سياسة لاغارد تؤشر لعصر تعاون بين البنك المركزي الأوروبي والألمان

رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستيان لاغارد تتحدث للصحفيين في بروكسل حاضرة بلجيكا. لاغارد أشارت إلى عهد تبدو سمته تعاوناً مع المسؤولين الألمان كبديل عن التناحر
رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستيان لاغارد تتحدث للصحفيين في بروكسل حاضرة بلجيكا. لاغارد أشارت إلى عهد تبدو سمته تعاوناً مع المسؤولين الألمان كبديل عن التناحر المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما إنْ بدأت الرئيسة كريستين لاغارد بالكشف عن استراتيجية السياسة النقدية الجديدة للبنك المركزي الأوروبي هذا الشهر حتى أشارت إلى وفاق مع الألمان.

من خلال الإشارة سريعاً لدعم المسؤولين بالإجماع؛ كشفت عن دعم رئيس البنك الاتحادي الألماني ينس ڤيدمان، وهو إثبات يؤكِّد أيضاً كيف أنَّ المؤسسة الصقورية المحافظة التي يقودها ملتزمة بممارسة التأثير من خلال المشاركة بدلاً من المواجهة، وهي راضية بهدوء عن النتائج.

قارن ذلك بتاريخ نوبات الغضب لمسؤولي البنك الاتحادي الألماني ضد سياسات البنك المركزي الأوروبي على مر السنين، التي تميَّزت باستقالات وخلافات مريرة تمَّ خوضها في المحكمة، ثم توِّجت بنتائج غالباً ما عاكست رغباتهم على أي حال. وإنْ دلَّ هذا التغيير على شيء، فهو يدلُّ على أنَّ نتيجة المراجعة تؤكِّد على علاقة مختلفة تماماً عما كانت عليه الحال في السابق.

أسبوع اقتصادي عالمي مقبل

في هذا السياق، قال غونترام ڤولف، مدير مركز "بروغل" (Bruegel) للأبحاث الذي يتخذ من بروكسل مقرّاً له: "هناك تهدئة معينة في العلاقة، وتعاون أفضل، واعتراف بأنَّ عليك أن تتوافق، فهناك خطٌّ رفيع بين كونك متشدداً- وهو موقف مبرر- وأنْ يُنظر إليك على أنَّك مناهض لليورو."

يعدُّ اعتلاء لاغارد إلى رئاسة البنك المركزي الأوروبي، وأسلوبها المختلف عن سلفها ماريو دراجي أمرين مهمين في إعادة ضبط العلاقة مع البنك الاتحادي الألماني. وفي ظلِّ قرب عقد الانتخابات في شهر سبتمبر في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تدرك لاغارد الحاجة إلى الحفاظ على دعم اليورو وسط شكوك بشأن سياسات، مثل أسعار الفائدة السلبية.

في هذا الأسبوع، ستُجرى تجربة أولية للاستراتيجية النقدية الجديدة، والإجماع القائم عليها، إذ يجتمع مجلس المحافظين لاتخاذ قرار يوم الخميس ستنتج عنه توجيهات محسنة بشأن سياسته المستقبلية.

استراتيجية جديدة

تضمَّن النهج الذي كشفت عنه لاغارد في 8 يوليو هدفاً جديداً أعلى للتضخم يبلغ 2%، ومنح مسؤولية تقديرية للمسؤولين لتعزيز النمو. عكست هذه النتيجة حلاً وسطاً كان فيه ڤيدمان ضالعاً في صياغته، فقد تمَّ تعميم مسوَّدات واضحة للتجديد بعد اعتكاف لصانعي السياسة في منطقة بشمال شرق فرانكفورت.

تقرُّ لغة (الاستراتيجية) أنَّ تجاوز الهدف يمكن أن يحدث عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة للغاية، لكنَّها لا تصل لجعل ذلك هدفاً فعلياً. على النقيض من ذلك؛ فإنَّ استراتيجية الاحتياطي الفيدرالي التي تمَّ الكشف عنها العام الماضي تفعل ذلك من خلال اعتماد استهداف متوسط للتضخم.

لاغارد تتوقع تحولاً في سياسات البنك المركزي الأوروبي

من جانبه، قال ڤيدمان بعد إعلان لاغارد: "نحن لا نسعى للحصول على معدلات أقل أو أعلى، كان ذلك مهماً بالنسبة لي."

كما قام البنك الاتحادي الألماني بتوجيه سياسة تغيُّر المناخ نحو إدارة مخاطر المركز المالي، بدلاً من الخيارات الأكثر جذرية التي شعر مسؤولوها أنَّ الحكومات تتعامل معها بشكل أفضل.

النتيجة هي استراتيجية نقدية يرى المراقبون أنَّها تميل أقرب الى سياسة الحمائم، لكنَّها ما تزال تستوعب حساسيات مؤسسة، ولها دور خاص في الاتحاد النقدي الأوروبي الذي يملك نظاماً نقدياً صارماً يرسم مخطط البنك المركزي الأوروبي منذ تأسيسه في عام 1998.

من جانبه، قال أوتمار إيسينغ خلال مقابلة أجريت معه، وهو مسؤول سابق في البنك الاتحادي الألماني، وكان كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، وساعد في تصميم إطار سياسته الأصلية: "يسعدني أن أرى أنَّ البنك المركزي الأوروبي صمد أمام إغراء التخلُّص من استراتيجيته بالكامل... كان تغيير هدف التضخم إلى 2% هو الخيار الصحيح، وأتى بعد أن حلَّ أجله بزمن طويل، من المهم إبراز التركيز على المدى المتوسط."

في المقابل، كان يورغن شتارك، نائب رئيس البنك الاتحادي الألماني السابق، الذي خلف إيسينغ في عام 2006 أكثر انتقاداً.

قال شتارك: "لدي شكوك كبيرة أن يخلق الهدف الجديد لاستقرار الأسعار مزيداً من الوضوح، إنْ أصرَّ البنك المركزي على قدر أكبر من المرونة... إنَّ الوضوح والمرونة متعارضان مع بعضهما، وفي أسوأ الأحوال يضرُّ ذلك بالمصداقية."

لا تقدِّم مثل هذه المشاعر لمحة فقط عن شكوك البنك الاتحادي الألماني على مرِّ السنين، ولكنَّها تلمِّح أيضاً إلى الصعوبات التي ربما واجهتها لاغارد لو امتنع الألمان عن المشاركة.

شوكة في الخاصرة

تشمل الأمثلة البارزة على حدَّة الماضي الجدل حول أوَّل برنامج لشراء السندات السيادية للبنك المركزي الأوروبي، الذي سبق استقالات عام 2011، وشملت أكسل ڤيبر، سلف ڤيدمان كرئيس للبنك الاتحادي الألماني، وشتارك أيضاً.

ڤيدمان نفسه قال، إنَّ الاستقالة "ليست أسلوبي"، لكنَّه بدلاً من ذلك أصبح شوكة في خاصرة دراجي، الذي اتهم الألماني بأنَّه يقول: "لا لكل شيء."

ويشار إلى أنَّ مسؤول البنك الاتحادي الألماني أدلى بشهادته في المحكمة ضد سياسة زميله الشهيرة بشعار "مهما كان الثمن" لوقف أزمة الديون السيادية في المنطقة، وادعى أيضاً أنَّ بنكه المركزي ليس مجرَّد بنك واحد من بين العديد من البنوك في منطقة اليورو، ولكنَّه "الأكبر والأكثر أهمية "بينهم.

لقد غذت مثل هذه المواجهات صورة نمطية عن البنك الاتحادي الألماني باعتباره عملاقاً تقليدياً يتعامى أحياناً عن لحظات من البراغماتية. إذ غالباً ما اتخذ مسؤولوه نهجاً مرناً لإدارة المعروض النقدي، والتضخم على سبيل المثال، وانخرطوا في التيسير الكمي في السبعينيات. وحتى بعد أن عارض ڤيدمان استخدام دراجي للسياسة في عام 2015، انخرط في حوار حول تنفيذها.

تدرك لاغارد أنَّ الإجماع على الاستراتيجية لا يضمن دعم تنفيذها، وقالت لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي، إنَّها لا تتوهم أنَّ القرارات ستكون بالإجماع.

ويبقى أيضاً أن نرى ما إذا كانت براغماتية البنك الاتحادي الألماني تنعكس في نهاية المطاف اعتدالاً في تشدُّده، أو سلوكاً أكثر دبلوماسية.

يقول كريستيان أوديندال، كبير الاقتصاديين في "مركز الإصلاح الأوروبي" الذي يتخذ من برلين مقرَّاً له: "إذا استمر البنك المركزي الأوروبي في توقُّع تضخم منخفض للغاية؛ فإنَّ الاستراتيجية الجديدة ستتطلَّب منه - بالمعنى الدقيق للكلمة - تخفيف سياسته. إنَّ الاختبار الحقيقي للإجماع الذي تمَّ التفاوض لأجله ما زال أمامنا".