انهيار مبنى فلوريدا.. الأثرياء فقط يستطيعون تحمّل نفقات المباني الشاطئية

برج "Champlain South" المنهار جزئياً في "Surfside"، فلوريدا ، شمال ميامي بيتش. بدأت الجهات التنظيمية في إجراء عمليات تدقيق للمباني القديمة في جنوب فلوريدا وسط تخوفات بسبب عدم صيانتها لعقود
برج "Champlain South" المنهار جزئياً في "Surfside"، فلوريدا ، شمال ميامي بيتش. بدأت الجهات التنظيمية في إجراء عمليات تدقيق للمباني القديمة في جنوب فلوريدا وسط تخوفات بسبب عدم صيانتها لعقود المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المستبعد أن ينتج عن حادث الانهيار المميت لمبنى سكني في فلوريدا إنهاء الحياة في المناطق الساحلية، ولكنه قد يجعلها أكثر تكلفة.

لم تحدد السلطات سبب انهيار أحد مباني أبراج "شامبلين ساوث" الشهر الماضي في سيرفسايد بولاية فلوريدا، في الحادث الذي أسفر عن مقتل 46 شخصاً على الأقل وخلّف أكثر من 90 في عداد المفقودين، إلا أن المؤشرات الأولية تلمّح إلى تشقق خرساني في مرأب المبنى نتيجة غرقه المتكرر، وهو الضرر الذي يبدو أنه لم يُعالَج لسنوات، وسط إشكاليات حول كيفية تمويل تلك الإصلاحات.

تشير التطورات إلى تكلفة صيانة المباني القديمة ضد الآثار الضارة الناجمة عن ارتفاع مستوى البحر، وهو عبء لا يتحمله كثير من المتقاعدين وغيرهم من أصحاب الدخل الثابت. ومع زيادة تدقيق الجهات التنظيمية على المساكن القديمة، قد يتخلص المطورون في جنوب فلوريدا ببساطة من الشقق السكنية التي بُنيَت قبل التسعينيات بأسعار معقولة، واستبدال أبراج فاخرة بها.

الهدم والإحلال

قال جاك مكابي، المستشار العقاري بفلوريدا: "يوجد احتمال وارد بشكل كبير باستبدال عقارات جديدة بالقديمة، وهو ما ينطوي على ارتفاع كبير في الأسعار. فإذا كنت في جنوب فلوريدا فهذا يعني أنك على الأرجح مليونير أو ملياردير لتتمكن من تحمّل تكاليفها".

أصبح جنوب فلوريدا مركزاً رائداً لتأثيرات تغير المناخ، إذ توجد عقارات بمليارات الدولارات غالباً ما أقيمت على تربة من الحجر الجيري المسامي في قلب البلد الذي تعصف به الأعاصير.

تعتبر فلوريدا واحدة من أهم أسواق العقارات السكنية في الولايات المتحدة، إذ يختارها الأثرياء للعيش والرفاهية، ولكن في المقابل توجد طبقة عاملة تعيش في قلب المدينة وسط الأثرياء، وهي ليست كذلك.

فعلى سبيل المثال، وبناءً على الدخل، تعد منطقة ميامي الحضرية ثاني أكثر منطقة غير متكافئة، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، في الولايات المتحدة، بعد مدينة نيويورك فقط، وفقاً لمؤشر جيني التابع لمكتب الإحصاء الأمريكي.

لم يكن البرج المنهار في سيرفسايد ساحراً، إذ يقطنه بشكل أساسي المتقاعدون وسكان الطبقة الوسطى. وعندما سقط أدت الكارثة إلى اندفاع دانييل ليفين كافا رئيس بلدية مقاطعة ميامي داد ومسؤولون آخرون للتدقيق في موقف الأبراج السكنية المشابهة والضعيفة.

يقول المحلل مكابي إن 79 مبنى على الأقل في ميامي داد ومقاطعة بروارد المجاورة التي تقع على الساحل قد بُنيَت قبل عام 2000.

تكاليف باهظة

حتى إذا لم يُستبدل بالمباني القديمة، يمكن أن تزداد تكلفة المعيشة بها، إذ يوازن البرلمانيون والمسؤولون المحليون في فلوريدا المقترحات لضمان أن تتمتع اتحادات سكان الشقق الساحلية بالرقابة والتمويل الكافيين لإجراء الإصلاحات في الوقت المناسب، مما قد يؤدي إلى ضغوط على قاطني تلك المساكن، سواء عبر رسوم اتحاد الملاك أو تقييمات صيانة باهظة. ويمكن أن تصل قيمة هذه الرسوم إلى عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات لكل وحدة بالنسبة إلى اتحادات الملاك التي تعاني من نقص التمويل بشكل خطير.

أضاف مكابي: "هناك عديد من المباني التي لم تخضع لعمليات تفتيش متسقة ومتواصلة ولم تجرِ صيانتها، مثل الطرق والجسور لدينا".

وأضاف "قد يستغرق الأمر عاماً أو أكثر حتى نفهم تماماً سبب انهيار جزء من المبنى المكون من 12 طابقاً في 24 يونيو الماضي، ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى لعب التصميم الهندسي، والأرض، وارتفاع منسوب البحار، والعواصف المتصاعدة، دوراً في انهياره".

كان تقرير هندسي في عام 2018 كشف بالفعل عن تدهور كبير بالمبنى، وقدرت تكلفة الإصلاحات بأكثر من 15 مليون دولار، وهو ما يكفي لوضع ميزانيات الأسر القاطنة في المبنى المكون من 136 وحدة في أزمة. وكان تقييم الإصلاح يعادل تقريباً التكلفة الأصلية لبناء تلك الوحدات في الثمانينيات (بلغ سعر بيع الوحدات المكونة من غرفتي نوم وحمامين في الثمانينيات أقل من 200 ألف دولار أمريكي، ولكنها بيعت مؤخراً بأكثر من 700 ألف دولار).

غريغ شليزنغر، المحامي الذي يقطن مدينة فورت لودرديل، والمتخصص في دعاوى إشكاليات البناء، قال: "قد تكون المباني أقدم بكثير من 40 عاماً، وتبقى سليمة هيكلياً ما دامت الصيانة تجري بانتظام".

وأضاف: "إذا حوفظ عليها جيداً وأجريت الصيانة المناسبة فلن تواجه مشكلة". ووصف الكارثة بقوله: "عندما يتعلق الأمر باتحاد ملاك الشقق، والأشخاص الذين لديهم دخول ثابتة، وكبار السن وشقق المسنين، فهم لا يريدون دفع الرسوم الخاصة بعمليات الصيانة، وبالتالي يحدث تسويف الصيانة"، في حين قال مكابي إنه من الصعب أن تغطي شركات التأمين المباني القديمة على شاطئ البحر، وقد تتراجع البنوك عن تمويل الرهون العقارية هناك، مضيفاً أن القلق قد يمتد إلى المباني على طول سواحل فلوريدا إلى ولايات الخليج، كارولينا وفرجينيا.

"كريست فيو"

امتد التخوف من انهيار بعض الوحدات السكنية، بما في ذلك أبراج "كريست فيو" في شمال ميامي بيتش، التي أُجليت في 2 يوليو في إطار التدقيق على المباني القديمة. يحتوي البناء الذي يعود إلى حقبة السبعينيات على 156 وحدة سكنية، بيعت الواحدة منها في الأصل بنحو 30 ألف دولار، وجرى تداولها مؤخراً بأقل من 200 ألف دولار، السعر الذي يصعب العثور عليه، فهو على بُعد دقائق فقط من الأبراج الجذابة في شاطئ "صني آيلز".

يواجه سكان "كريست فيو"، الذين سبق أن صُدموا من تقييم الصيانة قبل الإخلاء، ترتيبات معيشية غير مستقرة، إلى جانب ما يواجهون من ضائقة مالية.

اضطرت إيزمي موفات، متقاعدة تبلغ من العمر 71 عاماً، إلى ترك وثائقها الشخصية وسرير مستشفى كانت ترقد عليه في منزلها، والانتقال للعيش مع ابنتها شارون، التي تحدثت نيابة عنها لأن والدتها كانت مريضة وطريحة الفراش. وقالت إن ارتفاع تكاليف المعيشة في "كريست فيو" التي تفتقر إلى الصيانة وتمتلك والدتها وحدة فيها منذ 23 عاماً، تسبب في تعرض الأسرة لضغوط.

قالت شارون: "علينا كأسرة مساعدتها، وهذا صعب للغاية لأن كل شخص لديه التزاماته الخاصة، إضافة إلى الاعتناء بها. وبعد ذلك يُطردون بهذه الطريقة؟! هذا السلوك في التعامل لا يتناسب مع البشر".

لجأت بياتريس إيسازا، وكيلة العقارات، البالغة من العمر 42 عاماً، إلى الفرار من "كريست فيو" يوم الجمعة مع ابنتها البالغة من العمر ستة أشهر، وعرض عليها مسؤول في المدينة مكاناً في منزل للمشردين، لكنها رفضت، وانتقلت إلى شقة شقيقها المكونة من غرفة نوم واحدة. وكانت قلقة من أن الإصلاحات قد تعني رسوماً أعلى لملاك الوحدات بالإضافة إلى 500 دولار تدفعها بالفعل، والتي تشمل التقييم السابق. وقالت: "إذا خرجوا وقالوا إننا بحاجة إلى الملايين لإصلاح المبنى، وكل شقة عليها دفع 100 ألف دولار، فلن أستطيع دفعها".

قد لا يكون لدى إيسازا خيار، فقد ازدهرت سوق العقارات بجنوب فلوريدا وشهدت زخماً خلال الطفرة التي حققتها العقارات مؤخراً في ظل الجائحة، وسط انخفاض أسعار الفائدة والطلب المتزايد على نمط الحياة الاستوائية دون ضريبة على الدخل في ولاية الشمس المشرقة، إذ ارتفع متوسط سعر بيع المنازل والشقق السكنية بنسبة 64% في مايو على أساس سنوي، ليبلغ 676.7 ألف دولار، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن "ميامي ريالتورس".

أدت حالة عدم اليقين التي أحاطت بكارثة "شامبلين ساوث تاورز" إلى فتور في السوق العقارية بالمدينة، ومن غير الواضح إلى متى ستستمر تلك الحالة.

قالت إيسازا: "إذا كنت أرغب في بيع شقتي والعيش في مكان آخر، فسأبيع في لحظة سيئة، وبسعر منخفض حقاً". ومن المحتمل أن ينتهي الأمر بإنفاق المزيد، "لأن الإيجارات في ميامي مجنونة حالياً".