الشركة الناشئة "ويسبر أيرو" تطمح لطيران كهربائي خالٍ من الضجيج

مختبرات شركة "ويسبر أيرو" الناشئة التي تعمل على تطوير أنظمة دفع تقلل من ضجيج الطائرات
مختبرات شركة "ويسبر أيرو" الناشئة التي تعمل على تطوير أنظمة دفع تقلل من ضجيج الطائرات المصدر: شركة "ويسبر أيرو"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وكأنك محاط بأسراب من النحل بشكل مستمر. هذا هو سيناريو الضوضاء الذي ينتظرنا، فيما يواصل المستثمرون ضخّ أموال هائلة في شركات تطوير الطائرات بدون طيار "درون"، التي باتت تتمتع بتقنيات أفضل من أي وقت مضى، بالإضافة إلى شركات تطوير الطائرات الأخرى الأكبر حجماً والتي تنتمي لنفس العائلة، طائرات الركاب ذات الإقلاع والهبوط العمودي. والسبب في ذلك، هو أنه على الرغم من تطور تقنيات هذه المركبات بسرعة هائلة، إلا أن الطائرات بأنواعها، لا تزال تصدر الكثير من الضجيج، حيث لم تُبذل أي جهود بهدف التخفيف من ذلك حتى الآن.

وفي حال كان قد سبق لطائرة "درون" أن أفسدت يومك الهادئ على الشاطئ، تخيل كم ستتوتر أعصابك مع 10 آلاف طائرة أجرة تحوم فوق رأسك.

مشكلة ضوضاء الطيران

في خضم هذا، كشفت شركة ناشئة تدعى "ويسبر أيرو" عن خططها للمرة الأولى، معلنة أنها في صدد حلّ مشكلة الضوضاء الناجمة عن الطائرات.

هذه الشركة تأسست في منتصف عام 2020 على يد مارك مور، وهو مهندس سابق في الوكالة الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، وكان قد شغل أيضاً منصباً تنفيذياً في قسم المركبات الطائرة في شركة "أوبر تكنولوجيز"، وهو قسم شهد الكثير من النشاط في السابق. وفيما رفض مور مشاركة كامل تفاصيل ابتكاره لأغراض حماية الملكية الفكرية، إلا أنه بدا على قناعة بأن "ويسبر" توصلت إلى تصميم نظام دفع جديد، يمكن استخدامه في الطائرات من الـ"درون" الموجهّة للمستهلكين وحتى طائرات الركاب الضخمة، بحيث سيتمكن هذا النظام من جعل الصوت الناتج عن الطائرة يمتزج مع الصوت العام للمدن التي تحلّق في سمائها.

بين ضجيج الـ"درون" والـ"إي فتول"

وقال مور: "نصف الناس يعتقدون بأن طائرات الـ"درون" جميلة، أمّا النصف الآخر فيرون أنها مزعجة"، وأضاف: "هم يشعرون بالانزعاج لأنها تشكل فعلاً مصدر ضجيج مثير للتوتر، لا يجب أن يكون موجوداً. حيث يبدو صوتها كصوت خلاط كهربائي طائر، ينغّص راحة السكان. فإذا أردت إقناع الناس بأن على هذه المركبات أن تنتشر بصورة أكبر، فيجب عليها ألا تزعجهم أو تخيفهم".

نادرون هم الأشخاص الآخرون المؤهلون لمحاولة حلّ هذا المشكلة المزمنة، هذا إن وُجدوا بالأصل. فمور كرّس ثلاثين عاماً من حياته للمجموعات البحثية في "ناسا"، حيث عمل على إعداد تصاميم عالية التطور لبناء طائرات الـ"درون" والطائرات الكهربائية. وفي عام 2010، نشر مور دراسة ركزت على إمكانية صُنع طائرات كهربائية بالكامل، قادرة على الإقلاع والهبوط العمودي. وقد مهدت بحوثه لظهور الاهتمام بطائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية "إي فتول" (eVTOL)، والتي تعمل عدة شركات ناشئة اليوم في مجال تطويرها.

طائرات الأجرة

في عام 2017، انضم مور إلى قسم "أوبر إيليفايت" في مسعى لأن يساعد شركة "أوبر" على إنشاء أسطول ضخم من المركبات الطائرة التي تحلّق فوق الازدحام المروري.

ولكن في ظلّ الوباء، تخلت "أوبر" عن مشروعها المستوحى من أفلام الخيال العلمي خلال العام الماضي، وباعت تقنية "إليفايت" إلى شركة "جوبي أفياشن" الناشئة المدعومة من "تويوتا"، والتي قُدرت قيمتها مؤخراً بـ6.6 مليار دولار، ويعتبرها البعض أكثر شركة واعدة في مجال طائرات "إي فتول". وبدلا من البقاء في "جوبي"، اختار مور صبّ اهتمامه على تطوير الأفكار التي تراوده منذ خمس سنوات حول صنع طائرات أقل ضجيجاً.

فقام مستخدماً بعضاً من المال الذي جناه من "أوبر"، بشراء منتجع سياحي متهالك في مدينة كروسفيل في تينيسي حيث أنشأ مقرّ "ويسبر" المعزول، بالإضافة إلى مجمّع البحوث والتطوير. وقال مور عن المنتجع الذي اشتراه: "كان البنك على وشك مصادرته، وقد اشتريته بسعر زهيد". وأضاف: "المكان يمتد على مساحة 16 فداناً، ويضمّ بحيرة ذات شاطئ جميل، ويقع على مقربة من مطار صغير رائع".

عصر الطائرات الكهربائية

وفقاً لحسابات مور، فهناك ما يقرب الـ400 شركة تحاول حالياً صنع طائرات "إي فولت"، كثير منها تعمل تحت قيادة مجموعة هواة أو فرق عمل صغيرة، فيما حصلت عشرات الشركات منها على تمويلات ضخمة لبدء العمل فعلياً بإمداد السوق بهذا النوع من الطائرات. وتبدو معظم النماذج الأولية من هذه الطائرات متشابهة، فهي بشكل عام طائرات صغيرة مزوّدة بمحركات كهربائية، تضمّ ما بين أربع واثنتيْ عشرة مروحة.

ويهدف السباق بين هذه الشركات اليوم، لصنع نماذج أولية تعمل فعلاً من الطائرة، وأن تحصل على شهادة سلامة التحليق من قبل الهيئات المنظمة.

إلا أن مور على قناعة بأن الضوضاء التي ستنجم عن الدفعة الأولى من طائرات "إي فتول"، ستحدّ من النجاح الذي سوف تحققه هذه الطائرات. فعلى الرغم من كونها أقل ضجيجاً من الطائرات المروحية، إلا أن الـ"إي فتول" تصدر صوتاً مشابهاً لطنين النحل. ويعزو مور جزءا من هذه المشكلة إلى عدم عمل الشركات على حلّ مشكلة الضوضاء، بما أنها تتعجل لطرح طائراتها الجديدة في السوق. وقال: "يسلك الجميع الطريق الذي يحوي على أقل قدر من العراقيل".

تكنولوجيا مُبتكرة

مور الذي يتكتم حول التكنولوجيا الجديدة من "ويسبر"، قال إن الشركة تعمل على ابتكار تصميم جديد لنظام الدفع، يشمل منظوراً جديداً للمراوح والمحركات وأنظمة التحكم، وأيضاً إلى الطريقة التي تتكامل بها هذه المكونات ضمن جسم الطائرة. وتجري "ويسبر" اختباراتها على هذه التكنولوجيا باستخدام طائرات "درون" في إطار عقد بينها وبين القوات الجوية. حيث يأخذ المهندسون نماذج الطائرات إلى ملاعب كرة المضرب وكرة السلة في المنتجع، ويحيطونها بالميكروفونات بهدف قياس مستوى الضوضاء الناتجة عنها.

وحتى الآن، تعمل التكنولوجيا على جعل طنين الطائرات يندمج مع الأصوات المحيطة. وقال مور: "حالياً، الصناعة في عصر المروحيات، ونحن سوف ننقلها إلى عصر الطائرات الكهربائية".

وأشار مور إلى أن "ويسبر" ستكشف المزيد عن هذه التكنولوجيا خلال الأشهر المقبلة، وذلك بعد أن تأخذ إجراءات براءات الاختراع مسارها. كما تخطط الشركة للبدء ببيع أولى منتجاتها في عام 2023، وتتوقع أن تقوم شركات تصنيع طائرات الـ"درون" بشراء هذه التكنولوجيا فيما بعد. كذلك، فإن الشركة تخطط لاحقاً لبيع أنظمة الدفع هذه إلى مطوري طائرات "إي فتول"، وهذا لن يكون أمراً سهل التحقق، إذ سيتعين على هذه الشركات أن تعيد تصميم طائراتها، وربما تضطر للتقدم بطلب الحصول على تراخيص جديدة من الهيئات المنظمة، بسبب إضافة هذه التكنولوجيا الجديدة لطائراتها. وتقول شركة "ويسبر" إنه في نهاية المطاف سيصبح من الممكن استخدام هذه التكنولوجيا في صناعات أخرى.

التغلب على التلوث السمعي.. ليس سهلاً

إلا أن سيونغكو لي، وهو الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية والفضائية في "جامعة كاليفورنيا، ديفيس"، يشكك في إمكانية تحقيق قفزة فورية على صعيد التخفيف من ضجيج الطائرات. وشرح ذلك بسبب كون كل من طائرات الـ"درون" والـ"إي فتول"، تصدر نوعاً من الضوضاء ذات التردد المرتفع، والذي يُعرف بالضوضاء واسعة النطاق، وهي أكثر إزعاجاً بشكل خاص بالنسبة للبشر. وقال لي: "الخطوات التالية للتخفيف من الضجيج ستكون تدريجية". وتابع: "لا أظنّ أنه بإمكاننا خفض الضوضاء بمعدل 10 أو 20 ديسيبيل دفعة واحدة، ولكن إذا أردنا أن نستخدم هذه المركبات في الأحياء السكنية، فيجب أن نتوصل إلى طريقة لجعلها أقل إصداراً للضجيج".

جذب الاستثمارات

"ويسبر" التي تضم 11 موظفاً، تمكنت حتى الآن من جمع 7.5 مليون دولار من المستثمرين، الذي كان من ضمنهم شركة "فوتبرينت كوالشن فنتشر"، المملوكة لروبرت داوني جونيور. وعلَّق داوني في بيان: "التسبب بالتلوث السمعي الناتج عن الضوضاء، بهدف بناء مستقبل أكثر مرونة للطائرات الكهربائية، يعد أمراً يطرح مشكلة"، وأضاف: "على المستقبل أن يكون مراعياً للآخرين بقدر كونه جذاباً". ويبدو إذاً أن "الرجل الحديدي" يريد لطائرات الأجرة الخاصة به أن تكون مركبات غير مزعجة.

كذلك تشمل قائمة المستثمرين الآخرين في "ويسبر"، كلاً من شركات "مينلو فنتشرز" و"لوكس كابيتال" و"كينندريد فنتشرز". ومن جهته، أقرّ شون كارولان، الشريك في "مينلو فنتشرز" أن "ويسبر" تواجه العديد من "المشكلات الهندسية الصعبة، ومع ذلك فقد علّق قائلا إنه يتوقع أن تتهافت كلّ شركات إنتاج الـ"درون"، وطائرات "إي فوتل"، لحوزة المنتج الذي تقدمه "ويسبر" في حال حققت الشركة الأداء الذي تطمح إليه.

وأضاف أخيراً: "بين الحين والآخر، نصادف مثل هذه الأمور التي أصفها بالتقنيات التي لا مهرب منها"، وتابع: "هذه التقنيات لديها القدرة على إحداث تغييرات جذرية في العالم".