تعرف على مؤسس ثورة "المؤشرات" البالغ قيمتها 11 تريليون دولار

يعود الفضل لماك ماكوون في تأسيس صناعة صناديق المؤشرات التي أزالت الغموض عن عملية الاستثمار وخفّضت تكاليف العائدات لاستقطاب استثمارات نصف الأمريكيين بأسواق الأسهم اليوم
يعود الفضل لماك ماكوون في تأسيس صناعة صناديق المؤشرات التي أزالت الغموض عن عملية الاستثمار وخفّضت تكاليف العائدات لاستقطاب استثمارات نصف الأمريكيين بأسواق الأسهم اليوم المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يقضي البطل المجهول للاستثمار الحديث أيامه في مزارع الكروم المُشمسة في مدينة سونوما بولاية كاليفورنيا البعيدة عن "وول ستريت".

لم يسبق لجون "ماك" ماكوون إدارة مصرف كبير، أو صياغة سياسة من واشنطن العاصمة، بل ولم يحظَ بشهرة مثلما حدث مع رفيقه الروحي، جاك بوغل.

إلا أن ماكوون وفريقه الأسطوري من الأكاديميين تمكّنوا، منذ 50 عاماً حتى يومنا هذا، من إنشاء أول صندوق استثماري مربوط بمؤشر على الإطلاق، وهو الابتكار الذي انعكس بثقله على مؤسسة إدارة الأموال، ليتطوّر لاحقاً إلى صناعة تزيد قيمتها عن 11 تريليون دولار.

ويقول ماكوون، البالغ من العمر 86 عاماً، في مقابلة معه: "من البديهي أن أقول إنني أناركي".

بحماسته المبتكرة الساعية إلى التغيير، سعى الفريق في مصرف "ويلز فارغو" إلى تغيير عقيدة الاستثمار المتهمة بتوظيف مجموعة من مدراء الأموال المنكبّين على أجهزتهم الخاصة، والذين لا يتمتّعون بالتنوّع، بل ويكّلفون شركاتهم الكثير، ولا يتناسبون مع أهدافها المرجوّة.

هنا يُعلّق ماكوون: "لقد أثبتنا أن هذا صحيح في السنوات الخمسين التالية لتلك الفترة".

الفائزون بجائزة نوبل

إنه حقاً سريع في تقاسّم الفضل مع الآخرين فيما يتعلّق بالصندوق الأول. فلقد قام رانسوم كوك، رئيس "ويلز فارغو"، بتعيينه الذي كلّف البنك الملايين. في نفس الوقت، قام فريق من الأكاديميين بوضع النظريات التي قام عليها الاستثمار في المؤشرات، وهم هاري ماركويتز، وويليام شارب، ويوجين فاما، الذين تعاونوا على المشروع أيضاً.

يقول ماكوون:

عمل معنا العشرات من الأكاديميين، ستة منهم حصلوا على جوائز نوبل الآن

ومع ذلك، كان ماكوون هو من امتلك الشجاعة بفطنته في مجال الهندسة المالية، لتسخير أفكار الأكاديميين الرائدة في العالم الحقيقي.

استخدم "ويلز فارغو" حوالي 6 ملايين دولار من صندوق المعاشات التقاعدية، "سامسونايت"، لإنشاء مؤشر متساوي الأوزان، يقوم بتتبّع جميع أسهم الشركات المدرجة في بورصة نيويورك، البالغ عددها في ذلك الوقت 1500 شركة.

لكن الفكرة لم تنجح بشكل كبير في الواقع، فلقد كانت عملية مراجعة الأوزان بشكل مستمر لمكوّنات الصندوق معقّدة ومكّلفة، بل وأصبحت عبئاً كبيراً. وفي عام 1976، تم تحويل منتج "سامسونايت" إلى صندوق آخر، يضم مكونات مؤشر "إس آند بي 500"، وتم ترجيحه بالقيم السوقية لتلك الأسهم.

إلا أن تلك النهاية المحدودة للصندوق الأول كانت نواة فعلية لما انطلق فيما بعد. فلقد واصل "ويلز فارغو" تطوير أعماله في المؤشر، إلى أن ثار العملاء ضد مدراء الأموال النشطين الذين فشلوا في التغلّب على المعايير المرجعية.

هنا ازدادت قوة الوحدة من درجة إلى أخرى، حتى تحوّلت فيما بعد إلى ما يُعرف بشركة "باركليز غلوبال إنفستورز، التي أطلقت "آي شيرز" (iShares)، ثم استحوذت عليها "بلاك روك " لاحقاً، ولتُصبح بذلك واحدة من أعمدة كبار مدراء الأموال في العالم.

في الوقت نفسه، جلب بوغل صناديق المؤشرات إلى الجماهير من خلال إطلاق أول صندوق متاح للمستثمرين الأفراد في عام 1976، عبر شركته الاستثمارية الوليدة آنذاك، "فانغارد" (Vanguard).

إرث كبير

في الحقيقة، تصعُب هنا المبالغة في تقدير إرث شهر يوليو 1971، إذ يعود الفضل إلى حد كبير لصناديق المؤشرات، التي أزالت الغموض عن عملية الاستثمار وخفّضت تكاليف العائدات، لاستقطاب استثمارات نصف الأمريكيين بأسواق الأسهم اليوم.

"أدرك ماكوون هذه الإمكانية قبل 50 عاماً، ولكن ليس من خلال تقديرات الفريق الذي أشارت توقعاته الأولية إلى إمكانية استقطاب 10 مليارات دولار، ولكن عن طريق القدرة على تحسين الطريقة التي تستثمر بها البشرية"، وفقاً لديفيد بووث، المؤسس المشارك لمدير الأصول الكمية الرائد، "دايمينشينال فند أدفايزرز"، وعضو فريق "ويلز فارغو" الأسطوري.

فقد كان ماكوون هو من ساعد على توظيف ألمع العقول بمجال التمويل الأكاديمي في محاولة منه لتغيير قواعد الاستثمار، بما في ذلك فيشر بلاك، ومايك جينسين، وجيم لوري، ومايرون سكوليز. يقول بووث:

الأكاديميون وراء البحث هم المحفزّون، ولكنهم احتاجوا إلى شخص يقول لهم؛ جيد، كفانا من النظريات، نحن بحاجة إلى توفير هذا، لأن الأمر هام للغاية ويمكننا أن نجعل حياة الآخرين أفضل

وبالتأكيد، لم تخلُ الثورة التي بدأها الفريق بأكمله من الانتقاد، إذ يخشى المنتقدون من أن تزداد الملكية السلبية ضخامة، ما يؤثر بالتالي على الأسعار، وتقلّب الأسواق، وحوكمة الشركات، وغيرها. فعلياً، بلغت نسبة الملكية السلبية في صناديق الاستثمار في الأسهم وصناديق المؤشرات أكثر من 50% حالياً. لكن عاشق تصنيع النبيذ، المقيم في سونوما اليوم، يقلق من المستثمرين "غير الموضوعيين" بشكل أكبر.

في رأيه، نمت المعايير المرجعية بفضل التكنولوجيا، ولكن التقنية زادت أيضاً من قوة اللاعبين في السوق الذين يسهل انحيازهم ولا يتمتعون بالقدرة على التنبؤ.

لا تعني تلك الكلمات أن ماكوون سينتقد عدد المستثمرين الهائل عبر منصة "ريديت"، الذين استخدموا تطبيقات التداول اليومية، وتكبدوا خسائر فادحة في سوق الأسهم هذا العام، لكنه يقول:

إذا كنت تريد التقدّم التقني، فعليك أن تقبل بعضاً من جوانبه السلبية لكي تحصل على بعض الإيجابيات

ماكوون، القادم من مجال الهندسة الميكانيكية، يظل مبتكراً في صميم أعماقه، فهو يقوم حالياً بتنسيق شبكة صغيرة ثانية لمساعدته في تشغيل ممتلكاته الممتدة بين سلسلتين جبليتين شمال سان فرانسيسكو.

يعود ولعه بصناعة النبيذ إلى فترة طويلة تتزامن مع ولعه لصناديق المؤشرات نفسها، فلقد قام بأول استثمار له في تلك الصناعة أثناء عمله في "ويلز فارغو"، حتى أنه أمضى شهر أجازته من البنك في فرنسا لكي يتعرّف على تلك الصناعة.

في ذلك الوقت، لم يفكر ماكوون وفريق الأكاديميين الماليين أبداً في صنع التاريخ، إذ تعلّق عملهم حينها بحل المشكلات فقط فور ظهورها، على حد قوله، كما "أنني قضيت وقتاً ممتعاً للغاية، فالنجوم لا تصطف عادة بهذه الطريقة المثالية في كثيرٍ من الأحيان".