هل تنجح تقنية احتجاز الكربون في مكافحة التغير المناخي؟

الأخوان "وينكليفوس" مديرا بورصة "جيمني تراست" يتبرعان بـ 4 ملايين دولار من أجل التصدي للانبعاثات الكربونية الناتجة عن العملات المشفرة
الأخوان "وينكليفوس" مديرا بورصة "جيمني تراست" يتبرعان بـ 4 ملايين دولار من أجل التصدي للانبعاثات الكربونية الناتجة عن العملات المشفرة المصدر: أ.ف.ب
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تخيل طن متجمع من ثاني أكسيد الكربون أمر صعب، لأنه غاز ينتقل في الهواء بصورة غير مرئية، كما أن هناك مشكلة أخرى وهي أن الطن المتري من ثاني أكسيد الكربون لا يعني فعلياً طنا من الكربون.

تتركز قضية مكافحة تغير المناخ في التصدي لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا ما فعله كاميرون وتايلر وينكليفوس بالتصدي للانبعاثات الكربونية الناتجة عن العملات المشفرة.

تبرعت بورصة تداول العملات المشفرة "جيمني تراست" التي يديرها التوأمان "وينكليفوس" بمبلغ قيمته 4 ملايين دولار لمنظمة "كليمت فاولت" (Climate Vault) غير الهادفة للربح التي أسسها مايكل غرينستون، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأسبق باراك أوباما والأستاذ الحالي بجامعة شيكاغو، حيث يهدف التبرع للمساعدة في تعويض الانبعاثات الكربونية التي يولدها تشفير عملة "بتكوين".

شراء تصاريح الكربون

استخدمت "كليمت فاولت" التبرع في شراء مخصصات بأسواق تداول تصاريح الحد من الانبعاثات التي تخضع للجهات التنظيمية والموجودة في كاليفورنيا، والتي يتم استخدامها لتعويض الانبعاثات بطريقة مختلفة حيث قد يكون من الصعب التحقق مما إذا كانت الغابة التي تم دفع تعويضات للحفاظ عليها قد تم قطعها بالفعل.

حيث تشتري "كليمت فاولت" باستخدام تلك المخصصات لخفض المعروض من عقود الكربون المتداولة في الأسواق والتي ترخص لهم باستخدامها في تعويض الانبعاثات الكربونية وخفض الحد الأقصى المسموح للشركات من الانبعاثات الناتجة عن أنشطتها حيث تقول "جيمني" إن هذا التبرع سيمنع 341965 طنًا متريًا من الكربون من دخول الغلاف الجوي.

قد يكون ذلك صحيحاً من الناحية النظرية وهذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعمل بها نظام تداول تصاريح الحد الأقصى للانبعاثات، ولكن من الناحية العملية، لا يحدث ذلك بهذه الطريقة بشكل كامل.

ارتفاع تكلفة الطاقة

تكتسب الأسواق جاذبيتها بسبب الحياد والكفاءة (ويساعدها في هذا الحوافز الضريبية)، ولكن تلك الحوافز يجب أن تكون لها حدود عندما تتعلق بمجالات حيوية مثل الطاقة. حيث لا يريد السياسيون ممن يكافحون تغير المناخ أن يفقدوا مناصبهم في حال تم إلقاء اللوم عليهم نتيجة أن فواتير الطاقة أصبحت مرتفعة.

لذا، فإن الكثير من العبء الثقيل على التعامل مع تغير المناخ يتجنب الإشارة إلى التكلفة وارتفاع الأسعار الناتج عنه ويركز على محفظة الطاقة المتجددة أو معايير الكفاءة.

فوفقًا لـ "باربرا هيا"، التي تقود مشروع تداول الكربون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، من المتوقع أن تحقق تداولات وضع حد أقصى انبعاثات الكربون 40% على الأقل من خفض كاليفورنيا للانبعاثات بحلول عام 2030.

يصف داني كولينوارد، خبير اقتصاديات الطاقة وعضو اللجنة الاستشارية المستقلة لسوق الانبعاثات في كاليفورنيا وشارك في كتاب "إنجاح سياسة المناخ" (Making Climate Policy Work) تداولات تصاريح الحد الأقصى لانبعاثات الكربون بأنه "عمل سياسي" مصمم خصيصاً للتغطية على صعوبة فرض قواعد تنظيمية متفاوتة في الوصول للامتثال للحد من انبعاثات الكربون وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار الطاقة حيث يسمح تداول تصاريح الحد الأقصى لانبعاثات الكربون إلى توفير الطاقة للمستهلكين بأسعار أقل بكثير من التكلفة الحدية للتحكم في الانبعاثات.

لعبة سياسية

يقول جيمس بوشنيل، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، في منشور صادر مؤخراً، إن نتائج تلك الطريقة ناجحة من وجهة نظر سياسية، حيث يمكن من خلال تلك الطريقة بذل مزيد من الجهود لإبقاء أسعار الطاقة قيد التدقيق من خلال التحكم في عدد تصاريح الحد الأقصى وتعديلها إذا ارتفعت الأسعار أو انخفضت إلى مستوى غير مقبول.

فعلى سبيل المثال، تستطيع سوق تداول تصاريح الحد الأقصى للانبعاثات في كاليفورنيا طرح مزيد من التصاريح إذا ارتفع السعر أو انخفض أكثر من اللازم. لكن ذلك السوق يهتم بتسعير الانبعاثات الكربونية وليس كمية الانبعاثات.

ربما تلخص لورين غيفورد، باحثة مساعدة في جامعة أريزونا فكرة أسواق تداول الحد الأقصى للانبعاثات بشكل أفضل حين تقول: "ما يتم تداوله يمثل بدائل لانبعاثات الكربون متفق عليها مسبقاً" ولكن الوقت غير مناسب لتلك الشعارات التسويقية الرنانة.

احتجاز الانبعاثات

تهدف "كليمت فاولت" إلى معالجة ذلك التعتيم والنموذج الإسفنجي في الوقت الذي تعاني فيه أسواق تداول الحد الأقصى للانبعاثات من مشاكل في ركائز عملها الأساسية.

فحتى إذا لم تدفع عمليات شراء "كليمت فاولت" الى ارتفاع أسعار التصاريح للمستوى الذي يسمح بإطلاق المزيد منها، فإن عدم التناسق والغموض الذي يكتنف اللوائح الخاصة بتقليص التكاليف المرتفعة لخفض الانبعاثات والذي يقابله تكلفة منخفضة وشفافية في تداول الحد الأقصى للانبعاثات يعني أن شراء "طن" بتلك الطريقة لا يعني طنًا بالمعنى المادي.

ويمكن القول، إن "كليمت فاولت" وإلى جانب سيطرتها على تصاريح الحد الأقصى المسموح به للانبعاثات تهدف إلى تطوير تقنيات احتجاز الانبعاثات الحقيقية وتعمل مع المطورين على تقديم اقتراحات تمكِّن المنظمة من التحقق من جدوى تمويل تلك المشروعات من عائد إعادة بيع التصاريح التي اشترتها في السوق مرة أخرى.

وبهذه الطريقة، فإن تصريحًا بوزن طن واحد سيرتبط حقًا في النهاية باحتجاز طن واحد من غازات الاحتباس الحراري.

تكلفة باهضة

مع ذلك، فإن تكاليف احتجاز الكربون اليوم، وخاصة باستخدام الحلول التكنولوجية القابلة للتطوير في المدى الأطول تبقى باهظة وتزيد عما يقارب 12 دولاراً للطن في التصاريح التي تم شراؤها ضمن صفقة "جيمني"، وهذا يعني أن أي شركة قادرة حقًا على تحقيق ذلك بهذا السعر ستكون على الأرجح أكثر قيمة من شركة "إكسون موبيل".

يقول جوناثان جولدبيرغ، مؤسس شركة "كربون دايركت"، التي تقدم المشورة للشركات والمؤسسات حول كيفية إدارة انبعاثاتها، إن دخول المزيد من المشترين للسوق سوف يساعد في تقليل تكلفة تصميم هندسة إزالة ثاني أكسيد الكربون بمرور الوقت.

ومع ذلك، من المهم أن ندرك واقع تلك الصناعة كما هي اليوم بالفعل، حيث لا يمكنك إزالة الكربون بحسب تكنولوجيا اليوم بأي شكل بأقل من 50 دولاراً للطن، وبدون نمو كبير في الطلب وجهود واسعة على صعيد المعروض سيصبح من غير المرجح الوصول لذلك السعر بنهاية العقد.

"جيمني تراست"

يشير بوشنيل من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، إلى أن القضية الأساسية هنا لا تتمثل في أن تبرعات "جيمني" البالغة 4 ملايين دولار لا تفعل شيئًا. فعند شراء تصاريح الانبعاثات، يجب أن ترفع "كليمت فاولت" التكلفة الحدية للكربون في الأسواق التي تستخدمها.

علاوة على ذلك، إذا أوفت المنظمة بالنصف الثاني من خطتها، حيث تقوم بإنشاء مشاريع حقيقية لاحتجاز الكربون، فسوف تعمل كوسيط لتمويل المشاريع التي تشتد الحاجة إليها.

من جانبها، تقول "جيمني" - والتي تتعامل بشكل جدي مع المشكلة إن هناك "العديد من الطرق المختلفة لحجز انبعاثات الكربون وتعويض تلك الانبعاثات" مضيفة أن مساهمتها في المنظمة غير الربحية "ليست سوى عنصر واحد من مبادراتنا المستدامة المستمرة".

الخطر هنا يكمن في النقاش حول أفضل السبل لمعالجة الانبعاثات؛ حيث أن الإيمان المفرط بتقنيات احتجاز الكربون التي لم يتم إثبات نجاحها بعد قد يعوق الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات في المقام الأول.

لذا فالاستثمار في احتجاز الكربون أمر منطقي، ولكن فقط في سياق الاعتراف بالتكاليف المرتبطة به واحتمالات النجاح أو الفشل.

يتضاعف خطر الانبعاثات في صناعة العملات المشفرة المتعطشة للطاقة ما يتطلب حلولاً لمشكلة انبعاثات صارخة وليس فقط المسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات.

إن تشجيع الاستثمار في الطرق الخاصة باحتجاز الكربون على نطاق واسع أمر جيد. ولكن القول بأن هذه الدولارات – تكلفة تصاريح الكربون - تخفض بشكل نهائي بعض كمية الكربون من اللعبة أمر مشكوك فيه نظراً لكيفية عمل السوق حالياً. فعند السعي وراء الفداء، يجب ألا نلجأ إلى الغفران.