لإصلاح الكوكب.. علينا العودة إلى ثقافة إصلاح المنتجات

مجموعة من المخلفات الإلكترونية من الهواتف المحمولة المستعملة في أحد متاجر نيودلهي بالهند
مجموعة من المخلفات الإلكترونية من الهواتف المحمولة المستعملة في أحد متاجر نيودلهي بالهند المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بواسطة: أكشات راثي- بلومبرغ

نشأت طفلًا في الهند في فترة التسعينيات، أمضي ساعات وأنا ألهو في متجر والدي لبيع الهواتف ومعدات الاتصالات المكتبية. وكنت أقضي معظم وقتي هناك مستكشفاً النماذج الجديدة من الهواتف المحمولة، سواء من "موتورولا" أو "سيمنز" أو "إريكسون". هل تذكرون "نوكيا 3310"؟ وأتذكر المهندسين وهم يعملون بلا كلل لإصلاح هذه الهواتف، في غرفة صغيرة في الطابق العلوي من المتجر، مستخدمين مفكات صغيرة وأجهزة لحام تصدر عنها روائح نفاثة.

ثقافة التصليح

مع دخولنا العقد الذي بدأ بعام 2000، بدأت أعمال تصليح الأجهزة بالتقلص، وتراجع عدد الموظفين في المتجر من أربعة يعملون بدوام كامل، إلى عامل واحد بدوام جزئي، وصولاً إلى مرحلة لم يعد فيها تقديم الخدمات داخل المتجر أمراً مربحاً، إذ بدأ الناس في هذه الأعوام يتوجهون إلى شراء أدوات جديدة، بدلاً من إصلاح أجهزتهم الإلكترونية التالفة. وفي الوقت ذاته كانت شركات التكنولوجيا تضخ منتجات جديدة بميزات لم يسبق لها مثيل على مدار الوقت.

خلّف هذا الاستهلاك كومة من النفايات المتراكمة في مكبات القمامة، إذ زادت النفايات الإلكترونية بنسبة 21% في فترة السنوات الخمس المنتهية عام 2019، وذلك وفقاً للشراكة العالمية لإحصاءات النفايات الإلكترونية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي جمع هذه النفايات وإعادة تدويرها إلى تجنب ما يصل إلى 80 مليون طن متري من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يعادل ما تصدره دولة تشيلي تقريباً من الانبعاثات في السنة الواحدة. وتتوقع الأمم المتحدة أن تتضاعف المخلفات الإلكترونية من الوقت الحالي وصولاً إلى عام 2050.

فوائد مالية وبيئية

مع ذلك، فإن الوعي المتزايد بالمشكلة أدى إلى فرض تشريعات "حقوق الإصلاح" على الشركات في البلدان الغنية، وذلك مع دخول نسخة المملكة المتحدة من القانون حيز التنفيذ في يوليو الحالي. ولكن، حتى اليوم، لا توجد قوانين قوية بما يكفي لإعادة ثقافة تصليح الأجهزة الإلكترونية التي كانت سائدة خلال نشأتي، لكن هذه القوانين بدأت على الأقل بالتطرق إلى مسألة باستطاعتها توفير الأموال وخفض الانبعاثات في الوقت ذاته.

لفهم كيفية ذلك، تحدثت إلى ساندرا غولدمارك، مديرة الاستدامة في الحرم الجامعي والعمل المناخي في "كلية بارنارد" ومؤلفة كتاب "الإصلاح.. كيف تحصل على أشياء دون الإضرار بالكوكب؟"، وقد اختُصرت المقابلة وحُرّرت بغرض الوضوح.

برأيك، ما الذي أوصلنا إلى هذه المشكلة؟

من جهة، لدينا الأشخاص الذين يكتنزون الأشياء، ممن لديهم إحساس قوي بالارتباط أو المنفعة، أو أي شعور آخر يدفعهم إلى الارتباط بشكل قوي جداً بالأشياء، بحيث لا يمكنهم التخلي عنها. ومن جهة أخرى، لدينا المتسوقون الذين يسعون إلى الشراء المتكرر لإرضاء حاجة لا تُشبع. المنطقة المتوسطة ببن هذين النموذجين هي ما نسعى إليه، إذ نتمسك بالأشياء بعقلانية، بطريقة نتقبّل معها انتقالها إلى غيرنا. وفي ذات الوقت فإننا نشتري سلعاً عالية الجودة، نكون بحاجة إليها بالفعل، وهذا ما يمثل الطريق للمضي قدماً بالنسبة إلى المجتمع والكوكب.

يفرض التشريع الذي أقرته المملكة المتحدة على صانعي بعض السلع الإلكترونية توفير قطع غيار للمستهلكين وتجار التجزئة، بشكل سيمكن (على سبيل المثال) الغسّالة الكهربائية من الاستمرار بالعمل لمدة 10 سنوات على الأقل. هل يعتبر هذا جيداً بما يكفي؟

على مدى سنوات من عمل ورشات التصليح، وجدنا أننا لم نتمكن من إصلاح نحو 15% من الأجهزة التالفة، بسبب عدم توفر قطع الغيار. لذا فإن مجرد تيسير مسألة العثور على قطع الغيار سيكون أمراً مساعداً. تريد أن تصل إلى مرحلة يفكر فيها صاحب متجر الأجهزة المحلي: "نعم، أعرف أين يمكنني الحصول على هذه القطعة اللازمة. سيستغرق الأمر 10 دقائق، وسيحقق الأمر لي أيضاً ربحاً صغيراً". سيساعد ذلك في تنويع مصادر إيرادات هذه المتاجر، وجعل المنشآت في هذا القطاع أكثر استدامة مالياً وبيئياً.

حالياً، توجد شركات ناشئة صغيرة تضغط بالفعل من أجل تحقيق "دائرة كاملة" في أعمالها، إذ يُعاد استعمال المواد الخام الداخلة في صنع المنتج مرة أخرى عند نهاية العمر الافتراضي له، بدلاً من إرساله إلى مكب النفايات. في المقابل، هل توجد شركات كبيرة تقوم بذلك أيضاً؟

شركة "باتاغونيا" هي مثال واحد على ذلك، إذ تطبق الشركة نماذج الأعمال الثلاثة جميعها ضمن أعمالها. فهي تبيع أشياء جديدة عالية الجودة تستخدم المواد الخام من مصادر مستدامة، وهي تبيع أيضاً منتجاتها المستعملة، وكذلك تقدم خدمات الإصلاح. ولكن إذا كانت "باتاغونيا" هي الشركة الوحيدة التي يمكنك الحديث عنها في هذا المجال، فإن هذا يشير إلى أننا لم نصل إلى أهدافنا بعد. لقد سبقت "باتاغونيا" الآخرين بسنوات.

ذكرت في كتابك أن الناس أكثر ارتباطاً بالأشياء التي يصنعونها بأيديهم. لكن أليس نموذج "أيكيا" هو الذي يدفعك باستمرار إلى شراء مزيد من الأشياء الجديدة أيضاً؟

هذا مثير للاهتمام. اضطررت إلى إعادة كتابة الفصل الخاص بـ"أيكيا" مراراً وتكراراً، بسبب استمرار إصدار الشركة لتصريحات جديدة. ففي يونيو 2020 أعلنت "أيكيا" أنها ستتبع نظام الأعمال الدائري في غضون عقد من الزمن. وحتى ذلك الحين كانت الشركة تستمر بمحاولات تجربة الأفكار واختبارها، لكنها لم تعترف بأن نموذج العمل نفسه كان معيباً، وأن هذه المبادرات المستدامة كانت تتأرجح على الأخطاء فحسب.

ولكن في النهاية تبقى التجربة خير برهان، وأنا على استعداد للأخذ بكلمتهم، لأنه إذا تتبعت ما حدث بعد تصريحاتهم فستجد أن متاجر "تارغت" أعلنت هي الأخرى أن منتجاتها ستتبع النظام الدائري بالكامل بحلول عام 2040.