بعد أزمة "ديدي"... الصين تحول حلم رأس المال المغامر إلى كابوس

رأس المال المغامر عالمياً قد يعيد حساباته من جديد بشأن الاستثمار في شركات اليونيكورن بالدول الأجنبية
رأس المال المغامر عالمياً قد يعيد حساباته من جديد بشأن الاستثمار في شركات اليونيكورن بالدول الأجنبية المصور: مجموعة هنري جوتمان/ أرشيف هولتون
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عادةً ما يستثمر المرء في شركة اليونيكورن بصرف النظر عن مكان تواجدها في العالم.

من وادي السيليكون إلى بنغالور، كانت أكبر صناديق رأس المال المغامر في العالم تُصدر شيكات بملايين الدولارات لدعم هذه الشركات الناشئة الواعدة، التي تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر. لكن المسافات أحياناً ما تجعل الأمور غير واضحة.

وحالياً، حملة القمع التي شنتها الصين ضد عملاق خدمات تأجير السيارات "ديدي غلوبال" تثير سؤالاً مزعجاً بالنسبة إلى شركات رأس المال المغامر. هذا السؤال هو "هل نموذج الأعمال العالمي لهذه الشركات يجدي نفعاً؟".

صناديق شرهة

كانت الصناديق شديدة العدوانية هذا العام. حيث يضيف صندوق رؤية الثاني التابع لمجموعة "سوفت بنك" في المتوسط هدفاً جديداً لشركة ناشئة واحدة يومياً.

لكن شركة "تايغر غلوبال مانجمنت" ومقرها نيويورك أكثر عزماً على المشاركة في جولات تمويلية تزيد على 20 مليار دولار، متجاوزة حاجز الـ 17.8 مليار دولار الذي يحدده "سوفت بنك" لنفسه، بحسب مزود البيانات "سي بي إنسايتس".

تعد عملية إيجاد شركات يونيكورن جديدة عمل شاق، لذلك يبحث المستثمرون المغامرون حتماً عن النفوذ وأوجه التوافق في النشاط. كما أن أحد الاستراتيجيات التي نشرتها "سوفت بنك" و "تايغر غلوبال" هي توسيع النطاق الجغرافي.

إذا انطلق مفهوم جديد للخدمات الشبكية في منطقة ما، فمن المحتمل أن يحقق نجاحاً في منطقة أخرى أيضاً، وربما يحين الوقت لوضع المال في شركة ناشئة مماثلة في بلد آخر.

استثمار عالمي

نتيجة لذلك، فإن الصناديق الكبيرة لديها حصص في كثير من شركات اليونيكورن الأجنبية. فعلى سبيل المثال، شركة "تايغر غلوبال"، التي تتصدر التصنيفات العالمية من حيث عدد شركات اليونيكورن التي تمتلك حصصاً فيها، تضع ثلث محفظتها في الشركات الناشئة الأجنبية.

هناك أيضاً شركة "كوتيو مانجمنت" (Coatue Management) ومقرها نيويورك حيث يكمن 22% من محفظة اليونيكورن الخاصة بها في الصين و20% في دول أجنبية أخرى، وفقاً لبيانات قدمتها"سي بي إنسايتس".

في ذروتها، أخذت "سوفت بنك" هذا المفهوم العالمي إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث استخدمت صندوق "رؤية" الأول البالغ قيمته 100 مليار دولار للاستثمار في المنافسين المندرجين ضمن نفس القطاع، وإقحامهم في شراكات مدبرة.

أحد الأمثلة على ذلك هو طلب حجز سيارات أجرة. ففي أواخر عام 2014، ضخ "سوفت بنك"، المستثمر الرئيسي في "أوبر تكنولوجيز"، استثمارات بقيمة 250 مليون دولار في "غراب تاكسي هولدينغز" المنافس اللدود لـ"أوبر" في جنوب شرق آسيا.

وبعد شهر، قاد جولة تمويلية بقيمة 600 مليون دولار استفادت منها شركة "هانغتشو كوايدي تكنولوجي".

"ديدي غلوبال"

تعد "ديدي غلوبال" نتاج اندماج "ديدي تاكسي"، بدعم من "تينسنت هولدينغز"، مع"هانغتشو كوايدي" في عام 2015، فضلاً عن الاستحواذ على "أوبر تشاينا" في عام 2016.

بناءاً على ذلك، أصبحت "أوبر"، ومقرها سان فرانسيسكو، تمتلك حصة نسبتها 11.9% في "ديدي" المدرجة حديثاً.

إذا كانت هذه الفلسفة الاستثمارية تبدو بسيطة للغاية بحيث لا يمكنها أن تكون مربحة، فهي كذلك. فالصين تحول حلم العالم إلى كابوس.

الرواية المحزنة هي أن صناديق رأس المال المغامر الكبيرة ظلت أعوام عديدة تستثمر مليارات الدولارات في "ديدي"، لكن صبرها بدأ ينفد.

ووسط الشعور بالضغط، اضطرت شركة اليونيكورن القديمة المضي قدماً في طرح عام أولي في نيويورك، الذي جمعت فيه 4.4 مليار دولار، لتوفير مخرج مربح لمستثمريها.

هذا الأمر حدث حتى عندما كانت بكين تقترح أن تؤجل "ديدي" الاكتتاب العام، لإجراء فحص شامل لأمن شبكة بياناتها.

ضربة صينية

لكن الصين شعرت بالغضب من تجاهل "ديدي" لها، وبالتالي استعرضت عضلاتها وأعلنت عن تحقيق بشأن الأمن السيبراني للشركة، ما تسبب في تراجع أسهمها.

يشعر الأجانب بالألم أيضاً. فعلى مر السنين، استثمرت "سوفت بنك" نحو 11 مليار دولار في "ديدي"، لكن حصتها لم تبلغ سوى حوالي 12 مليار دولار فقط اعتباراً من إغلاق يوم الثلاثاء. وهو الأمر الذي يجعل "ديدي" تجارة غير مربحة إذا تم حساب القيمة الزمنية لهذه الاستثمارات.

جدير بالذكر أن كل من "تايغر غلوبال" و "كوتيو مانجمنت" كانا من أوائل المستثمرين في "ديدي" أيضاً.

في غضون ذلك، لا تهتم الصين ببساطة بما إذا كان المستثمرون في شركة "ديدي" بحاجة للمغادرة، أو ما إذا كانوا يفعلون ذلك بعوائد جيدة.

لم تنته بكين بعد من التدابير التي تتخذها. ففي ظل الحذر من السيادة على البيانات وتداعيات الأمن القومي، أعلنت الحكومة الصينية يوم الثلاثاء الماضي، أنها ستشدد القواعد على الشركات المدرجة في الخارج، أو التي تسعى لبيع الأسهم بالخارج.

هذه ضربة مباشرة لصناديق رأس المال المغامر، فقد كان خيار الخروج الأكثر شيوعاً أمامها هو الاكتتاب العام في نيويورك، التي تضم أكثر أسواق الأسهم سيولة في العالم.

حساسية البيانات

لقد بدأت شركات اليونيكورن الأخرى المدعومة- من "بايت دانس"، مالكة تطبيق "تيك توك"، حتى "لالاموف" (Lalamove) للخدمات اللوجستية والتوصيل- في الانخراط في نشاطٍ بدأت بكين تشعر بالحساسية تجاهه، وهو بيانات المستهلك والبنية التحتية.

وعلى هذا الأساس، ربما تضطر "بايت دانس"، الممولة من "سوفت بنك" و"تايغر غلوبال"، إلى تأخير طرحها الأولي، أو حتى خفض قيمتها.

خلال الشهر الماضي، تقدمت "لالاموف"، الممولة من قبل "تايغر غلوبال"، سراً بطلب للاكتتاب العام في الولايات المتحدة، لجمع مليار دولار، وسيكون من المثير للاهتمام متابعة هذا العرض.

الصين ليست استثناء بأي حال من الأحوال، حيث تهتم حكومات العالم بشكل متزايد بأمن البيانات وحقوق المستهلك. ووفقاً لهذا الأمر، فإن الشركة الكورية الجنوبية للتجارة الإلكترونية "كوبانغ" (Coupang)، التي يعد"سوفت بنك" أكبر مساهم فيها، تخضع للتحقيق بشأن التلاعب المزعوم بخوارزميات البحث.

في ظل الكارثة التي تواجهها شركة "ديدي"، قد يبدأ مستثمرو الأسهم الأمريكيون في وضع علاوة مخاطر على شركات اليونيكورن الأجنبية. وإذا سار الأمر هكذا، فسيكون من الصعب على الصناديق الكبيرة تحقيق نقطة التعادل.

كما أن تفويض صندوق رأس المال المغامر بسيط إلى حد ما، حيث يجد شركة يونيكورن ويبحث عن مخرج مثمر بعد بضع أعوام، أو عندما يكون سوق الاكتتاب العام مزدهراً.

ومع ذلك، يمكن أن تصبح الأمور مخيفة عندما يتعلق الأمر بالجغرافيا السياسية، فقد يبدو تصدير مفهوم من منطقة إلى أخرى وكأنه معادلة مربحة، لكن السياسات المحلية والمخاوف ضيقة الأفق تظهر حالياً كعوامل خطر. والصين دليل على ذلك.