح الولايات المتحدة أفضليةً على أوروبا واليابان، ويخلق عدداً قليلاً نسبياً من العمالقة الجدد، الأمر الذي ينبغي أن يمنحها بدوره أفضليةً على الصين، عندما تشيخ شركات الدولة الآسيوية.

التركيز على الصناعة

العبرة المهمة تكمن هنا في أنَّه مع اتجاه الولايات المتحدة نحو السياسة الصناعية من جديد، سيكون هناك دافع طبيعي لضخِّ الأموال في الشركات القوية، مثل: "بوينغ"، و"إنتل".

على سبيل المثال، يشتمل جزء كبير من قانون المنافسة والابتكار الأمريكي الذي تمَّ تمريره مؤخَّراً على أكثر من 50 مليار دولار لدعم تصنيع أشباه الموصلات، ومن المحتمل أن ينتهي الأمر بحصول "إنتل" على جزء كبير من تلك الأموال.

ويمثِّل دعم الشركات الرائدة بشكل تفضيلي عنصراً أساسياً في السياسة الصناعية الأمريكية، إذ عادةً ما يقوم بنك الولايات المتحدة للتصدير والاستيراد، الذي يقرض الأموال للشركات الأمريكية التي تبيع السلع في الخارج، بإقراض معظم أمواله للشركات الكبرى.

ويعدُّ ذلك نهجاً خاطئاً. صحيح أنَّه، في بعض الأحيان، يدعم المنافسون مثل الصين أبطالهم الوطنيين، ويتعيَّن على الولايات المتحدة أن تحذو حذوهم للحفاظ على قدرتها التنافسية.

لكنْ في كثير من الأحيان، تفشل الشركات العملاقة في الولايات المتحدة من تلقاء نفسها، ربما عن طريق إقالة مدير تنفيذي كبير، أو القيام بمراهنات خاطئة، أو التفريط في مراقبة الجودة.

إنَّ تعبئة موارد البلاد وراء أكبر اللاعبين يخاطر بدعم الشركات التي لا تستحق الدعم.

خلق أبطال جدد

كما أنَّه ليس من الواضح مدى فائدة إجراءات مكافحة الاحتكار أيضاً. قد تؤدى الإطاحة بنماذج أعمال منصة "غوغل"، و"أمازون" إلى زيادة المنافسة محلياً، لكنَّ تأثير ذلك على القدرة التنافسية للولايات المتحدة تجاه دول مثل الصين غير واضح.

وبالنظر إلى النمط التاريخي لفقدان شركات مثل "أدفانسد مايكرو ديفايسز" هيمنتها بشكل طبيعي، قد يؤدي تطبيق مكافحة الاحتكار ببساطة إلى تسريع عملية طبيعية.

وبالتالي؛ يتعيَّن على الولايات المتحدة التركيز بشكل أكبر على خلق أبطال وطنيين جدد للعيش جنباً إلى جنب مع الأبطال القدامى.

ويجب أن يتمَّ توجيه تمويل السياسة الصناعية إلى الشركات الناشئة الجديدة لمساعدتها على التوسُّع بسرعة.

وفي هذا السياق، أوصى "آندي جروف"، وهو نفسه الرئيس التنفيذي السابق لشركة "إنتل"، باتباع هذا النهج.

كما يجب أن يكون هذا التمويل متاحاً لفترة محدودة، وإذا ما فشلت مؤسسة جديدة واعدة في أن تصبح "تسلا" القادمة، فلا بأس من السماح لها بالاستقرار في مركز أصغر في السوق، أو أن يحصل عليها صاعد آخر.

لكنَّ المفتاح هنا هو التجديد، فكثيراً ما كانت الولايات المتحدة دولة الحداثة. وبدلاً من التراجع إلى وضعية دفاعية من خلال دعم الشركات المهيمنة القديمة؛ لننتقل إلى الشركات الكبرى القادمة.