رسالة إلى المستثمرين.. لا تعتمدوا على الأسهم والسندات للتحوط من بعضها

بورصة نيويورك للأوراق المالية من الخارج يوم 8 يوليو 2021. في ذلك اليوم من الأسبوع الماضي، أغلق مؤشر داو جونز الصناعي منخفضاً بما يزيد على 200 نقطة بعد أن انخفض في بداية التعاملات بأكثر من 500 نقطة، على خلفية تجدد المخاوف بشأن عودة تفشي وباء كوفيد حول العالم
بورصة نيويورك للأوراق المالية من الخارج يوم 8 يوليو 2021. في ذلك اليوم من الأسبوع الماضي، أغلق مؤشر داو جونز الصناعي منخفضاً بما يزيد على 200 نقطة بعد أن انخفض في بداية التعاملات بأكثر من 500 نقطة، على خلفية تجدد المخاوف بشأن عودة تفشي وباء كوفيد حول العالم المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يوجد شيء أكثر روعة بالنسبة إلى المستثمر المحترف من الارتباط السلبي بين الأسهم والسندات. فعندما تمر الأسهم بشهر سيئ، يكون شهر السندات جيداً، والعكس صحيح. ونظراً لأنَّ خطوط سير كل منهما المتعرجة تخلق توازناً بين هذه وتلك؛ فإنَّ قيمة المحفظة الاستثمارية التي تجمع بين السندات والأسهم تكون أقل تقلُّباً، مما يضمن بقاء العملاء سعداء. وكان هذا هو الحال إلى حدٍّ كبير خلال معظم العقدين الماضيين.

لكن منذ ما يقرب من عام إلى الآن، اكتشف مراسلو السوق في "بلومبرغ" قلق المحترفين من أنَّ عصر الارتباط السلبي قد يكون انتهى بالفعل أو في طريقه إلى الانتهاء، إذ يحلُّ محله العصر الجديد من الارتباط الإيجابي، الذي تتحرَّك فيه أسعار الأسهم والسندات جنباً إلى جنب، مما يؤدي إلى تضخيم التقلُّبات بدلاً من تثبيطها. وجاء العنوان الرئيسي لمقال نشر في شهر مايو الماضي، أنَّ "السندات لم تكن عديمة الفائدة أبداً كمصدر للتحوُّط من الأسهم منذ عام 1999، كما هي الآن".

مع ذلك، ماتزال الآمال قائمة. وجاء في العنوان الرئيسي لمقال نُشر في السابع من يوليو الجاري: "السندات تشير إلى استعادتها لمركزها كمصدر تحوُّط ضد الأسهم، وسط تراجع رهانات النمو".

استثمارات متنافسة

لكن في الصورة الكبيرة وعلى مدى فترات طويلة، يبدو أنَّ الارتباط الإيجابي بين عائدات الأسهم والسندات أمر واضح وضروري. فبعد كل شيء، يمثِّل كلٌّ منهما استثماراً متنافساً، ويؤدي إلى تحقيق دخل، إما عن طريق توزيعات الأرباح في (معظم) الأسهم، أو مدفوعات القسيمة بالنسبة إلى السندات. وإذا أصبحت الأسهم باهظة الثمن للغاية، سيقوم المستثمرون بتحويل الأموال إلى السندات كبديل أرخص، إلى أن تؤدي عملية إعادة التوازن إلى جعل السندات بشكل أو بآخر متساوية مع الأسهم في ارتفاع تكلفتها. وبالمثل، عندما تصبح إحدى فئتي الأصول رخيصة؛ فإنَّها تميل إلى التأثير بالسلب على الأخرى.

عندما يتحدَّث المحترفون عن الارتباط السلبي، فإنَّهم يشيرون إلى فترات أقصر -مدة شهر أو شهرين على سبيل المثال- التي يمكن للأسهم والسندات خلالها أن تتحرَّك بالفعل في اتجاهات مختلفة. وفي الآونة الأخيرة، قدَّم اثنان من مديري الأموال العمالقة تفسيرات لسبب تحرُّك الأسهم والسندات بشكل متنافر أو جنباً إلى جنب، وهذه التفسيرات تستحق منك أن تفهمها، حتى لو كانت قيمة أصولك التي تخضع للإدارة بالآلاف، وليس بالمليارات أو التريليونات.

دور الظروف الاقتصادية والسياسة

يقول "بريدجووتر أسوشيتس"، أكبر صندوق تحوُّط في العالم، الذي يقع مقرّه في مدينة ويستبورت بولاية كونيتيكت الأمريكية، إنَّ كيفية تفاعل الأسهم والسندات بعضها مع بعض، لها علاقة أكبر بالظروف الاقتصادية والسياسة. ويوضِّح جيف غاردنر، كبير استراتيجيي المحافظ الاستثمارية، في نسخة معدَّلة من مقابلة داخلية حديثة: "بطبيعة الحال، ستكون هناك أوقات يظهر فيها ترابط سلبي بين كلٍّ منهما، وأوقات أخرى يكون فيها الارتباط إيجابياً، ويحدث ذلك بسبب البيئة الأساسية نفسها".

وفقاً لغاردنر، كان التضخم هو العامل الأكثر أهمية في الأسواق لعقود، سواء كان ذلك عندما ارتفع معدله في الستينيات والسبعينيات، أو عندما انخفض في الثمانينيات والتسعينيات. ويؤثر التضخم على الأسهم والسندات بالدرجة ذاتها، على الرغم من أنَّه أسوأ بالنسبة إلى السندات التي تتسم بالمدفوعات الثابتة مقارنة بتأثيره على الأسهم. ولهذا السبب، كان الارتباط إيجابياً خلال تلك الفترة الطويلة.

تضخم غير مؤثر

لكن على مدار عشرين عاماً الماضية أو نحو ذلك، كان التضخم منخفضاً وثابتاً، لدرجة أنَّه كان عاملاً غير مؤثر في الأسواق. لذلك أولى المستثمرون اهتماماً أكبر بآفاق النمو الاقتصادي. ويعتبر النمو القوي أمراً رائعاً بالنسبة إلى الأسهم، لكنَّه لا يؤثر على السندات في شيء. وهذا هو السبب الرئيسي وراء تحرُّك الأسهم والسندات في اتجاهات مختلفة، بحسب تفسير غاردنر.

تدير شركة "بي جي آي إم" -وهي شركة إدارة الأصول الرئيسية التابعة لشركة "برودينشيال فاينانشيال" للتأمين- نحو1.5 تريليون دولار. وفي تقرير صدر في شهر مايو الماضي، أعلنت الشركة عن أرقام توضِّح خيبة الأمل التي يشعر بها المستثمرون المحترفون عندما تبدأ الأسهم والسندات في التحرُّك بشكل متزامن. فلنفترض مثلاً أنَّ هناك محفظة استثمارية تتكون من 60% من الأسهم و40% من السندات، ويوجد ارتباط بين الأسهم والسندات بقيمة -0.3، وهو المتوسط السائد ​​تقريباً خلال عشرين عاماً الماضية، وكانت نسبة التقلُّب حوالي 7%. الآن، افترض معي أنَّ قيمة الارتباط اتجهت نحو الصفر، دون أن يتحوَّل الارتباط إلى الجانب الإيجابي بعد، لكنَّه لم يعد بالسالب أيضاً. وقتها، ولمنع التقلُّبات من الارتفاع، سيتعيَّن على مدير المحفظة الاستثمارية تقليل تخصيص الأسهم إلى حوالي 52%، مما ينتج عنه تقليل عوائد المحفظة. وإذا وصل الارتباط بين الأسهم والسندات إلى موجب 0.3، فإنَّ منع التقلُّب من الارتفاع سيتطلَّب تقليل تخصيص الأسهم إلى 40% فقط، الأمر الذي يزيد من صعوبة تحقيق العوائد.

عوامل ارتباط متغيرة

هناك قائمة بالعوامل التي تؤثر على الارتباطات في شركة "بي جي آي إم"، وهي أطول من قائمة شركة "بريدجووتر"، لكنَّها متوافقة معها. ويقول التقرير الذي أعدَّه جونينغ شين، نائب رئيس شركة "بي جي آي إم"، ونواه ويسبرغر، المدير الإداري للشركة، إنَّ الارتباطات بين الأسهم والسندات تميل إلى أن تكون سلبية عندما تكون هناك سياسة مالية مستدامة، وسياسة نقدية مستقلة، وقائمة على القواعد، وتحوُّلات إلى أعلى أو أسفل في جانب الطلب من الاقتصاد (الاستهلاك). ومن المرجح أن يكون الارتباط إيجابياً، كما يقول شين وويسبرغر، عندما تكون هناك سياسة مالية غير مستدامة، وسياسة نقدية تقديرية، وتنسيق في السياسة النقدية والمالية، وتحوُّلات من جانب العرض في الاقتصاد (الناتج).

ملاحظة ختامية هنا، وهي أنَّ توزيع أموالك بين الأسهم والسندات يظلُّ أمراً جيداً، حتى لو لم يكن ذلك بسبب تحوُّط كل منهما ضد الآخر. ويفيد نموذج تسعير الأصول الرأسمالية الذي طوَّره ويليام شارب في الستينيات من القرن الماضي، بأنَّه يجب على كل شخص أن يمتلك المحفظة الاستثمارية نفسها، التي تتكوَّن من كل أصل متاح، وأن يعدل مخاطره حسب المبلغ الذي يقترضه. هذا الرأي صحيح برغم أنَّه لا يتفق عليه الجميع. ويجدر بالذكر، أنَّ جون ريكينثالر، نائب الرئيس لشؤون الأبحاث في شركة "مورنينغ ستار" (Morningstar)، كتب مقالاً ممتعاً في عام 2017 حول الاستراتيجيات المختلفة لـ"شارب"، وزميله الحائز على جائزة نوبل هاري ماركويتز.