هل فوَّت الفيدرالي الأمريكي فرصة التقليص السلس للمحفزات؟

جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المصدر: غيتي إيمجز
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تؤمن السوق القديمة الحكيمة بمقولة إن سوق السندات نادر ما تكذب، وإنها تقود سوق الأسهم في أغلب الأحيان.

لكن ما يحدث في هذه اللحظة بالذات هو العكس، في ظل وجود الكثير جداً من النقدية التي تدفع أسعار السندات والمنازل والأسهم لأعلى، وتطارد أموالاً لا نهائية الأصول، وتضع الفيدرالي في مأزق، إذ عليه محاولة تجنب الخطأ السياسي المتعلق بسحب المحفزات في الوقت الذي قد يكون فيه الاقتصاد المتنامي على وشك الاصطدام بجيب هوائي.

وبدت ندوة البنك المركزي في أواخر أغسطس في "جاكسون هول"، وكأنها المكان المثالي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، للإشارة إلى جهود أخرى لمحاولة تقليص التيسير الكمي.

وفي الواقع، ربما يكون الفيدرالي قد فوت فرصة تخفيف نوبة شراء السندات الشهرية بقيمة 120 مليار دولار عبر برنامج التيسير الكمي.

التدافع على شراء السندات

وهناك حاجة فعلية للتوقف عن امتصاص جميع الديون المتاحة من أسواق سندات الخزانة الأمريكية والرهن العقاري.

وأصبحت ميزانية الفيدرالي حاليا تتجاوز 8 تريليونات دولار، وعلى أساسٍ صافي، يشتري الفيدرالي كل المعروض العام الجاري، ما يترك البنوك وصناديق المعاشات والمستثمرين الأجانب يتدافعون حتى لا يفوِّتون ما أصبح إلى حدٍ كبير ارتفاعاً حاداً ومفاجئاً في الأسعار.

لكن لماذا يواصل الفيدرالي شراء سندات مدعومة برهن عقاري بقيمة 40 مليار دولار شهرياً، بينما يُعد وصول مكاسب أسعار المنازل لأعلى مستوى في أكثر من 30 عاماً أمراً محيراً.

ومنذ بداية الربع الثاني، تراجعت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 40 نقطة أساس بعد تلاشي تداولات الخوف من التضخم، والتي تسببت في رفع العائدات في الربع الأول.

تضخم منخفض

ويأتي الارتفاع المفاجئ في أسعار السندات في وقتٍ من المبكر للغاية أن نقول فيه إذا كان الصعود في التضخم مؤقتاً أم لا، ويخلق انطباعاً بأن النوبة الناتجة عن كل تلك المحفزات المالية قد تتلاشى قريباً.

ويوم الخميس الماضي، أصدر استراتيجي الاقتصاد الكلي في بنك "دويتشه"، جيم ريد، استطلاعا أجراه على مستثمرين لمحاولة تصور ما يقف وراء أكبر تراجع مستمر في عائدات السندات في عامين تقريباً.

وكانت العوامل التي أعطاها المستجيبون أكبر ثقلا، وهي فنيات العرض والطلب، تليها المخاوف من ركودٍ مطول. بمعنى آخر، توقعوا تضخماً منخفضاً ولكن أيضاً نمواً أضعف.

نمو متسارع

والحل ليس ببساطة سحب المحفزات فوراً، وربما نكون غير قادرين على تحمل حقيقة ضرورة وقف برنامج التيسير الكمي للأبد، خاصة إذا تداعى الاقتصاد أو سوق الأسهم.

وينبغي أن يأخذ الفيدرالي في حسبانه جيداً خطورة نوبة الغضب التي انتابت الأسواق في 2013، ولكن ليس بدافع الخوف من الارتفاع الحاد في عائدات السندات، وكذلك الأجزاء الأخرى المتحركة من الاقتصاد.

ووصل واحد من أفضل المؤشرات على الزخم الاقتصادي، وهو مسح مديري المشتريات الصادر عن معهد إدارة التوريد (ISM)، إلى ذروته عند 64.7 في مارس، وكان قد سجل في يونيو 60.6.

ويعد اتجاه قطاع السفر حيوياً لأسواق الأسهم التي تتطلع للمستقبل، وليس فقط مستوى النمو الإجمالي.

الأسهم تفقد بريقها

ولسوء الحظ، بدأت تداولات التعافي من الوباء العالمي تفقد بريقها، ولا يساعدها القلق من تفشي متحور دلتا عالمياً.

وسلطت رئيس الفيدرالي، في سان فرانسيسكو، ماري دالي، الضوء على ذلك في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" يوم الخميس، وحثَّت على الحذر عند كبح المحفزات.

وتدرك سوق الأسهم أن الأحوال قد تتبدل رغم أن جميع مؤشرات الاقتصاد الأمريكي الرئيسية تقترب من أعلى مستوى لها على الإطلاق.

وسجلت الأسهم الأوروبية، يوم الخميس، أسوأ أداء لها العام الجاري، وتتداول الأسهم اليابانية بالكاد في المنطقة الخضراء، واكتست الأسهم الصينية باللون الأحمر.

ولن يكون الوقت مناسباً للفيدرالي لأن يقلص المحفزات، إذا سقطت سوق الأسهم الأمريكية عن مكانتها العالية المحفوفة بالمخاطر.

العودة للمحفزات في الصين

يقيس نبض الائتمان تأثيرات زيادة الإقراض الجديد أو تسارع الائتمان على نمو الناتج المحلي الإجمالي.

ويتعين على الفيدرالي النظر إلى الصين، ففي الوقت الذي يفتر فيه النمو، عكست العملاقة الآسيوية موقفها تجاه نسختها الخاصة من الخفض التدريجي للمحفزات، وهبط النبض الائتماني الصيني (الائتمان الجديد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) العام الجاري، وهو ما دفع البنك المركزي، يوم الجمعة، إلى خفض اشتراطات نسبة الاحتياطي الإلزامي التي يتعين على البنوك التجارية حملها بنسبة 0.5%، وبالتالي ضخ المزيد من الأموال مجدداً إلى القطاع المصرفي، وتدرك الصين أنها بالغت في حملتها على نمو الائتمان.

ورغم أن تداعيات تلك التحركات ليست معلومة بدقة، فإنها إذا أدت إلى يوان أضعف (وهو ما سيكون محفزاً أساسياً للاقتصاد الصيني القائم على الصادرات) فقد يكون للتأثير الناتج، وهو الدولار الأقوى، تداعيات على أغلب بقية العالم، خاصة الدول النامية التي تستفيد من العملة الخضراء الأضعف.

وتزامنت قوة الدولار منذ أواخر مايو مع التراجع في عائدات سندات الخزانة، وهو ما لم يؤثر بعد على تقييمات الأسهم، لكن ربما لن يصمد الحظ طويلاً.