بريطانيا كانت من كبار المبتكرين الأوروبيين في مجال أشباه الموصلات المصدر: بلومبرغ

صفقة بيع شركة لإنتاج أشباه الموصلات إلى الصين تثير أزمة في بريطانيا

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قادت بريطانيا في وقت سابق الابتكارات الأوروبية في مجال أشباه الموصلات، بعد تأسيس شركات من أمثال "آرم" التي تتواجد تقنيتها في 90% من كافة الأجهزة المحمولة، ومجموعة "إيماجينيشن تكنولوجيز" التي توفِّر لـ"أبل" تصميمات الرقائق المستخدمة.

غير أن الشركتين تمتّعتا بتلك الريادة قبل بيعهما إلى المستثمرين الأجانب، حيث تم الاستحواذ على "آرم" من قبل "سوفت بنك" اليابانية بموافقة الحكومة، قبل تسليمها إلى "نفيديا"، بينما تم بيع "إيماجينيشين" إلى صندوق صيني، بموافقة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، رغم خضوع أحد مؤسسي الصناديق للتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي على خلفية اتهامات التحايل بعمليات تداول.

ومنذ شهر مايو 2010، بلغ إجمالي قيمة بيع شركات أشباه الموصلات إلى مشترين أجانب نحو 42 مليار دولار، بعد تولّي حكومة المحافظين الحالية السلطة، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ"، إلا أن هذا الرقم لا يشمل آخر عملية لبيع "آرم" إلى شركة "نفيديا".

وفي ظل النقص الحالي في أشباه الموصلات، تم اقتناص أحد آخر هذه الأصول ممثلا في شركة "نيوبورت ويفر لاب"، من قِبل شركة تصنيع صينية مقابل حوالي 63 مليون جنيه إسترليني (87 مليون دولار)، وفقاً لمصدر مطّلع على الصفقة، إلا أنه بعد الموافقة على الصفقة في بداية الأمر، عادت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون للتعهّد بمراجعتها، في حين يقول المنتقدون إن الوقت قد تأخر قليلاً على ذلك.

في الوقت ذاته، غرّد مستشار جونسون السابق دومينيك كامينغز، يوم الخميس الماضي بأن الحكومة البريطانية الحالية لديها "سجل مُشين في هذا المجال خلال 2010-2019"، بينما غرّد رئيس لجنة الشؤون الخارجية البريطانية توم توغندهات بموافقته على مراجعة جونسون.

"في عام 2020، قضيت وقتاً أطول في دراسة قانون الأمن القومي والاستثمار أكثر مما قضيت في السياسة. يجب أن يقضي أعضاء البرلمان 10 أضعاف أو 50 ضعفاً من الوقت على هذا الأمر بدلاً من الثرثرة في هراء النقل والتماثيل وما إلى ذلك. من المفترض ألا يُسمح للصين / روسيا بشراء شركات التكنولوجيا. لدى المحافظين سجل "مُشين" بهذا الشأن في موسم 2010-2019". - دومينيك كامينغز (@ Dominic2306) 8 يوليو 2021

وضع مقلق

أصبحت شركة "نيوبورت ويفر لاب"حالة تستحق الدراسة، باعتبارها أول عملية استحواذ صينية رفيعة المستوى في بريطانيا، منذ أن عزّزت الحكومة من قوانين الاستحواذ، بحيث تمنح لنفسها 30 يوماً لمراجعة الصفقات والتدقيق فيها.

قال النائب المحافظ وعضو لجنة الشؤون الخارجية بوب سيلي، في مقابلة: "وضع شركة "نيوبورت ويفر لاب" مقلق للغاية، فنحن بحاجة إلى التماسك في التعامل مع الدولة الصينية. أشعر بالقلق لأننا ما زلنا غائبين، وأخشى أننا ما زلنا نفشل في فهم اعتمادنا على الصين، والحاجة إلى الابتعاد عن هذا الاعتماد التجاري".

من النادر أن توقف بريطانيا البيع لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وعندما يحدث ذلك، غالباً ما تكون صفقات صغيرة في صناعة الطيران. وفي عام 2020، تخلّى مستثمر صيني عن عرض لشراء شركة تصنيع الدفاع، "ميتيس إيروسبيس"، بعد إعلان الحكومة عن مراجعة الصفقة، وفي العام نفسه، أوقفت الحكومة أيضاً صفقة شراء لشركة "إمبكروس" من قبل مستثمر مدعوم من الصين.

وبدلاً من ذلك، فضّلت بريطانيا إملاء شروط تتعلّق بزيادة الوظائف المحلية وتوقعات الاستثمار المستقبلية، فبعد استحواذ "سوفت بنك" على "آرم" في عام 2016، جعلت بريطانيا الشركة اليابانية العملاقة تحتفظ بمقر شركة "آرم" في كامبريدج ووعدت بمضاعفة قوتها العاملة.

كما فرض المشرّعون شروطاً قليلة على بيع "إيماجينيشن تكنولوجيز"، والتي نُظمت صفقتها من خلال شركة "كانيون بريدج"، لكي تتجنّب تدقيق المنظمين الأمريكيين. ووافقت حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي آنذاك على بيع الشركة، نظرا لأن "كانيون بريدج" خاضعة لقوانين الولايات المتحدة التنظيمية، وستواصل الاستثمار في بريطانيا.

وبعد إتمام الصفقة، أدانت الولايات المتحدة بينيامين تشاول، المؤسس المشارك لشركة "كانيون تشاو"، باتهامات تتعلّق بالتداول، كما نقلت الشركة مكتبها من سان فرانسيسكو إلى جزر كايمان. وفي العام الماضي، استدعى المشرّعون البريطانيون المديرين التنفيذيين بشركة "إيماجينيشن تكنولوجيز"، بسبب مخاوف تتعلق بما يُخطط مالكو شركة التكنولوجيا الصينيون لفعله بتقنيتها.

"قرار جيد من بوريس جونسون بشأن مراجعة بيع أكبر شركة بريطانية لتصنيع أشباه الموصلات، في الوقت الذي نعاني فيه من نقص وتخزين الرقائق". -توم توغيندهات ( @TomTugendhat)، 7 يوليو 2021

كارثة استثمارية

تغيّر المزاج السائد بين حلفاء بريطانيا، حيث أوقفت الولايات المتحدة الصفقات المتعلّقة بأشباه الموصلات بشكل متزايد، بينما أصبحت الدول الأوروبية أيضاً أكثر اهتماما بشأن حماية تكنولوجيا الرقائق المحلية. وفي شهر أبريل، تدّخل رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي لوقف بيع الشركة المنتجة لمكوّنات تطبيقات إلكترونيات الطاقة، "إل بي إي إس إيه" في ميلانو، إلى شركة "شينزين إنفينلاند".

وعلى عكس شركتي "آرم" و"إيماجينيشان تكنولوجيز" ذات المليارات من الدولارات التي تلعب أدواراً رئيسة في سلاسل توريد أشباه الموصلات، من غير الواضح ما إذا كانت شركة "نيوبورت ويفر" ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى بريطانيا أم لا.

تُصنّع الشركة وتُجّهز صفائح السيليكون فائقة الصغر التي تستخدم كأساس في الرقائق الدقيقة، وتستخدم بشكل رئيس لإدارة الطاقة في منتجات مثل السيارات. ووفقاً لأحدث تقاريرها المالية، سجّلت الشركة خسائر إجمالية بنحو 6.05 مليون جنيه من إيرادات 49 مليون جنيه في السنة المالية المنتهية بشهر سبتمبر من عام 2019.

بموجب الصفقة، سيحتفظ المالك، درو نيلسون، الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته أيضاً في شركة تصنيع رقائق أشباه الموصلات، "آي كيو إي"، ببعض حقوق الملكية الفكرية لأشباه الموصلات المُركّبة الأحدث، والمستخدمة لتشغيل جزء من عملية معروفة باسم، "نيوبورت ويفر فاب 10".

وفي مقابلة معه، قال زعيم حزب المحافظين السابق إيان دنكان سميث: "يجب على الحكومة استدعاء تلك الصفقة وإيقافها. مرة أخرى، يُبيّن هذا الأمر أن الحكومة تسير في اتجاهين بشأن الصين، برغم كل التشريعات والأحاديث القاسية السابقة. من ناحية، تقول الحكومة إنها قلقة بشأن الصين، لكنها تريد صفقة تجارية معها من الناحية الأخرى. تتسم سياسة الحكومة تجاه الصين بالفوضى المطلقة بلا أمل وبلا هدف. عملية البيع هذه تعد كارثة استثمارية ".