أهلاً بكم في أوروبا 2035.. سيارات كهربائية وقطارات بالهيدروجين

مدينة فرانكفورت، ألمانيا.. تسعى الدول الأوروبية للتحوّل نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات لتكون القارة الأولى المحايدة كربونياً
مدينة فرانكفورت، ألمانيا.. تسعى الدول الأوروبية للتحوّل نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات لتكون القارة الأولى المحايدة كربونياً المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إنها الساعة الخامسة عصراً في يوم جمعة عادي نهاية شهر يوليو، ونحن في عام 2035. ها أنت تقود سيارتك الكهربائية عائداً إلى منزلك بعد يوم عمل. السكون يطغى على المكان، حيث زاد عدد السيارات التي تعمل على بطاريات لا تصدر أصوات، بشكل غير مسبوق.

لقد كان أسبوعاً جيداً. ها أنت تكمل الشهر الثاني من برنامج تدريبي يختص بصيانة توربينات الرياح، وقد بدأت ظروفك تتحسن أخيراً، بعد سنين صعبة كانت قد تلت تسريحك من وظيفتك السابقة في معمل قطع غيار محركات الاحتراق الداخلي، والذي تركته على إثر حظر الحكومة لإنتاج سيارات جديدة عاملة على الوقود الأحفوري. ولكنك اليوم، قد التحقت بمشروع يساعد الأشخاص على إيجاد وظائف في القطاعات الصديقة للبيئة.

الخطة الأوروبية

هذه لمحة عما يمكن أن يبدو المستقبل عليه في حال طبقت الدول الأوروبية السياسات الواردة ضمن حزمة التشريعات المناخية المعروفة "لائق لنسبة 55%" أو "Fit for 55"، والصادرة عن الاتحاد الأوروبي. فهذه الخطة التي يتطلب تنفيذها استثمارات جديدة بتريليونات اليوروهات، ستحمل معها أكبر تغيير جذري يطال الاقتصاد الأوروبي منذ تبنيه لليورو كعملة موحدة، إذ إنّها تمهّد لتصفير انبعاثات الكاربون في القارة بحلول منتصف القرن. مع ذلك، يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة مفاوضات محمومة مع رفض عدد من السياسيين ومديري الشركات بعض المقترحات الأكثر تقدُمية ضمن هذه الخطط. ولكن، في حال وجدت هذه السياسات طريقها إلى التطبيق، سيضطر الأوروبيون لإحداث تغيير في كافة جوانب حياتهم وأعمالهم وأسفارهم.

البصمة الكربونية

بعد 14 عاماً من اليوم، وفي ذاك اليوم الهادئ من شهر يوليو، بينما تدخل من باب منزلك الأمامي، تُصدر لوحة مُعلقة صوتاً يبلغك في كلّ مرّة تحطم فيها ألواح الطاقة الشمسية الخاصة بإمداد الحيّ بالكهرباء، رقماً قياسياً جديداً. هذا الطنين يتكرر كثيراً في فصل الصيف. وكالعادة، تقوم بإدخال عدد الكيلواطات اليومي الذي استهلكته، في تطبيق البصمة الكربونية على هاتفك، وإذ، تضاء شاشتك بصور الألعاب النارية، لقد نجحت! قمت بجمع ما يكفي من النقاط لتحصل على قسيمة شرائية بقيمة 10 يورو من متجر البقالة.

بضع نقرات، وها هو الإنجاز الذي حققته ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ثمّ يطنّ هاتفك، حاملاً معه المزيد من الأخبار الجيدة. فيبدو أنه حين غابت أشعة الشمس في الفصول السابقة، عوضت سيارتك الكهربائية عن ذلك. حيث قمت باستخدامها كبطارية، تخزّن الكهرباء ثمّ تقوم ببيعها إلى الشبكة، حين لا تنتج مزارع الرياح والطاقة الشمسية ما يكفي من الكهرباء. وها قد وصلك المال أخيراً، وهو سيؤول مباشرة إلى حساب مدخراتك الخاص بالعطلة.

الاستثمارات الخاضعة للحوكمة

تفتح تطبيقاً آخر على هاتفك لتلقي نظرة على مدخراتك، وكنت قد اخترت إدارة كافة حساباتك بطريقة "مسؤولة اجتماعياً" قبل نحو عقد من الزمن، حين فرض الاتحاد الأوروبي قواعد صارمة حول الاستثمارات التي تصنّف صديقة للبيئة. كان ذلك قراراً ذكياً، فها أنت تجني الآن عوائد أكبر من أصدقائك الذين لم يقوموا بذلك فيما يتعلق باستثماراتهم.

وبينما أنت على وشك البدء بإعداد وجبة العشاء، تنزل ابنتك المراهقة مهرولة على السلالم وتسألك متى ستشتري لها دراجة الـ"سكوتر" التي وعدتها بها في حال تفوقت بامتحاناتها. وكنت قبل خمسة عشر عاماً، قد اشتريت أول دراجة كهربائية لك بسعر زهيد، لكنها كانت حينها مستوردة من الصين. ولكن ذلك كان منذ زمن طويل. فبعد سنوات من المعارك القضائية، فرض الاتحاد الأوروبي أخيراً رسوماً على منتجات الألومنيوم المستوردة من الدول التي لا تطبق سياسات مناخية صارمة. لذا ستختار على الأرجح علامة تجارية ألمانية هذه المرة.

طعام صديق للبيئة

فيما تفكر بحلّ مسألة الـ"سكوتر"، تضع فطيرتيّ بيتزا في الفرن. طبعاً هي مصنوعة من الطحين العضوي، حيث كانت الاتحاد الأوروبي قد وضع هدفاً بجعل ربع إجمالي الأراضي الزراعية، خالية من المبيدات الحشرية. حتى أن الجبنة النباتية تحسنت كثيراً مقارنة مع بداية الألفية. فعلى الرغم من أن الحكومة لم تفرض حتى الآن ضرائب على اللحوم ومشتقات الحليب، إلا أنك كنت قد قررت التخلي عنها في بداية هذا العقد. كما أن كثير من أصدقائك يتبعون نظاماً غذائياً نباتياً، لذا بات محرجاً أن تكون الوحيد الذي يطلب شطيرة "برغر" من اللحم البقري.

عطلة قريبة.. لانبعاثات أقل

ليس لديك الوقت الكافي لإعداد وجبة فاخرة اليوم، فأنت منشغل مع العائلة بتوضيب الأمتعة قبل أن تتوجهوا لقضاء العطلة في روتردام غداً. قبل عقد من الزمن، كنت تعشق السفر إلى الجزر اليونانية، ولكن بعد أن رفعت الحكومة ضريبة الكربون على شركات الطيران، بات السفر الجوي باهظاً جداً، لذا ستستقل القطار في رحلتك الأوروبية. على كلّ حال، فإن سانتوريني اليونانية لم تعد جذابة بعد الآن، فهي حارّة جداً في فصل الصيف هذه الأيام. أمّا روتردام التي كانت في الماضي واحدة من أكثر المدن تلوثاً في أوروبا، تحولت إلى مدينة سياحية بامتياز، وذلك بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة على الشحن البحري. وقد بتّ تحب الجلوس في مقاهيها قرب الميناء والتجول في البلدة القديمة بها.

مضخات حرارية

رنّ هاتفك، وشعرت بالسعادة لسماع صوت صديقة قديمة من أيام المدرسة، كانت قد انتقلت إلى بوسطن في الولايات المتحدة قبل بضع سنوات. تريد أن تسألك عن المضخات الحرارية. فقد تم تركيبها في الكثير من المنازل في أرجاء أوروبا، ولكنهم في الولايات المتحدة، لم يبدؤوا إلا مؤخراً بعملية الانتقال إلى تقنية التدفئة منخفضة الانبعاثات. تخبرينها بصراحة إن هذه الأجهزة أفضل للبيئة، ولكن حين تتعطل تسبب الكثير من الإزعاج، فلا يوجد الكثير من العاملين ممن يعرفون كيفية إصلاحها، على عكس سخانات الغاز في الماضي.

السياسات البيئية

بمتابعة الحديث مع صديقتك، يأخذكما الحديث إلى الانتخابات التشريعية المقبلة. وتعترف لها أنك غاضب من الحزب الحاكم. فكلّ هذه السياسات البيئية بدأت تصبح مزعجة جداً. وكان يفترض بالحكومات أن تقدم حزمات تحمي المواطنين من "فقر الطاقة"، بحسب وصفهم، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة. فقد استمرت النزاعات السياسية لسنوات حول وسائل تغطية تكلفة هذه الحزمات. والآن باتت الفواتير تقضّ مضجع الكثير من أصدقائك وبالأخص في فصل الشتاء. أثار ذلك موجةً من الغضب العارم في أوساط السكان، وبدأت تلاحظ عودة السياسيين القدامى المشككين بالتحديات المناخية.

القطارات العاملة على الهيدروجين

في محطة القطار في اليوم التالي، تشاهد الإعلانات التي تتفاخر بأن القطار الذي تستقله سينتقل ليعمل بشكل كامل على الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050. هو يعمل اليوم على خلايا الوقود، ولكن هذه تم توليدها بشكل أساسي من إحراق الغاز الطبيعي. وخلال 15 سنة، سوف يصبح الوقود مصنعاً بشكل كامل من مصادر طاقة متجددة.

الرحلة طويلة، والأطفال يتشاجرون طوال الطريق على المقعد بجانب النافذة. تحاول تجاهل أصواتهم، فتفتح جهاز الحاسوب المحمول للتحقق من بريدك الإلكتروني. ينتمي جهازك إلى النماذج القديمة، عمره سبع سنوات، ولكنه لا يزال يعمل كما لو أنه جديد. إذ أصبح من الأسهل اليوم إصلاح الأجهزة الإلكترونية بعد أن ألزم الاتحاد الأوروبي الشركات بالتخلي عن الممارسات التي كانت تتبعها في السابق لتحدّ من أمد حياة هذه الأجهزة.

تصل إلى الفندق على متن سيارة الأجرة الكهربائية، يشرح لك عامل الاستقبال ببهجة عن ميزات الفندق. الذي تم تشييده في العام الماضي، باستخدام الفولاذ والأسمنت المنتجين بطرق صديقة للبيئة، أمّا المسبح، فتتم تدفئته بواسطة سخان هيدروجيني. تنظر إلى واجهة الفندق، فترى جداراً حياً يغطيه النبات، ثمّ تأخذ نفساً عميقاً، وينبئك شعورك أن هذه العطلة ستكون رائعة.