هل التوقيت الحالي هو الأنسب لتعيد بريطانيا فتح البلاد؟

هناك العديد من الأسباب التي تجعل بريطانيا تتخذ مجازفة إعادة فتح البلاد وستشهد الطريق بلا شك الكثير من العثرات وإعادة المحاولات
هناك العديد من الأسباب التي تجعل بريطانيا تتخذ مجازفة إعادة فتح البلاد وستشهد الطريق بلا شك الكثير من العثرات وإعادة المحاولات المصدر: بلومبرغ
Sam Fazeli
Sam Fazeli

Sam Fazeli is senior pharmaceuticals analyst for Bloomberg Intelligence and director of research for EMEA.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بصفتي شخص تلقى تدريبه كعالمٍ، أسعى دوماً إلى جمع أكبر قدر من البيانات والأدلة لقياس المخاطر والفوائد الناجمة عن مواجهة مسألة أو مشكلة شائكة. لذا، عندما أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عن تفاصيل خطته لإعادة فتح البلاد، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الـتاسع عشر من يوليو الحالي، انتابني الكثير من القلق.

كان أول ما فكرت فيه هو الكثير من الأمور التي لا تزال مجهولة حتى الآن حول مسار هذا الفيروس أو الوباء. فنحن لا نمتلك بيانات قوية بما يكفي - على الأقل بالنسبة لي – لأشعر بالارتياح حيال رفع القيود في الوقت الحالي.

صمّام أمان

إلا أن أمرين استطاعا تغيير رأيي هذا. وهما أولاً، ما أوضحه جونسون عن أن الحكومة ستعيد فرض بعض القيود المتعلقة بفيروس "كورونا" في حال حدوث موجة وبائية جديدة تثقل كاهل الخدمات الصحية، أو في حال حدوث مشكلات مع الأشخاص الملقّحين. وهذا يعدُ بمثابة صمّام أمان مهم، بسبب وجود الكثير من الأمور المجهولة حيال الوباء. أما الأمر الثاني، فهو أنني بتّ أكثر اقتناعاً بأننا سنضطر في وقت ما لاتخاذ قرارات صعبة للغاية، على الرغم من وجود المخاطر، وهذا الوقت هو الآن.

فالحكومة سبق وأجلّت "عودة الحياة لطبيعتها" لمدة أربعة أسابيع، حتى تفسح المجال أمام المزيد من الأشخاص لتلقّي اللقاح في ظلّ تفشي متحور "دلتا". وبالفعل تم تلقيح أعداد أكبر من الأشخاص في البلاد اليوم. وقد كان من الممكن للسلطات أن تنتظر لوقت إضافي حتى ترتفع نسبة الملقحين بشكل أكبر. لكن ما هو هذا الرقم السحري لأعداد المُلقحين الذي نسعى للوصول إليه، ومتى يمكننا بلوغه؟ إذا لم تتخذ الحكومة هذه الخطوة في هذا الوقت، حيث المدارس مغلقة، وبينما بإمكان الأشخاص الاختلاط بالهواء الطلق (على اعتبار أن الطقس في بريطانيا سمح لهم بذلك)، فمتى ستتخذها إذاً؟

وفيما قد يبدو انتظار الحكومة حتى سبتمبر لإعادة الفتح أمراً منطقياً، حيث يكون أكثر من 90% من الأشخاص قد تلقّوا جرعة واحدة من اللقاح على الأقل، إلا أن هذا الأمر سيكون صحيحاً فقط في حال كنّا على ثقة بأن من لم يتلقّوا اللقاح سيبادرون بذلك بحلول ذلك الوقت. ومن جهة أخرى، قد تشكّل التسهيلات في حياة الأشخاص المُلقحين بالكامل في ما يتعلق بالسفر وإجراءات الحجر الصحي وغير ذلك، أمراً محفزاً للمترددين لتلقّي اللقاح.

مجازفات ضخمة

مع ذلك، فإنه من المؤكد اليوم أن المملكة المتحدة تقوم بتنفيذ تجربة ضخمة، وقد سبق للبلاد بالفعل أن اتخذت بعض المجازفات أثناء فترة الوباء. فعلى سبيل المثال، كانت بريطانيا الدولة الأولى التي حددت فترة زمنية طويلة بين الجرعة الأولى والجرعة الثانية من اللقاح، تصل حتى 12 أسبوعاً، وقد جاء ذلك لصالحها، حيث أسهم ذلك في خفض عدد الوفيات ونسب دخول المستشفيات، أو على الأقل استمر ذلك التأثير حتى وصول متحور "دلتا". كذلك فإن البلاد استمرت في إعطاء لقاحات "أسترازينيكا" لمن هم فوق الأربعين عاماً، من دون رفع الحدّ الأدنى لأعمار الأشخاص المؤهلين للحصول على هذا اللقاح، حتى بعد ظهور بعض العوارض الجانبية النادرة المتعلقة بتخثّر الدم. وحتى الآن، نجحت هذه الخطوات من دون أي تعقيدات بارزة.

وعلى صعيد الخطوة الأخيرة التي تتخذها بريطانيا، فأنا أؤيد إعادة فتح البلاد، خصوصاً أنه بالإمكان الرجوع عن القرار في حال واجهنا مشكلة كبرى مجدداً مع "كوفيد". ولكن هذا لا يعني أنني مرتاح إلى كافة تفاصيل خطة إعادة الفتح. وهذه بعض النقاط التي على حكومة جونسون أخذها في عين الاعتبار، وبعض المتغيرات الرئيسية التي عليها التنبّه إليها كذلك، وذلك لإعطاء إعادة فتح البلاد فرصة أكبر للنجاح.

لما التخلي عن الكمّامة؟

أتفهم أن القناع الطبي باتت رمزاً للوباء، ولكن الوباء لم ينته بعد. فلا يزال الفيروس يتفشى، وإذا كان بإمكان خطوة بسيطة كارتداء الكمّامة أن تساعد في الحدّ من هذا التفشي، فلماذا تحولت الكمامة إلى شأن سياسي وعاطفي إلى هذه الدرجة؟ نحن نعرف أنها تساعد في الحدّ من انتقال الفيروس من الشخص المصاب، وعلى الأرجح هناك أشخاص اليوم ممن تلقوا جرعتين من اللقاح ينشرون الفيروس من دون أن يعوا ذلك. وفي هذا الإطار فإن ترك حرية ارتداء الكمامة للأفراد، سيكون أشبه بإزالة إشارات حدود السرعة من الطرقات، وإعطاء الحرية للأفراد بأن يضعوا حزام الأمان. وفي ظلّ انتشار نسخة "دلتا" من الفيروس، فإن ارتداء الكمامات في الأماكن المكتظة يعد طريقة سهلة للحد من التفشي.

السلالات المتحوّرة

تظهر البيانات الصادرة مؤخراً أن التطور الفيروسي يحدث بشكل أكثر تنوعاً لدى الأشخاص غير الملقحين، مقارنة بالأشخاص الملقحين بالكامل. وهذا يعني أن الحماية القائمة على اللقاح "تركز" تطورها على وجود عدد أقل للمتحورات، وأكثر تشابهاً. وبالتالي، يصبح من الأسهل توقع سلوك الفيروس المستقبلي، ما قد يحدّ من الحاجة إلى جرعات تعزيزية مصممة خصيصاً للمتحورات الجديدة.

ولكن، تزيد احتمالية أن ينتج الفيروس المزيد من المتحورات العشوائية لدى الأشخاص غير الملقحين. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نتائج غير متوقعة ونسخ متحورة أكثر إثارة للقلق. غير أن ما لم يتضح بعد أيضاً، هو سلوك الفيروس لدى الأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة فقط من اللقاح، وهؤلاء عددهم كبير جداً. ومن غير المعروف بعد ما إذا كان تحور الفيروس يحدث لديهم بالطريقة العشوائية ذاتها كغير المُلقحين، أو أنه قد تظهر لديهم متحورات تطرح إشكاليات أكبر. ببساطة، نحن لا نعرف إجابة ذلك بعد، ولا بدّ أن توضح الأحداث المستقبلية ما إذا كان متحور "دلتا" هو أسوأ ما يمكن للفيروس أن يقدمه.

"كوفيد طويل الأمد"

حتى الأشخاص المُلقحين قد يصابون بعدوى "كوفيد"، حتى لو كانت أقل خطورة. ولكن ما هي أخطار الإصابة بـ"كوفيد طويل الأمد"، (هي عدوى ذات عوارض تستمر لفترة طويلة)؟ نعرف أن اللقاح ساعد في بعض الحالات من "كوفيد طويل الأمد"، ولكنه لم يساعد في جميع الحالات. فهل يعني ذلك أن عدداً أكبر من الأشخاص سيعانون لمدة طويلة؟

لقد أظهرت بيانات نشرتها "إمبيريال كولدج لندن" مؤخراً أن أكثر من ثلث الأشخاص الذين يصابون بمرض "كوفيد-19" المصحوب بعوارض، تستمر لديهم الأعراض لـ12 أسبوعاً أو أكثر في بعض الحالات، ما يعني أن موضوع الحدّ من العدوى يجب أن يبقى هدف سياسات الصحة العامة، حتى بعد رفع القيود المشددة.

الأطفال عرضة للخطر

طلاب المدارس لا يزالون غير مؤهلين للحصول على اللقاح في المملكة المتحدة. ولكن ماذا سيحصل حين تفتح المدارس أبوابها، ويرتفع خطر زيادة الإصابات كما هو متوقع بحلول سبتمبر؟

على الرغم من أن إصابة الأطفال بـ"كوفيد" لا تستدعي غالباً دخول المستشفيات، ولا تؤدي إلى الوفاة، إلا أنها قد تتسبب لهم ببعض الأمراض. كما أن ثمة احتمالية قائمة أيضاً بأن يظهر متحور جديد قد يكون أكثر خطورة على الأطفال. وهذا عامل متغيّر آخر على بوريس جونسون أن يأخذه في عين الاعتبار ضمن خطته لإعادة الفتح، حيث قد يؤدي ذلك إلى تغيير حسابات إعادة فتح البلاد بشكل كامل.

الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة

الأشخاص ممن يعانون من ضعف في أجهزة المناعة، ومن بينهم من يخضعون لعلاجات السرطان، هم أكثر عرضة للإصابة بالحالات الخطرة من "كوفيد"، كما أنهم قد لا يحصلون على الحماية الكافية من اللقاحات. حتى أن البعض منهم غير مؤهل للحصول على اللقاح أصلاً، وهو ما يجعل رفع القيود أمراً من شأنه أن يحدّ من الأنشطة الآمنة المتاحة لهذه الفئة. فلماذا إذاً يتم تهميشهم ضمن مجتمع بات يمارس حياته الطبيعية من دون ارتداء للأقنعة الطبية أو الكمامات؟ هل سيتعين عليهم البقاء في الحجر إذاً؟

وتبعاً لذلك، فإن أي خطة لإعادة فتح البلاد لا تأخذ في اعتبارها هذه الفئة، سواء من خلال توفير جرعات لقاح مُعززة لهم، أو تطوير علاجات أفضل للإصابات الحادة بـ"كورونا"، أو ربما إنشاء مساحات آمنة لهم، فهي تكون خطة ذات فجوة كبيرة.

لا شك في أن هناك أسباباً وجيهة عدّة تدفع المملكة المتحدة لأن تأخذ مجازفة إعادة فتح البلاد في الوقت الحالي، إلا أنها تقف أمام مسار قد يتخلله العديد من نقاط التوقف والاستئناف، وتعلّم الدروس أثناء الرحلة. وبينما تقف بقية دول العالم حائرة إزاء التوقيت والوتيرة المناسبين لرفع القيود عن مواطنيها، لا بد أنها ستشعر بالامتنان لقيام المملكة المتحدة بهذه التجربة الضخمة الأولى بدلاً عنها.