الاقتصاد الأمريكي لا يحتاج لخطة إنقاذ من الكوارث

القرارات الجديدة المتعلقة بالمنافسة التي أصدرها الرئيس جو بايدن ربما يكون لها تأثير غير إيجابي على الشركات ونموها والخدمات التي تقدمها للمستهلكين
القرارات الجديدة المتعلقة بالمنافسة التي أصدرها الرئيس جو بايدن ربما يكون لها تأثير غير إيجابي على الشركات ونموها والخدمات التي تقدمها للمستهلكين المصدر: غيتي إيمجز
Michael R. Strain
Michael R. Strain

Michael R. Strain is a Bloomberg Opinion columnist. He is director of economic policy studies and Arthur F. Burns Scholar in Political Economy at the American Enterprise Institute. He is the author of “The American Dream Is Not Dead: (But Populism Could Kill It).”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعتقد السياسيون في كلا الحزبين أن الولايات المتحدة تواجه كوارث تلوح في الأفق، ما يتطلب إعادة التفكير بشكل راديكالي بشأن السياسات الاقتصادية. لكنهم مخطئون، قد تكون الأمة في مواجهة تحديات خطيرة بالفعل لكن الاقتصاد يرتكز إلى أسس سليمة ولا داعي للراديكالية.

ويتفق كلاً من اليمين الشعبوي واليسار التقدمي على تضرر الأمريكيين من السياسات الاقتصادية التي سادت خلال العقود الأخيرة وتمحورت حول منح اقتصاد السوق دور محوري وتشجيع العولمة والتجارة الحرة والحذر من الإفراط في الإجراءات التنظيمية.

لكن ذلك الإجماع من الحزبين مبني على وجهة نظر خاطئة، بأن العمال العاديين والأسر قد عانوا من تلك السياسات على مدار عدة عقود ماضية.

قواعد المنافسة الجديدة

أحدث دليل على خطأ وجهة نظرهم، القرار التنفيذي واسع النطاق الذي أصدره الرئيس جو بايدن، لتعزيز المنافسة في السوق.

يتضمن القرار 72 مبادرة قد يؤيد التيار الشعبوي بعضاً منها. على سبيل المثال، تطبيق إدارة "بايدن" مزيد من التدقيق بشأن عمليات الاندماج المحتملة لشركات التكنولوجيا.

كما يدفع القرار لجنة التجارة الفيدرالية إلى وضع قيودٍ على قدرة شركات التكنولوجيا على تجميع بيانات المستخدمين والحد من نفوذ كبرى شركات تجارة التجزئة على الإنترنت، مثل "أمازون" والتي تتغلب بها على المنافسين الأصغر حجماً.

كذلك يعطي القرار وزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية السلطة القانونية "للطعن على عمليات الاندماج السيئة التي تمت قبل ذلك، ولم تطعن عليها الإدارات السابقة".

وهو ما يعتبر أمر راديكالي بشكلٍ كبير، لأن الإدارة تبدو عازمة على نقل سياسة مكافحة الاحتكار بعيداً عن استهداف رفاهية المستهلك بشكل دائم، وهو الهدف الذي أدى إلى تعريف الاحتكار ولفترة طويلة على أنه القدرة على رفع الأسعار فوق المستويات التنافسية، وهو المعيار الذي لا يرى أن الحجم الكبير للشركات يمثل ضرراً بالضرورة للمنافسة في السوق، وهو ما جرى دعمه لعقود من قبل التيار الرئيسي في الأحزاب السياسية وأمام المحاكم.

الحد من تضخم الشركات

قال بايدن: "لقد أمضينا 40 عاماً من تجربة السماح للشركات العملاقة بتجميع المزيد والمزيد من القوة".

وفي إشارة إلى الاعتماد على معيار رفاهية المستهلك كهدف لسياسة منع الاحتكار قال "بايدن": "وماذا حصلنا منه؟ نمو أقل، استثمار ضعيف، عدد أقل من الشركات الصغيرة". ويستنتج الرئيس قائلاً: "أعتقد أنها تجربة فاشلة".

سيجد الرئيس مؤيدين من الشعبويين المحافظين، الذين يكرهون شركات التكنولوجيا. حيث يتقدم السناتور غوش هاولي، السياسي الجمهوري الصاعد من ولاية ميسوري، بمشروع قانون يحظر عمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات التي تزيد قيمتها السوقية على 100 مليار دولار.

حيث قال هولي: "بينما تستحوذ كبرى شركات التكنولوجيا والبنوك والاتصالات والأدوية على المزيد من الشركات، وتزيد حصتها في السوق، استحوذت تلك الشركات على حريتنا ومنافستنا ودفع المستهلكون والعمال الأمريكيون الثمن".

الأمر ليس بهذا السوء

هل الأمور حقاً بذلك السوء؟ فإذا أخذنا شركات التكنولوجيا، والتي كانت تعد جواهر تاج للاقتصاد الأمريكي كمثال، سنجد أن تلك الشركات ضخت أموالاً كبيرة في البحث والتطوير، وأضافت خدمات أفضل للمستهلكين، وأدى التسوق عبر الإنترنت إلى توسيع خيارات المستهلك بشكلٍ واسع وخفض الأسعار بشكل كبير أيضاً.

قد تكون "كبرى شركات الأدوية" حققت أرباحاً، لكنها استطاعت اكتشاف لقاحات متعددة وفعالة ضد جائحة عالمية تحدث مرة واحدة في القرن خلال أقل من عام واحد.

وفي الوقت الذي كانت تنقذ فيه شركات الأدوية الأرواح، مكَّنت "كبرى شركات الاتصالات" ملايين الأمريكيين من العمل في المنزل.

زيادة المنافسة

بعض مبادرات الرئيس الـ72 جديرة بالثناء، ومنها الجهود المبذولة لزيادة المنافسة في سوق العمل ذات الأجور المنخفضة، فمن المنطقي أن أرى الأمر التنفيذي يتضمن إمكانية بيع أجهزة تحسين السمع دون الحاجة لوصفة طبية.

لكن العديد من المبادرات الأخرى تحمل تجاوزاً حكومياً كبيراً ومساعياً لإدارة الاقتصاد حسب ما تراه الحكومة مناسباً من وجهة نظرها.

ومن الأمثلة الإيجابية أيضاً التي أشيد فيها بالبيت الأبيض، دعوته لتطبيق إجراءات أكثر صرامة لمكافحة الاحتكار - لكن ذلك الأمر يجب أن يسترشد بمعيار رفاهية المستهلك.

فعلى سبيل المثال، يعتقد البعض أن عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي يؤثرون بالسلب على رفاهية المستهلك عن طريق التهام المنافسين، وكذلك كبرى شركات تجارة التجزئة عبر الإنترنت، الذين يحافظون على انخفاض الأسعار، حتى يستحوذوا على حصة أكبر من السوق وفي ذلك الوقت سيبدؤون في رفع الأسعار.

معيار رفاهية المستهلك لم يفشل

من وجهة نظري، أن شركات التكنولوجيا نجحت في اختبار رفاهية المستهلك، وأن اتخاذ قرارات مشابهة يتطلب تحليلاً صارماً.

ومع ذلك لا يجب التعامل مع المعيار الذي مضى عليه عقود من الزمان بالشكل الذي يجعل منه ضمان لمرور مجاني لممارسات ضد المنافسة.

ولكن تطبيق تغيير جذري بأن "الشركات كبيرة الحجم أمر سيئ" ليس ضرورياً، وقد ينتج عنه تطبيق على أسس سياسية، وسيؤدي إلى دفع المستهلكين أسعاراً أعلى، وحصولهم على سلعٍ وخدمات أقل تنوعاً وجودة.

يعد الأمر التنفيذي جزءاً من مشروعٍ أوسع يشترك فيه اليمين الشعبوي واليسار التقدمي لتحويل السياسة الاقتصادية بعيداً عن قواعد السوق إلى رسمها بناءً على نتائجه.

عدم المساواة في الدخل

يعتقد السياسيون من الحزبين بأن تلك القواعد تضر بمصالح العمال لصالح النخب الغنية. حيث أعلن "هاولي" في عام 2019 أن 70% من الأمريكيين لم يشهدوا زيادة في الأجور المعدَّلة حسب التضخم منذ 30 عاماً.

كما أعلن السناتور، بيرني ساندرز، في عام 2016، أن مستويات معيشة العمال قد انخفضت قائلاً: "لقد أصبح الحلم الأمريكي كابوساً للكثيرين".

البيانات تعكس حقائق مختلفة. فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية منذ عام 1990 حتى 2019 زادت أجور العمال من غير فئة المشرفين، والمعدَّلة حسب التضخم بمقدار الثلث. وخلال نفس الفترة تقريباً، نما متوسط ​​دخل الأسرة بعد احتساب الضرائب ومدفوعات التحويل الحكومية 44%.

وقد تصاعد القلق بشان عدم المساواة في الدخل خلال السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية عام 2008، لكن معيار عدم المساواة الذي استخدمه مكتب الميزانية في الكونغرس غير الحزبي ظل راكداً أو تراجع. وبحسب تقديراتي الشخصية، يفوق دخل الأسرة لما يقارب ثلاثة أرباع من هم في سن الأربعينيات من العمر دخل آبائهم عندما كانوا في نفس العمر.

تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية كبيرة تحتاج إلى تطبيق سياسات أفضل للتغلب عليها، ولكن الحلم الأمريكي لم يمت.

ويمكن أن تُعرِّض الشعبوية في اليسار واليمين ذلك الحلم للخطر بسبب ما يمارسونه من ضغط يهدف لإحداث تغييرات جذرية في السياسة العامة وتستند إلى فهم مشوه للنتائج الاقتصادية.

وبالنظر إلى القرار التنفيذي الذي أًصدره "بايدن" أرى أنه يسير في طريق مضلل.