البنتاغون يفسخ صفقة جدلية بقيمة 10 مليارات دولار مع "مايكروسوفت"

ِشعار شركة مايكروسوفت
ِشعار شركة مايكروسوفت المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فسخ البنتاغون عقداً بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي للحوسبة السحابية، كان قد منحه لشركة "مايكروسوفت كورب" في عام 2019.

ويأتي فسخ العقد بعد عدة سنوات من الجدل بين الحكومة وبعض أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية بشأن الصفقة، مما يشير إلى أنه يُخطط لتقسيم العمل بين "مايكروسوفت" ومنافستها "أمازون دوت كوم" بدلاً من ذلك.

في هذا الصدد، قالت وزارة الدفاع في بيان، اليوم الثلاثاء: "بالنظر إلى بيئة التكنولوجيا المتغيرة، أصبح من الواضح أن عقد سحابة البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي (JEDI Cloud)، الذي تأخر طويلاً، لم يعد يفي بالمتطلبات لسد فجوات قدرة وزارة الدفاع". وكان المشروع المقصود عقداً أحادي المصدر، محط نزاع حاد منذ البداية.

أمازون تعود للصفقة

بدلاً من ذلك، أعلن البنتاغون عن خطط لمشروع "متعدد المورّدين"؛ حيث قال إنه "ينوي السعي للحصول على عروض من عدد محدود من المصادر، أي "مايكروسوفت" و"أمازون ويب سيرفيسز"، وهما الشركتان الوحيدتان اللتان يعتبرهما قادرتين على تلبية متطلباته؛ وأوضح أنه سيتم النظر في المورّدين الآخرين في حال كان بإمكانهم إثبات استيفائهم لشروط العقد.

وواصلت "مايكروسوفت" انخفاضها السابق، حيث تراجعتت بنسبة تصل إلى 1.2٪ والذي يُعتبر أدنى مستوى لها خلال جلسة بعد انتشار هذه الأنباء.

فيما حافظت "أمازون" على مكاسبها، وارتفعت بنسبة 3.3٪ في الساعة 12:32 مساءً في نيويورك.

نزاع قضائي

ما من شكٍ في أن مستقبل برنامج "البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي" السحابي قد أصبح موضع شكٍ في وقت سابق من هذا العام، عندما صرّح مسؤولو البنتاغون أنهم قد يفسخون العقد في حال رفضت محكمة المطالبات الفيدرالية الأمريكية ردّ مزاعم "أمازون" بأن التدخل السياسي من الرئيس السابق دونالد ترمب قد كلّف الشركة صفقة السحابة المربحة.

وفي أبريل، رفضت القاضية باتريشيا كامبل سميث، طلبات من الحكومة و"مايكروسوفت" لردّ جزء من دعوى "أمازون"، مما سمح باستمرار التقاضي.

عقد جديد

وسيتم منح عقد السحابة الجديد، الذي يطلق عليه اسم "القدرة السحابية المشتركة للمحاربين" (Joint Warfighter Cloud Capability)، لعدة مورّدين لمدة خمس سنوات؛ حيث قالت وزارة الدفاع، إنها لم تحدد بعد الحد الأقصى لمبلغ العطاء لمشروع السحابة البديل، إلا أنها تتوقع أن يكون بمليارات الدولارات.

وفي الواقع، لن تحصل "مايكروسوفت" و"أمازون" على الصفقة تلقائياً، حيث سيتعين عليهما تقديم عروض ومقترحات حول كيفية تلبية متطلبات الحكومة، وفقاً للبنتاغون.

ومن بين المتطلبات التي تخطط وزارة الدفاع لفرضها، هي القدرة على التعامل مع البيانات الحساسة على مستويات تصنيف متعددة، والتوافر العالمي للخدمات السحابية في البيئات التكتيكية، وتحسين ضوابط الأمن السيبراني، وذلك وفقاً لصحيفة حقائق البنتاغون.

تقادم مشروع مايكروسوفت

من جهته، قال القائم بأعمال كبير مسؤولي المعلومات، جون شيرمان، في مقابلة هاتفية أُجريت معه، إن احتمال التقاضي اللامتناهي لم يكن القوة الدافعة وراء التغيير الذي قام به البنتاغون؛ بل أوضح قائلاً: "الأمر يتعلق حقاً بالحاجة إلى المهمة؛ ونظراً لأنه تم تصميم "البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي" منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، فقد انتقلنا إلى واقع مختلف" من حيث التطورات السحابية.

وجرى إخطار "أمازون" و"مايكروسوفت" يوم الثلاثاء بالاستراتيجية الجديدة من خلال وزارة العدل، التي كانت تدافع عن موقف وزارة الدفاع؛ حيث قال شيرمان: "ليس لدينا اتفاق بعد" معهم، على الرغم من أن التعليقات الأولية تشير إلى "عدم وجود شيء سلبي".

منافسون جدد

بالإضافة إلى ذلك، قال "شيرمان"، إنه سيتواصل مع شركات "أوراكل كورب" (Oracle Corp)، و"إنترناشونال بيزنس ماشينز كورب" (International Business Machines Corp)، و"ألفابت" (Alphabet Inc) المالكة لـِ "غوغل" (Google) من أجل وضع الخطوط العريضة للخطة الجديدة. مضيفاً أن "الباب ما يزال مفتوحاً على مصراعيه للأشهر الثلاثة والنصف القادمة بينما نجري أبحاث السوق" حول المنافسين الإضافيين وما إذا كان بإمكانهم تلبية المتطلبات.

"حرب النجوم"

كان الغرض من العقد الأصلي، الذي يُعرف اختصاراً باسم "جيداي"، هو استحضار صور منفيلم "حرب النجوم". كما كان الهدف من هذا المشروع، الذي تقدر قيمته بما يصل إلى 10 مليارات دولار على مدى عقد من الزمن، أن يكون بمثابة مستودع البيانات الأساسي للخدمات العسكرية في جميع أنحاء العالم.

وقالت وزارة الدفاع، إنها تتبنى الخدمات السحابية التجارية، حيث يجري استضافة قوة الحوسبة والتخزين في مراكز البيانات البعيدة التي تديرها شركات خارجية، وذلك لمنحها ميزة تكتيكية في ساحة المعركة، وتعزيز استخدامها للتقنيات الناشئة.

في الحقيقة، يُقدّم فسخ البنتاغون لعقد "البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي" وتنفيذ مشروع سحابي جديد، أحد أوضح المصادقات العامة على أن "مايكروسوفت" و"أمازون" ما تزالان الرائدتان في سوق الخدمات السحابية للحكومة الفيدرالية؛ حيث كان يُنظر إلى فوز "مايكروسوفت" بعقد "البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي" على أنه علامة على أن الشركة تلحق بركب شركة "أمازون"، وقد وصفه بعض المحللين بأنه ربما "أكبر عقد سحابة في التاريخ".

المشاحنات القانونية

استرعى العقد على مر السنين اهتمام وتدقيق كبرى شركات التكنولوجيا، والمشرّعين، والبيت الأبيض.

حيث أثار قرار البنتاغون بمنح الصفقة لمزودٍ وحيد بدلاً من تقسيمها إلى عدة عقود من الباطن، ضغطاً قوياً وراء الكواليس وحملة علاقات عامة من قبل المنافسين للإطاحة بشركة "أمازون"، التي كان يُنظر إليها على أنها المرشح الأول الأصلي عندما جرى الكشف عن المنافسة على عقد السحابة في عام 2018.

وفي شهر سبتمبر 2020، خسرت شركة "أوراكل" استئنافاً في دعوى قضائية تطعن في استبعادها من عملية الشراء. حيث زعمت الشركة الصانعة للبرمجيات أن متطلبات عقد البنتاغون كانت ضيقة للغاية وأن المنافسة كانت ملوثة بشكل قاتل بتضارب المصالح المرتبطة بشركة "أمازون".

كما تزعم دعوى "أوراكل" أن "أمازون" عرضت على موظفين اثنين سابقين في البنتاغون وظيفتين في الشركة أثناء عملهما على العقد.

علاوةً على ذلك، نُشير إلى أن محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الفيدرالية أكدت حكم محكمة أدنى بأن شركة "أوراكل" لم تتضرر من أية أخطاء ارتكبها البنتاغون في تطوير مقترح العقد لأنها لم تكن مؤهلًة للعقد على أي حال.

وقد استأنفت شركة "أوراكل" هذا الحكم أمام المحكمة العليا، التي لم تقرر بعد ما إذا كانت ستنظر في القضية أم لا.

بيزوس "العدو"

بعد فوز "مايكروسوفت" المفاجئ في أكتوبر 2019، رفعت "أمازون ويب سيرفيسز" دعوى قضائية تؤكد أن وزارة الدفاع تجاهلت تكنولوجيا "أمازون" الفائقة، ومنحت العقد إلى "مايكروسوفت" على الرغم من "الإخفاقات الرئيسية" في الامتثال للمتطلبات.

كما ذكرت أن البنتاغون ارتكب هذه الأخطاء بسبب التدخل غير اللائق من جانب ترمب، الذي اعتبر المؤسس المشارك لشركة "أمازون"، جيف بيزوس - والذي يمتلك أيضاً صحيفة واشنطن بوست - "عدوه السياسي"، وفقاً لدعوى "أمازون". في حين نفت وزارة الدفاع أن تكون السياسة قد أثرت على قرارها بمنح "مايكروسوفت" الصفقة.

ضغوط سياسية

علاوةً على ذلك، اعتمدت دعوى أمازون القضائية على قائمة مطوّلة من التعليقات والإجراءات التي اتخذها ترامب ووزارة الدفاع، والتي تدعي الشركة العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية أنها تُظهر أن البنتاغون رضخ للضغوط السياسية عندما منح الصفقة لشركة "مايكروسوفت".

وفي إحدى الحالات، استشهدت "أمازون" بادعاءات وردت في كتاب كتبه غاي سنودغراس، كاتب الخطابات السابق لوزير الدفاع السابق جيم ماتيس؛ حيث قال إن ترمب طلب من ماتيس في صيف عام 2018 "سحق أمازون" من خلال استبعادها من المناقصة؛ وقد كتب سنودغراس أن ماتيس لم يفعل ما طلبه ترمب.

أشارت الشركة أيضاً إلى تعليقات ترمب خلال مؤتمر صحفي في يوليو 2019، عندما تساءل علناً عما إذا كان عقد "البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي" يتم بموجب مناقصة تنافسية، مستشهداً بشكاوى من "مايكروسوفت"، و"أوراكل"، و"إنترناشونال بيزنس ماشينز كورب".

اتهام ترمب

لتعزيز قضيتها، طلبت "أمازون" من المحكمة السماح لها باستجواب ترمب ووزيري الدفاع السابقين ماتيس ومارك إسبر، بالإضافة إلى دانا ديزي، الذي كان كبير مسؤولي المعلومات في البنتاغون. هذا ولم تُصدر القاضية كامبل سميث، حكماً بشأن هذا الطلب في المحكمة.

وفي أبريل 2020، قال المفتش العام بوزارة الدفاع إنه لا يوجد دليل على أن قرار البنتاغون بمنح الصفقة لشركة "مايكروسوفت" كان نتيجة لتدخل من ترمب، على الرغم من أنه أشار إلى تقييد تحقيقه من قبل مسؤولي البيت الأبيض. كما أبرأت هيئة الرقابة المشروع من مزاعم تضارب المصالح المتعلقة بشركة "أمازون".

الجدير بالذكر أنه مع استمرار المعارك القانونية والتنظيمية حول "البنية التحتية المشتركة للدفاع المؤسسي"، أكدت وزارة الدفاع أن لديها أكثر من عشرة مشاريع سحابية أخرى، بما في ذلك شراكات مع "أوراكل"، و"أمازون"، و"جنرال ديناميكس إنفورميشن تكنولوجي"(General Dynamics Information Technology)، و"مايكروسوفت".