مديرو الصناديق يتخطون الوباء بالتزامهم قواعد اللعبة القديمة

تمثال ثور هائج في نيويورك، و يسمى عادة بثور "وول ستريت" في حي المال في المدينة الأمريكية. الاقتصاد ينتعش مستفيداً من تحفيز غير مسبوق
تمثال ثور هائج في نيويورك، و يسمى عادة بثور "وول ستريت" في حي المال في المدينة الأمريكية. الاقتصاد ينتعش مستفيداً من تحفيز غير مسبوق المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قلب الوباء كل شيء تقريباً رأساً على عقب، ومن ذلك مسار الاقتصاد الأمريكي، الذي غاص في إحدى أعتم حقب الركود تاريخياً، لينتعش بعدها في أسرع توسُّع منذ عقود.

كان الشيء الوحيد الذي تغيَّر بالكاد طيلة هذا الوقت، يتمثَّل في اختيارات منتقي الأسهم المحترفين.

ما يزال مديرو الصناديق يفضِّلون الأسهم ذات النمو المستقر على نظيرتها الرخيصة، كما يتجنَّبون الأسهم الحساسة اقتصادياً، مثل البنوك والطاقة، تماماً كما فعلوا أثناء تعثُّر السوق في مارس 2020. تكاد تفضيلات المديرين عبر القطاعات تكون مطابقة لما كانت عليه قبل 16 شهراً تقريباً باستثناء التفادي المتزايد لأسهم الشركات الصناعية، وتظهر البيانات التي جمعها "بنك أوف أمريكا" في الواقع، أنَّ ما يقرب من ثلاثة أرباع الأسهم المفضلة نفسها لا تسكن محافظهم الاستثمارية.

قالت سافيتا سوبرامانيان، رئيسة قسم الأسهم الأمريكية والاستراتيجية الكمية في بنك "أوف أمريكا"، عبر مكالمة هاتفية: "إنَّه أمر محيّر إلى أي مدى تغيَّر العالم على مدى العام، مقارنة بمدى ضآلة تغيُّر المحافظ الاستثمارية العادية". وأضافت: "إحساسي يخبرني أنَّ جانب الشراء يتطلَّع إلى السنوات العشر الماضية وما وراءها، ويقول: نعم، الاقتصاد يتعافى من القاع، ويتغلَّب على صدمة خارجية أتت من حالة الرعب الصحية، لكنَّنا لم ندخل بالضرورة في مرحلة سباق".

"مورغان ستانلي": تعافي الاقتصاد العالمي في خطر لهذه الأسباب

يمكن الجدل بأنَّ قلَّة من المتداولين يرون أنَّ انتشار كوفيد-19 يمثِّل تغييراً دائماً للعبة. ووصف بعضهم الوباء بأنَّه مجرَّد جزء ضمن منظومة ممتدة من النمو الضعيف. وإن كان ما يقولون صحيحاً فعلاً؛ فقد أدى الإغلاق إلى تسريع الاتجاهات التي كانت قائمة، كالتحول الى الأتمتة، والإنفاق عبر الإنترنت. وهذا من شأنه أن يفسر التأثير المستمر لأسهم شركات الإنترنت والبرمجيات.

صناديق التحوط

في وقت سابق من العام، عزَّزت صناديق التحوُّط التي تراهن على صعود وهبوط الأسهم في آن معاً من تعرُّضها للأسهم الدورية، وهي تلك التي تستفيد من توسُّع اقتصادي ما، لكنَّها قلَّصت هذه الرهانات مؤخراً. نتيجة ذلك انخفض تمركزهم الدوري نحو المستويات التي شوهدت في أعقاب الانهيار الوبائي.

برغم ارتفاع التعرُّض الدوري النسبي للصناديق التي تعمل فقط بآجال طويلة إلى 17% من 11% في مارس 2020، وهو يمثِّل ميلاً تفاؤلياً، إلا أنَّ بنك "أوف أمريكا" يصف ذلك الميل بأنَّه "ضئيل للغاية".

الموقف الحذر هنا مفهوم، لأنَّ أسهم القيمة، وهي فئة تهيمن عليها الأسهم الدورية، تخلَّفت عن مسيرة النمو في 11 من 12 سنة خلت. لكنَّ الانحياز للتحديث يمكن أن يكون خطيراً.

بايدن يحث الفيدرالي على اتخاذ الخطوات الضرورية لتعافي الاقتصاد

حذَّر ماركو كولانوفيتش، كبير استراتيجيي السوق العالمية في "جي بي مورغان تشيس آند كو"، في مايو من أنَّ مديري الأموال الذين قضوا معظم حياتهم المهنية، وهم يستفيدون من الاتجاهات الانكماشية يحتاجون لتبديل اتجاهاتهم بسرعة، أو المخاطرة بالتعرُّض لـ"صدمة تضخم" في محافظهم الاستثمارية.

يوافقه في هذا الرأي جورجيو كابوتو، كبير مديري الصناديق في "جي أو هامبرو كابيتال مانجمنت" (J O Hambro Capital Management)، إذ يشير إلى أنَّ الإنفاق العام الضخم على البنية التحتية، واستعداد بنك الاحتياطي الفيدرالي للسماح بارتفاع حرارة الاقتصاد، قد يؤديان إلى مزيد من النمو تقوده الصناعة.

أضاف كابوتو: "على الأرجح ما يزال العديد من المديرين ينتظرون ظهور دليل قاطع على أنَّ النمو في العقد المقبل سيكون أكثر دورية". واستطرد قائلاً: "الخطر بالنسبة لعديد من المستثمرين، هو أنَّهم يمكن أن يتعرَّضوا للمباغتة."

الوباء يمحص الأسهم

من الناحية النظرية، يجب أن يكون هذا هو الوقت المناسب لانتقاء الأسهم، إذ يميز الوباء الشركات القوية من الضعيفة. مع ذلك؛ فإنَّ مديري الصناديق عزفوا عن المشاركة إلى حدٍّ كبير. وانخفض متوسط الدوران- أو نسبة الأسهم التي تمَّ شراؤها وبيعها كنسبة مئوية من الأصول- في العام الماضي إلى أدنى مستوى خلال عقد من الزمان، وثبت على نسبة أقل من 40%. وفي هذا السياق، بلغ معدل الدوران ذروته عند 56% في عام 2012، وفقاً لبيانات بنك "أوف أمريكا".

أحد الأسباب المحتملة للتردد هو أنَّ كوفيد لم ينتهِ بعد. برغم أنَّ الاقتصاد يتعافى بدعم من حوافز غير مسبوقة، إلا أنَّ انتشار سلالات فيروس كورونا يعيق التوقُّعات، كما أدت حالة عدم اليقين إلى ظهور حركات تبديل أسهم متكررة وعنيفة.

تحديد التوقيت المناسب لهذا التبديل غير سهل، والخطأ فيه قد يكون خطراً. وإذا أخذنا التكنولوجيا كمثال، نجد أنَّ القطاع كان محبوبَ السوق خلال المرحلة الأولى من الوباء، بيد أنَّه فقد بعض جاذبيته لدى طرح اللقاحات، ثم عاد الآن كقطاع مفضل وسط مخاوف النمو، التي يتخلَّلها انخفاضٌ في عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات.

على طول الطريق، تفوَّقت أسهم التكنولوجيا كمجموعة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 20 نقطة مئوية. لكن إنْ حيدنا أفضل 10 أيام بالنسبة لها، التي كان معظمها في النصف الثاني من العام الماضي، يظهر أنَّ أداءها أضعف ب 6 نقاط مئوية.

وفقاً لما قاله مات تاتل، الرئيس التنفيذي لشركة "تاتل كابيتال مانجمنت" (Tuttle Capital Management)، فإنَّ الإحجام عن تبديل حيازات الأسهم قد يعكس أيضاً بعض الخوف من الخروج عن السرب.

قال تاتل: "من وجهة نظر المخاطر المهنية؛ إذا كنت تختار ما يختاره الجميع، يمكنك دائماً أن تقول: "انظر، خسرنا، لكن الجميع خسروا أيضاً". واختتم تاتل: "هناك عدد قليل جداً من الأشخاص الذين يرغبون في المخاطرة بالتغريد خارج السرب، لذلك ترى أنَّ الجميع يفعلون الشيء نفسه."