بسبب "حرب البيانات".. الصين تُشدد حملتها ضد شركات التكنولوجيا بإجراءات جديدة

شركات التكنولوجيا لم تعد في مأمن من الإجراءات الحكومية الصينية
شركات التكنولوجيا لم تعد في مأمن من الإجراءات الحكومية الصينية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتشر صدى التحّرك الصيني لكبح جماح صعود شركات التكنولوجيا المُتعطّشة للبيانات وتدفّق الإدراج إلى أسواق الولايات المتحدة، منذ العقد الماضي، تزامنا مع استعداد المستثمرين لحقبة جديدة من رقابة صينية أكثر صرامة.

انعكس صدى ذلك على انخفاض مقياس أسهم التكنولوجيا الصينية المتداولة بهونغ كونغ بنسبة 1.9% اليوم الأربعاء، ليقترب من أدنى مستوى له منذ شهر نوفمبر. وتراجع المؤشر بأكثر من 30% من أعلى مستوى له في فبراير، بينما تراجع مؤشر شهادات الإيداع الأمريكية للشركات الصينية بنسبة 3% أمس الثلاثاء. وانخفضت أسهم شركة "ديدي جلوبال"، والتي كانت محور تدقيق حكومي صيني، بنسبة 20% في نيويورك.

من المحتمل أن يصل تأثير الحملة الصينية على شركات التكنولوجيا إلى أبعد مدى، برغم حالة عدم اليقين السائدة حول الكيفية التي ستُنفذ بها الصين حملتها القمعية التي أشار إليها مجلس الدولة أمس الثلاثاء.

ومن المرجّح أن تؤدي الإجراءات التنظيمية المتزايدة إلى إبطاء وتيرة الإدراج الصيني في الولايات المتحدة، وتقليل تدفق الرسوم المربحة إلى "وول ستريت"، كما ستواجه شركات التكنولوجيا المزيد من القيود على استخدام البيانات المربحة، بينما لن ينمو خطر الفصل الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة إلا عندما تعمل الحكومتان على حماية الأمن القومي.

قال بيتر غارنري، رئيس إستراتيجية الأسهم في "ساكسو بنك" في منطقة "هيلروب" بالعاصمة الدنماركية: "الصين اتخذت خطوة كبيرة، وتتعلّق حالة عدم اليقين الحالية بدرجة تأثير هذه اللوائح التنظيمية على الربحية في المدى الطويل. وتتأرجح شهادات الإيداع الأمريكية أيضاً بين المصالح الأمريكية والصينية".

تأمين البيانات

في بيان مقتضب صادر أمس الثلاثاء، قال مجلس الدولة إنه ستتم مراجعة قواعد الإدراج في الخارج، وستتم محاسبة الشركات المتداولة علناً، بهدف الحفاظ على أمان بياناتها، وأضاف البيان أن الصين ستُكثّف رقابتها التنظيمية على الشركات المتداولة في الأسواق الخارجية.

فيما تدفّقت الشركات الصينية، وخصوصاً من صناعة التكنولوجيا، على البورصات الأمريكية في السنوات الأخيرة، برغم جهود بكين لتشجيعها على الإدراج المحلي. وجمعت الشركات الصينية حوالي 76 مليار دولار من خلال طرح أسهمها في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، وفي الشهر الماضي وحده، جمعت حوالي 7.9 مليار دولار، وهو المبلغ الأكبر منذ الاكتتاب العام الأولي لمجموعة "علي بابا" في شهر سبتمبر من عام 2014، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

إلا أن الشركات الصينية يتم إدراجها في الخارج من خلال كيانات يطلق على هيكلها القانوني "كيانات ذات مصلحة متغيّرة" (Variable Interest Entity )، مما يُساعدها على البقاء بعيداً عن أعين الهيئات التنظيمية إلى حد كبير. ولم يعتمد النظام الصيني هذا النموذج من الشركات رسمياً، لكن سبق لكل عملاق تكنولوجيا صيني استخدامه تقريباً بهدف الاستفادة من المستثمرين الأجانب. وبموجب هذا الهيكل، تقوم الشركات بتحويل الأرباح إلى كيان خارجي بأسهم يُمكن للمستثمرين الأجانب امتلاكها.

وقال مارتن تشورزيمبا، الزميل الأول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "أستشف تهديداً خطيراً للتسوية السياسية التي سمحت بتأسيس هيكل الكيانات ذات المصلحة المتغيّرة، لأجل الالتفاف على القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للشركات الصينية المتخصّصة في الصناعات الحساسة".

تغيير قواعد اللعبة

في الوقت نفسه، يُخطط المنظمون في بكين إلى تغيير القواعد التي ستسمح لهم بمنع شركة صينية من الإدراج في الخارج، حتى لو تم طرح أسهم الشركة خارج الصين بالفعل في وقت سابق، وفقاً لمصادر مطّلعة على الأمر. كما قد تتطلب القواعد من الشركات العاملة تحت نموذج "الكيانات ذات المصلحة المتغيّرة"، مثل "علي بابا"، والتي تم طرحها فعليّاً للاكتتاب، الحصول على موافقة رسمية قبل طرح أسهمها في الخارج، على حد قولهم.

أصبحت البورصات الأمريكية أكثر عداءً تجاه الشركات الصينية، التي قد تواجه الشطب في حال رفضها تسليم المعلومات المالية إلى المنظّمين الأمريكيين. وتتواصل جهود هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بشأن الاطّلاع على البيانات المدقّقة للشركات الأجنبية، والتي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، واستمرت في إدارة بايدن كذلك. وقالت بعض الشركات الصينية إن قوانين الأمن القومي الصينية تمنعها من تسليم المستندات المدقّقة إلى المنظمين الأمريكيين.

وتزايد القلق الصيني بشأن كمية المعلومات الحساسة التي تحتفظ بها شركات التكنولوجيا في البلاد، وبشأن كشفها من خلال الاكتتابات العامة. وبرغم أن منظّم الأوراق المالية كان قادراً على سحب الإدراج المزدوج لشركة "أنت غروب" بقيمة 35 مليار دولار في شنغهاي وهونغ كونغ خلال شهر نوفمبر، لكنه لا يملك نفس هذه القوة مع العديد من الشركات الصينية التي تذهب إلى الولايات المتحدة لبيع الأسهم.

وتضاعفت الجهود من جانب المنظمين الصينيين، حيث طلبوا، قبل ثلاثة أشهر، من شركة "ديدي" تأجيل إدراجها بسبب مخاوف متعلّقة بالأمن القومي حيال تلك البيانات الضخمة، وفقاً لـ"بلومبرغ نيوز". كما تلقت شركة تكنولوجيا التأمين الإلكتروني، "ووتر دروب"، بحسب تقرير لوكالة "رويترز" في شهر أبريل الماضي، معارضة من الجهات التنظيمية بشأن طرحها العام الأولي في الولايات المتحدة، لأنها اعتبرت نموذج أعمالها محفوفاً بالمخاطر.

عدم اليقين

ويشير رد الفعل الصيني تجاه الاكتتاب العام الأولي لشركة "ديدي" إلى رغبة الحزب الشيوعي في السيطرة على الشركات المدرجة بالخارج بشكل أقوى بكثير، وكذلك على البيانات التي تحتفظ بها شركات التكنولوجيا.

وقال شيا هايلونغ، المحامي في شركة "شينلون" Shenlun القانونية، ومقرها شنغهاي، إن بيان مجلس الدولة يضع أحكاماً خاصة للإشراف على البيانات عبر الحدود، مما يدل على أن الإشراف على المعلومات الحساسة بات أحد أهم النشاطات التنظيمية الصينية.

وأضاف: "نظراً لعدم وجود آلية للإشراف على الأوراق المالية عبر الحدود، فإن إجراء مراجعة أمنية على البيانات يُمكن أن يكون بمثابة أداة فعّالة للمنظمين الصينيين، لأجل كبح جماح الشركات المدرجة في الخارج".

قد تدفع تحركات بكين شركات التكنولوجيا الصينية المتداولة حالياً في الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في إدراجها الأولي، بينما ستكون الاكتتابات العامة الأولية المستقبلية في موضع شك.

وتستعد شركة "لالاموف" للخدمات اللوجستية والتسليم عند الطلب في هونغ كونغ لاختبار تلك التوجهات قريباً، بعد تقدّمها بشكل سري للاكتتاب العام في الولايات المتحدة الشهر الماضي، وفقاً لمصادر مطّلعة، على أن تجمع ما لا يقل عن مليار دولار.

قال بريندان أهيرن، كبير مسؤولي الاستثمار في "كرين فاند أدفايزرز: "تثير حالة عدم اليقين بشأن اللعبة النهائية للجهات التنظيمية الكثير من الأسئلة. لقد رأينا سوق الاكتتاب العام الأولي للشركات الصينية بحالة صحيّة للغاية، لكن قرار المنظمين سيُلقي بظلاله على ذلك".

وساعدت التكهُّنات حيال إدراج المزيد من الشركات الصينية محلياً على ارتفاع أسهم مُشغّل سوق الأسهم في هونغ كونغ بأكثر من 6% اليوم الأربعاء، ليرتفع مؤشر "تشي نيكست" لشركات التكنولوجيا في شينزين الصينية بنسبة 3.6%.

آسيا والمحيط الهادئ