الدخل الأساسي الشامل.. أموالٌ مجانية لكنها خطرة على جيل الشباب

جيل الشباب عليه أن يحذر من فكرة الدخل المضمون الذي يقلل رغبته في العمل والتطور واكتساب المهارات الجديدة
جيل الشباب عليه أن يحذر من فكرة الدخل المضمون الذي يقلل رغبته في العمل والتطور واكتساب المهارات الجديدة المصور: لويس الفاريز / ديجيتال فيجن
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو إعطاء الشيك الشهري لكلِّ فرد فكرة مثالية بسيطة، إذ يمكننا بذلك القضاء على الفقر، والتخلُّص من أوجه القصور في أيِّ ولاية تتسم بالبطء وقلة الرفاهية.

وتعدُّ مينيابوليس أحدث مدينة تجرِّب فكرة صرف "دخل أساسي شامل"، أو ما يعرف اختصاراً بـ (اليو بي آي)، إذ تقدِّم 500 دولار شهرياً لمدة 18 شهراً لـ150 شخصاً من سكانها من ذوي الدخل المنخفض، دون فرض أيِّ قيود على العمل أو الإنفاق عليهم.

زيادة عدم المساواة

لكنَّ بعضهم يشعر أنَّ الأمر ليس بهذه البساطة، فقد يكون الدخل الأساسي الشامل مكلفاً، بالإضافة إلى إمكانية تسبُّبه في إبعاد الناس عن العمل، مما قد يؤدي عن غير قصد إلى زيادة عدم المساواة، وانتشار عدم الاستقرار الاجتماعي.

وتشير ورقة بحثية جديدة إلى أنَّ المتشككين قد يكونون على صواب، إذ يمكن أن يكون ضرر الدخل الأساسي الشامل أكثر من نفعه مقابل تكلفة عالية جداً.

ولا يعدُّ اختبار الدخل الأساسي الشامل أمراً سهلاً. فما يجعل الدخل الأساسي شاملاً وأساسياً هو أنَّ كل شخص يحصل على المال، كما أنَّ تدفُّق النقد يمكن التنبؤ به، وأن يكون مفعوله طويل الأمد.

ويشير مؤيدو الدخل الأساسي الشامل إلى بعض التجارب القليلة، التي تُظهر أنَّ منح الأشخاص الشيكات لا يتسبَّب في تقليل عملهم.

لكنَّ تجربة مينيابوليس وبعض الدراسات الأخرى لا تندرج فعلاً تحت بند الدخل الأساسي الشامل؛ لأنَّها قصيرة المدى.

فالمدفوعات تستمر فقط سنة أو سنتين. وانعدام الثبات هذا يغيِّر بشكلٍ أساسي الطريقة التي يستجيب بها الناس.

وتستند معظم القرارات المالية، والقرارات الأخرى المتعلِّقة بالعمل إلى التوقُّعات الخاصة بالدخل مدى الحياة، وليس على أساس دفع النقد الإضافي لبضع عشرات من الأشهر فقط.

عمل أقل.. مخاطر أكبر

أيضاً، فالكيفية التي يتمُّ بها تنظيم المدفوعات تعدُّ مهمة كذلك. وبحثت دراسة أخرى -يتمُّ الاستشهاد بها على نطاق واسع- في الدخل المدفوع كل عام من صندوق ألاسكا الدائم.

ويقدِّر الاقتصاديون أنَّ المدفوعات لم تجعل سكان ألاسكا يقللون من العمل، بل قد تشجِّع تلك المدفوعات المستفيدين على القيام بالمزيد من العمل بدوام جزئي.

لكنَّ تجربة الصندوق الدائم لا تندرج تحت فئة الدخل الأساسي الشامل كذلك؛ لأنَّ المدفوعات تستند إلى عائدات النفط في الولاية، بالتالي، تختلف بشكلٍ كبير من عام إلى آخر.

لذا، يمكن القول، إنَّ مدفوعات الأموال الدائمة تزيد في الواقع من مخاطر الدخل على سكان ألاسكا، وهو عكس ما يُفترض أن يفعله الدخل الأساسي الشامل.

قد يقول المدافعون، إنَّ هذه الدراسات تشبه الدخل الأساسي الشامل بما فيه الكفاية. لكنَّ وجود تشابه فقط ليس كافياً في هذه الحالة.

فالادعاء بأنَّ هذه النماذج تمثِّل دخلاً أساسياً شاملاً يشبه القول بأنَّ السندات الموحَّدة ذات السعر الثابت (الكونسول) هي شبيه تقريبي لسند مدَّته سنتان، أو سهم يملك توزيعات أرباح.

ونحن نعلم من التمويل أنَّ هذه الأنواع من الأصول لها قيم مختلفة تماماً، بالتالي يمكنها أن تثير سلوكاً متبايناً للغاية من جانب المستثمرين، فيما يتعلَّق بالمخاطرة وتأثيرات الثروة.

دخل اليانصيب

تتخذ دراسة جديدة من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية نهجاً مختلفاً لتقييم الدخل الأساسي الشامل، فقد قام الاقتصاديون بمراجعة حالات الفائزين باليانصيب على مدى خمس سنوات. ويعتبر الفائزون باليانصيب اختباراً جيداً للدخل الأساسي الشامل؛ لأنَّ أرباح اليانصيب كبيرة بما فيه الكفاية؛ إذ يمكن للدخل الذي يحصلون عليه أن يغيِّر حياتهم. ويُقدِّر الاقتصاديون أنَّ متوسط ​​المكاسب يعادل 7800 دولار إضافية في السنة، على غرار المبالغ المقترحة للدخل الأساسي الشامل، كما يتمُّ أيضاً اختيار الفائزين باليانصيب عشوائياً، وهو ما يناسب التجربة بشكل جيد.

يقدِّر الاقتصاديون أنَّه من غير المرجح أن يبدأ الفائزون باليانصيب مشروعاً ناجحاً، على عكس إطلاق العنان للإبداع، والتحفيز، وريادة الأعمال.

ويقدِّرون أيضاً أنَّ الفائزين عملوا بشكل أقل، وكانوا أكثر عرضة لتغيير وظائفهم إلى وظيفة أخرى تدفع أجراً أقل.

ولاحظ الاقتصاديون أيضاً أنَّ العديد من الفائزين انتقلوا بعد فترة وجيزة من الفوز باليانصيب، وعادةً كان ذلك إلى منطقة ريفية أكثر. لكنَّ القليل منهم انتقل إلى أحياء ذات جودة أعلى، من ناحية التحصيل الجامعي للجيران، ومتوسط ​​الدخل، والمقاييس الأخرى، التي تعدُّ مؤشراً على الفرص المتاحة لهم أو لأطفالهم.

مع ذلك كان هناك تأثير إيجابي واحد، وهو أنَّ الفائزين باليانصيب كانوا أكثر عرضة للزواج، وأقل احتمالاً للطلاق.

قد تعتقد أنَّ العيش في البلد والعمل بشكل أقل ليس أمراً سيئاً للغاية، إذ يمكن أن يوفِّر العمل في وظيفة منخفضة الأجر في بعض الأحيان مزايا أخرى، مثل: المرونة، وقضاء الوقت مع أطفالك.

لكن هناك تكاليف لهذا. فغالباً ما يعني العمل في وظيفة ذات متطلَّبات أقل أنَّك ستتخلى عن تعلُّم مهارات جديدة، بالإضافة إلى عدم الحصول على أجور أكبر.

وقد لا تكون هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للأشخاص في منتصف العمر، لكنَّها يمكن أن تجعل حالة الشباب الذين مازالوا يؤسسون حياتهم المهنية، ويكتسبون المهارات أكثر تدهوراً بكثير.

وتحدث معظم الزيادات في الأجور في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وإذا فاتتك تلك السنوات، فمن المحتمل أنَّك لن تلحق بالركب.

رفاهية غير مثالية

برغم أنَّ نظام الرفاهية الحالي لدينا ليس مثالياً، لكن حقيقة أنَّه يجعل المدفوعات متوقِّفة على الدخل أو العمر أو حتى إنجاب طفل يظلُّ بديلاً أفضل.

فأول الأمر؛ يعدُّ أرخص بكثير لأنَّك لست مضطراً لتقديم المال للعديد من الأشخاص الذين لا يحتاجون إليه.

ثانياً: إنَّ المال المضمون (أو المال الذي تحصل عليه بغضِّ النظر عما يحدث) تساوي قيمته أكثر بكثير من الدخل الذي يتمُّ دفعه لبعض الوقت فقط. وكلما زادت الأموال التي نمنحها للناس، كان تأثيرها أكبر على سلوكهم، ولا يكون ذلك غالباً بطريقة جيدة.

ختاماً: تتمثَّل إحدى المشكلات في دراسة اليانصيب الأخيرة في أنَّها تتعقَّب الفائزين لعدَّة سنوات فقط. ويعتقد العديد من الفائزين باليانصيب أنَّ المكاسب المفاجئة ستريحهم مدى الحياة، لكن ينتهي بهم الأمر بتقديم طلب للإفلاس، ومن ثمَّ يصبحون عرضة للاكتئاب وسوء الصحة (ولهذا السبب يجب عليك دائماً اتخاذ خيار الدخل السنوي).

لكن هذا يوضِّح تحديات تنفيذ الدخل الأساسي الشامل. فبمجرد تقديمه، يكون من الصعب للغاية وقفه، وقد يؤدي القيام بذلك إلى ترك الناس في حالة أسوأ مما كانوا قبل الحصول عليه.