مصر توّدع ملحمة "إيفر غيفن" في قناة السويس بتعويض واحتفال

سفينة الحاويات "إيفر غيفن" مبحرة في قناة السويس بعد أن علقت لستة أيام في القناة. مع توّجه أنظار العالم نحو القناة في شهر مارس الماضي، عمل موظفوها ومساعدون من الخارج على مدار الساعة لتحرير "إيفر غيفن" في أوضاع خاطرت بحياتهم في كثير من الأحيان، ولكنهم حرصوا على تقليص أضرار السفينة
سفينة الحاويات "إيفر غيفن" مبحرة في قناة السويس بعد أن علقت لستة أيام في القناة. مع توّجه أنظار العالم نحو القناة في شهر مارس الماضي، عمل موظفوها ومساعدون من الخارج على مدار الساعة لتحرير "إيفر غيفن" في أوضاع خاطرت بحياتهم في كثير من الأحيان، ولكنهم حرصوا على تقليص أضرار السفينة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

توفِّر مصر ممراً آمناً للعديد من السفن العابرة في مياهها، ولكنَّها حالياً تُعامل سفينة الحاويات، "إيفر غيفن"، معاملة خاصة إلى حدٍّ ما. فمن المقرر أن تغادر سفينة الحاويات، التي يبلغ طولها 400 متر، اليوم الأربعاء، في حفل يحضره كبار الشخصيات، والدبلوماسيون، ومسؤولو الشركة من جميع أنحاء العالم. وفي الواقع، كان عام 2015 شاهداً على آخر حدث بهذا القدر الكبير من الضجَّة، عندما أنجزت هيئة قناة السويس- مضيف الحدثين الحالي والسابق- مشروع توسعة بقيمة 8 مليارات دولار في غضون عام.

إلا أنَّ الحدث هذه المرة سيكون بمثابة حفل ختامي واحتفالي معاً، لأنَّه يتعلَّق بسفينة "إيفر غيفن" اليابانية العملاقة، المحمَّلة ببضائع قيمتها مليار دولار، التي فقدت السيطرة أثناء تحرُّكها شمالاً عبر القناة في شهر مارس الماضي، لتصطدم بعد ذلك بضفافها، مما أدى إلى انسداد الممر المائي، وكأنَّ غطاءً عملاقاً من الفلّين أغلقها بإحكام. هزَّت هذه الحادثة الأسواق العالمية، وأذهلت العالم لما يقرب من أسبوع.

اقرأ أيضاً: "قناة السويس" تتفق رسمياً على تعويضات "إيفرغيفن" وتسمح لها بالمغادرة

سيشهد الحفل أيضاً توقيع اتفاق تسوية بين هيئة القناة ومالكي السفينة، "شويي كيسن كايشا" (Shoei Kisen Kaisha Ltd)، ليُسدل بذلك الستار على حادثة تحوَّلت إلى أزمة في العلاقات العامة لدى مراقبي الممر المائي، وبالتالي مصر نفسها.

تقليص الأضرار

أكسب تحرير السفينة بعد ستة أيام فقط من الحادث السلطة بعض الشهرة، بل وأغاث أيضاً حركة المرور البحرية المتراكمة حينها، التي قدِّرت قيمتها بنحو 10 مليارات دولار، لكنَّ مسألة تحديد اللوم والتعويض المالي التي حدثت بعد ذلك، حملت القدر نفسه من الأهمية على الصعيدين الداخلي والخارجي بالنسبة لمصر.

وقال رئيس الهيئة أسامة ربيع، على التلفزيون المصري بتاريخ 23 يونيو: "احتفظنا بكامل حقوقنا فيما يتعلَّق بتكاليف عملية الإنقاذ والأضرار التي لحقت بمسار الملاحة. كما حافظنا على العلاقة الوثيقة مع أكبر عملائنا، بالإضافة إلى علاقاتنا الاقتصادية والسياسية مع اليابان ".

اطلع على أعمق قصة للسفينة التي هزت أركان التجارة العالمية

ومع توجُّه أنظار العالم نحو القناة في شهر مارس الماضي، عمل موظفوها، ومساعدون من الخارج على مدار الساعة لتحرير "إيفر غيفن"، في أوضاع خاطرت بحياتهم في كثير من الأحيان، ولكنَّهم حرصوا على تقليص أضرار السفينة، وحاوياتها البالغ عددها 17600 حاوية، والقناة نفسها، إلى حدٍّ طفيف. وفي نهاية الأمر، قدَّمت العناية الإلهية المساعدة لفرق العمل، وذلك عندما سمح لهم المد المرتفع بشكل استثنائي بإعادة تعويم السفينة.

وبقدر صعوبة عملية تحرير السفينة؛ كانت عملية إنهاء النقاشات بشأن اللوم والتعويض صعبة أيضاً.

فلقد أصابت مصر هدفاً بتحريرها "إيفر غيفن"، وتخليص أكثر من 400 سفينة متراكمة بسبب الحادث سريعاً، إلا أنَّه تعيَّن عليها بعد ذلك السير بشكل قاطع في طريق تعويض الخسائر المادية والملحوظة على حدٍّ سواء، والتأكُّد من عدم تخلّيها عن حقوقها أمام جمهور عالمي، أو تنفير عملائها في الوقت نفسه.

أما الأمر بالنسبة إلى مالكي السفينة وشركات التأمين؛ فقد اختصر على مسألة تفاضلية وتكاملية أساسية، ألا وهي؛ ما هي الأموال التي يُمكن دفعها؟، أو ما الذي يجب دفعه؟.

ثمن المصداقية

إلى جانب ذلك، ازدادت المخاطر على كلا الجانبين بعد انتقال القضية إلى المحاكم المصرية التي أمرت بمصادرة "إيفر غيفن" حتى التوصُّل إلى حل. أرادت مصر الحصول على أكثر من 900 مليون دولار، في حين وصل العرض المضاد إلى حوالي 150 مليون دولار.

ولم يُعلِّق أي من الجانبين على حجم التسويّة، ولم يقدم تفاصيل أخرى، في حين قال ربيع في مقابلة تلفزيونية أخرى، إنَّ المبلغ اقترب من 550 مليون دولار، وهو الرقم الجديد المعروض في وثائق المحكمة المعدّلة. لكنَّه امتنع عن التحديد بشكل أكبر، مستشهداً باتفاقيات سريَّة متعلِّقة بمسألة الأموال.

لكن هناك ما هو أكثر من الأموال بالنسبة لمصر؛ فبرغم أنَّ أرباح قناة السويس تعدُّ مصدراً رئيساً للإيرادات الأجنبية للبلاد، إلا أنَّ المصداقية لا تُقدَّر بثمن، وهو الأمر الذي يعمل الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعزيزه منذ انتخابه في عام 2013. وتحت قيادته، كان مشروع توسيع القناة أحد جهود البنية التحتية الرئيسة العديدة التي تمَّ إطلاقها بمئات المليارات من الجنيهات المصرية، وتمَّ اقتراح خطط لتوسعة أخرى بعد حادثة "إيفر غيفن".

ولأجل الرغبة في إبراز مصر الجديدة والحديثة؛ تطلَّب التعامل مع الأزمة أن يُظهر مسؤولوها قدرتهم على حلِّها، وأوضح السيسي ذلك في إحدى محادثاته مع ربيع أثناء محاولة تحرير "إيفر غيفن". قال الرئيس، إنَّه سأل رئيس القناة عن الجانب الأكثر صعوبة في إعادة تعويم السفينة، فأجاب ربيع بأنَّه يتعلَّق بتفريغ الحاويات، وهي العملية التي أشار بعضهم إلى أنَّها قد تستغرق ما يصل إلى ثلاثة شهور. وقال الرئيس لربيع: "لنكن مستعدين، ويجب أن نكون جاهزين في أزمة كهذه، مهما كلَّفنا الأمر."