السجائر الإلكترونية.. أداة محفوفة بالمخاطر للإقلاع عن التدخين

السجائر الإلكترونية
السجائر الإلكترونية المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشهد العالم تراجعًا في نسب تدخين السجائر التقليدية، وبالطبع انعكس هذا سلبًا على عائدات شركات التبغ، التي تداركت الأمر بالتوجه أكثر نحو خط إنتاج جديد، وهو منتجات السجائر الإلكترونية؛ إذ يمكن أن يحصل المرء على جرعة النيكوتين المنبهة دون اللجوء إلى إشعال لفافة تبغ لإحراقه.

وتسوق هذه المنتجات كبديل أقل خطورة من السجائر التقليدية، كما تُظهر بعض الدراسات، غير أن عدم توفر ما يكفي من البيانات حول الاستخدام طويل الأمد يحول دون التوصل إلى استنتاجات قاطعة، وفضلًا عن عدم إمكانية نفي ضررها، تشير بعض الأبحاث إلى أنها قد تدفع البالغين إلى تجربة السجائر التقليدية.

وأثارت السجائر الإلكترونية، كنتيجة لذلك، أحد أهم النقاشات الساخنة بين خبراء الصحة العامة على مدار سنوات، حيث ينادي بعضهم بفرض مزيد من القيود بدافع الاهتمام بالسلامة والخوف من تقليل مكاسب مكافحة التدخين مع رواج هذه الأجهزة وزيادة شعبيتها. بينما يرى البعض الآخر، أنها أداة ثمينة لمساعدة المدخّنين على الإقلاع ووسيلة من شأنها دفع مكافحة التدخين إلى الأمام على نحوٍ أسرع.

الوضع الحالي

حذّرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، في سبتمبر 2018 من أنها تنظر في فرض أنظمة صارمة على السجائر الإلكترونية للحد من ظاهرة انتشارها بين المراهقين. ويؤكد المسؤولون أن البيانات الأولية تُظهر ارتفاعًا في استخدام هذه السجائر بين طلاب المرحلة الثانوية بنسبة 75 بالمئة من 2017 إلى 2018، ما يعني أن 20 بالمئة منهم يدخنونها.

ويتحمّل المسؤولية الأكبر عن رواج السجائر الإلكترونية منتج واحد وهو سيجارة "جول" (Juul) الإلكترونية التي صنعها مبتكران مقلعان عن التدخين؛ حيث يمنح الملمس الناعم لها مظهرًا أنيقًا، فيما يتيح صغر حجمها للمستخدمين صغار السن من إبقائها في يدهم واستنشاق شيءٍ منها في غفلة من المدرس أو الوالدين.

ومثل الكثير من منتجات السجائر الإلكترونية الأخرى، تتوفر عبوات التزويد لإعادة التعبئة بنكهات لذيذة مثل المانجو والنعناع، ما جعل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية "إف دي أيه" تبحث أمر حظر المنكّهات الممنوعة في السجائر العادية (باستثناء المنثول).

وأعربت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، عام 2017، عن رغبتها في التأكد من عدم عرقلة الأنظمة واللوائح التي تساعد في التقليل من التدخين، غير أن أهمية مواجهة رواج السجائر الإلكترونية بين اليافعين دفعها إلى إمهال صانعي هذه السجائر حتى بداية شهر نوفمبر 2018، عندئذ إما أن يخضعوا لقوانين جديدة أو يقنعوا الهيئة بأنهم سيبذلون جهدهم لمنع استخدام من هم تحت عمر 18 لمنتجاتهم، علمًا بأنهم لا يستطيعون شراءها قانونيًا.

في السياق ذاته، اتخذت 27 دولة من الدول الـ80 التي تنظم التعامل مع السجائر الإلكترونية، ومن بينها البرازيل واليونان والسعودية وتركيا وتايلاند، قرارًا حازمًا وحظرت بيع هذه المنتجات تمامًا. ومع ذلك، لا يزال سوق منتجات السجائر الإلكترونية في العالم، والذي قُدّر بحوالي 14 مليار دولار في 2017، يشهد نموًا متسارعًا.

معدلات مساهمة السوق الأمريكية في قطاع السجائر الإلكترونية عالمياً

17 عاماً مرت على ظهور السجائر الإلكترونية إلى النور

يعود تاريخ السيجارة الإلكترونية إلى عام 2003 حين اخترعها الصيدلاني والمدخّن الصيني "هون ليك" (Hon Lik)، وظهرت في الولايات المتحدة وأوروبا عام 2006، ثم تطوّرت منتجاتها أكثر اليوم، فتنوّعت أشكالها وأصبحت تحتوي على نسب مختلفة من النيكوتين، وهو مادة شبه قلوية توجد في التبغ وتسبب الإدمان، وبعد أن كانت تشبه السيجارة التقليدية أو توضع في أنبوب أملس معدني، باتت أقرب إلى الأقلام العريضة حاليًا.

أما منتجات "جول" فتبدو مثل جهاز ذاكرة البيانات "يو إس بي فلاش درايف" (USB flash drive). وتتكون السيجارة الإلكترونية من بطارية تسخّن سائل النيكوتين، فيتحوّل إلى بخار، لذا ليس هناك احتراق للتبغ ولن ينتج دخان أو قطران. كما توجد منتجات أخرى لكنها تحتوي على التبغ وتحمل اسم "هيت - نَت - بيرن" (heat-not-burn) -أي التسخين لا الحرق- إشارة إلى تسخين التبغ إلى درجة حرارة أقل من درجة حرارة احتراق السيجارة العادية.

هل السجائر الإلكترونية أكثر أمانا وهل تساعد على الإقلاع عن التدخين؟

تشير الأدلة المتوفرة حتى الآن إلى أن السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا من التقليدية. ففي عام 2016، خلص بحث علمي تناول 22 دراسة إلى أن الاقتصار على استخدام السجائر الإلكترونية يسهم بـ 5 بالمئة فقط من مخاطر الوفاة المرتبطة بالتدخين.

ومع التسليم بأنّ هذه المنتجات تساعد الأشخاص في الإقلاع عن التدخين، فإنّ ما يُثير القلق هو ما يحدث في حال عدم إقلاعهم عن استخدام السجائر الإلكترونية، وعليه فمن الأفضل اللجوء إلى طريقة أخرى. كما أنّه كلما أصبح هذا الفعل طبيعيًا ومقبولًا أكثر فأكثر جذب أفرادًا أكثر لم يفكّروا في التدخين مسبقًا.

وفي السياق نفسه، أجرت الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم والهندسة والطب (National Academies of Sciences, Engineering and Medicine)، وهي هيئة مستقلة تقدّم استشارات قومية في مجالات العلوم والهندسة والطب، مراجعة لـ 800 دراسة، خلصت إلى "عدم وجود دليل على ما إذا كان استخدام السجائر الإلكترونية مرتبط بأي تأثير طويل الأمد على الصحة".

وتحول حداثة هذه الممارسة دون توافر بيانات كافية، كما يعتقد -إلا أنه ليس مثبتًا- أن رذاذ السيجارة الإلكترونية قد يدمر الأنسجة ويتسبب بأمراض من بينها السرطان. ولم يخضع تأثير النيكوتين على الإنسان لما يكفي من الدراسات، غير أن المراهقين معرضين أكثر للتضرر منه، إذ يشير دليل إلى تأثيره الضار على نمو الدماغ.

وأظهرت المراجعة التي أجرتها الأكاديمية الوطنية أيضًا ما يُثبت أن مستخدمي السيجارة الإلكترونية من بالغي سن الرشد أكثر ميلًا لتجربة السجائر التقليدية من غيرهم، فيما أكّدت مراجعة لدراسات أخرى أُجريت بتكليف من "وكالة الصحة العامة البريطانية" (Public Health England) عدم وجود ما يُثبت أنهم قد أصبحوا بالفعل مدخّني سجائر عادية.