كينيا تطمح إلى تصدير خبراتها الرائدة في إنتاج كهرباء الحرارة الأرضية

بخار يتدفق من عمق الأرض عبر أنابيب في مجمع "أولكاريا" الحراري الأرضي، الذي تديره شركة "كينيا لتوليد الكهرباء" في "حديقة هيلز غايت الوطنية" في نيفاشا. تحصل كينيا على ما يقرب من نصف الكهرباء من محطات الطاقة الحرارية الأرضية، أي أكثر من أي بلد آخر، وهي في طريقها لزيادة ذلك إلى ما يقرب من ثلاثة أخماس بحلول عام 2030
بخار يتدفق من عمق الأرض عبر أنابيب في مجمع "أولكاريا" الحراري الأرضي، الذي تديره شركة "كينيا لتوليد الكهرباء" في "حديقة هيلز غايت الوطنية" في نيفاشا. تحصل كينيا على ما يقرب من نصف الكهرباء من محطات الطاقة الحرارية الأرضية، أي أكثر من أي بلد آخر، وهي في طريقها لزيادة ذلك إلى ما يقرب من ثلاثة أخماس بحلول عام 2030 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما افتتحت كينيا محطة "أولكاريا" لتوليد الكهرباء قبل أربعة عقود، كانت تلك المحطة بمثابة مشروع بحثي أكثر منه مشروعاً تجارياً. ونظراً إلى الموقع الذي أقيمت فيه في "حديقة هيلز غايت الوطنية"، وهي منطقة قاحلة من الصخور البركانية التي تتخللها الغازات الكبريتية وتقطنها في الغالب الخنازير والحمير الوحشية، فقد تمكنت المنشأة من توليد الكهرباء باستخدام البخار المتصاعد من أعماق الأرض. كانت الطاقة الحرارية الأرضية غير المختبرة والمكلفة تقنية تجريبية في أحسن الأحوال، إذ كان من المتوقع أن تزوّد الوحدة الأولى نحو عشرة آلاف منزل بالكهرباء. اليوم، تولد محطة "أولكاريا" أكثر من 50 ضعفاً من ذلك، بحيث تتجه التقنية إلى تشكيل قوام شبكة الكهرباء في البلاد. تقول ريبيكا ميانو، المديرة التنفيذية لشركة "كينيا لتوليد الكهرباء" أو "كين جين" (KenGen)، المملوكة للدولة: "إن استراتيجيتنا المستقبلية تقوم على الطاقة الحرارية الأرضية".

لعقود، ركزت كينيا والدول المجاورة لها على الطاقة الكهرومائية والمحطات الحرارية التي تعمل بالوقود الأحفوري، لكنها تنبهت مؤخراً إلى إمكانات مواردها الهائلة من الطاقة الجوفية. تقع المنطقة على جانب الوادي المتصدع الكبير، وهي منطقة تتجمع فيها الصفائح التكتونية، ما يجعل الصهارة الموجودة في باطن الأرض أقرب إلى سطحها. إنها واحدة من أكثر المناطق البركانية نشاطاً في العالم، إذ يتوسطها جبل كليمنغارو، بالإضافة إلى عشرات الينابيع الساخنة التي تشير إلى الحرارة الشديدة الواقعة أسفلها مباشرة. وحسب مؤسسة "فيتش سوليوشنز" (Fitch Solutions) للأبحاث الاقتصادية، فإن كينيا تحصل على ما يقرب من نصف الكهرباء التي تنتجها من محطات الطاقة الحرارية الأرضية، بمعدل يفوق أي بلد آخر، وهي في طريقها لزيادة ذلك المعدل إلى ما يقرب من ثلاثة أخماس إنتاجها من الكهرباء بحلول عام 2030.

محطات جديدة

تغذي محطة "أولكاريا" للطاقة الحرارية الأرضية، الأولى من نوعها في إفريقيا، أنابيب تمتد على عمق ميلين في باطن القشرة الأرضية. توصل الأنابيب العميقة بخاراً عالي الضغط تصل درجة حرارته إلى 350 درجة مئوية (662 درجة فهرنهايت)، يُستخدم لدفع التوربينات العملاقة. وتخطط "كين جين" لاستثمار مليارَي دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة في بناء أربع محطات جديدة، وإدخال تحديثات على محطة "أولكاريا"، من شأنها زيادة قدرة الطاقة الحرارية الجوفية في كينيا إلى أكثر من 1.6 غيغاوات، أي ضعف الإنتاج الحالي تقريباً، وهو ما يكفي لإمداد مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة بالكهرباء. أما على المدى الطويل فتتوقع شركة الكهرباء الكينية أن تتمكن البلاد من توليد ستة أضعاف ذلك القدر على الأقل.

عقبة الاستثمار

لطالما كانت العقبة الأكبر، في كينيا والمنطقة، هي الاستثمار الأوّلي. فبينما تصل تكلفة التوربينات والمعدات الأخرى المستخدمة فوق سطح الأرض إلى 3 ملايين دولار لكل ميغاوات تقريباً، تقبع التكلفة الحقيقية تحت سطح الأرض، إذ يمكن أن تكلف بئر واحدة ما يصل إلى 6 ملايين دولار. وعادةً ما يستلزم إنشاء كل وحدة محاولات حفر متعددة للعثور على بخار كافٍ لاستمرار دوران التوربينات. بالنسبة إلى المحطة الأولى في "أولكاريا"، حفرت الشركة الكينية لتوليد الكهرباء 33 بئراً. يقول بيتر أومندا، المستشار الذي عمل في عديد من المشروعات في المنطقة: "في البداية، كان يُنظر إلى محطات الطاقة الحرارية الأرضية على أنها محفوفة بالمخاطر للغاية، كما أن التكلفة الأولية المرتفعة كانت بمثابة عائق". وفي حين أدت التطورات التكنولوجية إلى خفض التكلفة وتسهيل الحصول على مزيد من البخار من كل بئر، فإن تكلفة الحفر ما زالت تشكل عقبة كبيرة.

حفر الآبار وبيع البخار

للمساعدة في تعويض التكاليف، أنشأت كينيا في عام 2008 شركة "تطوير الطاقة الحرارية الأرضية" (Geothermal Development) المملوكة للدولة والمعروفة اختصاراً بـ"GDC". تستهدف هذه الشركة تحمّل مخاطر الاستثمار المرتبطة بهذه التكنولوجيا، من خلال حفر الآبار على غرار شركات التنقيب عن النفط. وعندما تكتشف حقلاً واعداً تبيع البخار إلى شركة "كين جين" أو غيرها من الشركات التي تنشئ المرافق فوق سطح الأرض. وقد جمعت "GDC" مبلغ 746 مليون دولار، غالبيته من جهات الإقراض الدولية مثل البنك الدولي، لتطوير منطقة "مينينغاي كريتر" البركانية، الواقعة على بعد 60 ميلاً شمال محطة "أولكاريا"، إذ يتوقع ثلاثة منتجين مستقلين للطاقة افتتاح محطات للطاقة الحرارية الأرضية في عام 2023 بعد سنوات من التأخير.

تشكل المنافسة من قِبل مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، التي يمكن أن تكون أسرع من حيث بناء منشآتها، وتبشر بعائد أسرع على الاستثمار، مصدر قلق آخر. وفي هذا الإطار تحصل كينيا على نحو 12% من الكهرباء التي تنتجها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ارتفاعاً من أقل من 1% قبل خمس سنوات. ولكن على عكس تلك التقنيات، لا تتطلب الطاقة الحرارية الأرضية رياحاً شديدة أو سماء مشمسة لتوفير تدفق ثابت للطاقة. وعند مقارنتها بالطاقة الكهرومائية، التي تعتمد عليها كينيا أيضاً في سعيها لاستخدام مصادر متجددة للطاقة بنسبة 100% بحلول عام 2030، فإن محطات الطاقة الحرارية الأرضية لا تتعرض للتهديد بسبب الجفاف أو الجيران المتحاربين الذين قد يقطعون إمدادات المياه. يقول ديريك بوثا، المحلل في "فيتش سوليوشنز": "توفر الطاقة الحرارية الأرضية طاقة كهربايئة نظيفة وغير متقطعة، لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى توفيرها".

بالنسبة إلى شركة "كين جين"، أصبحت الطاقة الحرارية الأرضية مصدراً مهماً للإيرادات من خارج الدولة. فقد فازت شركة الكهرباء الكينية في فبراير بعقد قيمته 6.6 مليون دولار لحفر آبار في جيبوتي. وفي عام 2019 تعاقدت إلى جانب شركتين صينيتين على توفير خدمات الحفر الخاصة بمحطات الطاقة الحرارية الأرضية في إثيوبيا. كما صرحت الشركة الكينية لإنتاج الكهرباء بأنها تُجري محادثات مع رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ تتبنى الحكومات في جميع أنحاء إفريقيا الطاقة الحرارية الأرضية. وتقول ماريت برومر، المديرة التنفيذية لـ"الرابطة الدولية للطاقة الحرارية الأرضية" (International Geothermal Association)، وهي منظمة تروّج لهذه التكنولوجيا: "سيكون من المثير أن نشهد انتقال هذه القدرة إلى دول أخرى، كما سيشكل ذلك فرصة لتكرار نجاح تلك الشركات". وأضافت: "ستتيح الطاقة الحرارية الأرضية إمكانية الحصول على الكهرباء لعديد من المجتمعات، بأسعار في متناول الجميع".