دُور رعاية المسنّين الفاخرة في الصين تجذب استثمارات بالملايين

مشروع "أردور غاردنز"
مشروع "أردور غاردنز" المصدر: شركة "ليندليس"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وليام تانغ، رجل متقاعد قرر مؤخراً الانتقال من وسط مدينة شانغهاي إلى منشأة فخمة مخصصة لرعاية المسنين في أقصى غرب المدينة، إذ دفع 220 ألف دولار لاستئجار شقة من غرفتي نوم لمدة 15 سنة.

قال تانغ بعد أن شاهد صالة العرض التابعة لمشروع "أردور غاردنز" (Ardor Gardens)، الذي يضمّ مرافق تشمل مسبحاً داخلياً وغرف يوغا وأنشطة تذوق النبيذ ورعاية على مدار الساعة، إن المكان "أشبه بمنتجع".

أصبحت المنشآت المتخصصة في رعاية المسنين مثل "أردور غاردنز" رهانات لا تقاوم بالنسبة إلى عدد متزايد من المستثمرين الصينيين والدوليين، إذ تتدفق الأموال على هذا القطاع في ظلّ تجدد تسليط الضوء على تسارع شيخوخة السكان في الصين.

فشركة "ليندليس" (Lendlease) العاملة في مجال العقارات والبنى التحتية، التي تتخد من سيدني مقرّاً لها، كانت قد استثمرت 280 مليون دولار في مشروع "أردور غاردنز"، وهي هي واحدة من المؤسسات الاستثمارية التي ترى أن السياسات المعتمدة في الصين باتت مشجعة أكثر، بما أن الحكومة تسعى إلى معالجة التحديات السكانية.

قال رئيس القسم الصيني في شركة "ليندليس" دينغ هوي: "على الأرجح سوف تبدو السوق مختلفة تماماً بعد 10 سنوات من الآن". وأضاف: "إذا انتظرت 10 سنوات قبل أن تبدأ في التفكير بابتياع أرض والتعلم وتدريب فريق وتطوير نموذج الأعمال، فعلى الأرجح ستكون قد ضيعت على نفسك الفرصة".

تُظهِر آخر البيانات السكانية الصادرة في الصين ارتفاع عدد السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً وما فوق بنسبة 47% خلال العقد الماضي، إذ وصل إلى 260 مليون نسمة، أي ما نسبته أكثر من 18% من إجمالي عدد السكان. وبحلول عام 2050 يتوقع أن يتضاعف هذا العدد ليصل إلى نحو 500 مليون نسمة.

منافسة حامية

في هذا الإطار، تتنافس "ليندليس" مع شركات محلية رائدة، من بينها شركات تأمين كبرى وشركات أسهم خاصة وشركات تطوير عقارية. كما انضمت عشرات الشركات الاستثمارية الأجنبية إلى المنافسة خلال السنوات الماضية، من بينها شركة "تيماسيك القابضة" (Temasek Holdings) السنغافورية المملوكة من الدولة، والشركتان الأمريكيتان "كولومبيا باسيفيك مانجمنت" (Columbia Pacific Management) المتخصصة بالاستثمار في مجال الرعاية الصحية، ومجموعة "فورترس" (Fortress) الاستثمارية.

هذا وتستعد شركات عدة أخرى لخوص السباق أيضاً، فالعملاق الاستثماري الصيني "سيتيك كابيتال" (Citic Capital) يسعى إلى بناء عدد من المشروعات العقارية الموجهة إلى كبار السنّ مع شركائه في المدن الكبرى خلال السنوات المقبلة، وفق ما أكده رئيس قسم العقارات في الشركة ستانلي شينغ. ومن جانبها، بدأت شركة "نيو تشاينا لايف للتأمين" (New China Life Insurance) ببيع مجمّع جديد يمتدّ على مساحة 280 ألف متر مربع (3 ملايين قدم مربعة) في إحدى ضواحي بيكين، يوازي حجمه نحو 40 ملعباً لكرة القدم.

وعلى الرغم من أن غالبية هذه الشركات لم تبدأ بعد بجني الأرباح من نشاطاتها التجارية الموجهة إلى المسنين، فإنها تراهن على أن ارتفاع الطلب على مثل هذه المنشآت، الذي سيقترن مع تغير في العادات الاجتماعية في الصين، سوف يضمن لها عوائد على المدى الطويل.

على صعيد السياسات، تُعِدّ الحكومة خططاً مفصلة من أجل دعم قطاع رعاية المسنين، مع التركيز على توسيع الخدمات الأساسية وتوفيرها بأسعار مقبولة. ويشمل ذلك رفع عدد الأسرّة المتوافرة في دور الرعاية، وتخصيص موارد إضافية من أجل تدريب مزيد من العاملين في هذا المجال، في ظلّ الحاجة الماسة إليهم.

قال يي ليمينغ، رئيس رابطة قطاع خدمات كبار السنّ في شانغهاي، إن "سوق الرعاية الفاخرة للمسنّين في الصين لم تدخل بعدُ في مرحلة النموّ عالي السرعة، إلا أنها بالتأكيد باشرت بالانطلاق".

تغير ديمغرافي

في غضون ذلك، أحدث المسار الديمغرافي الذي تسلكه البلاد تغيراً كبيراً في التقاليد الصينية المترسخة، التي كانت تحدّ من شعبية دور رعاية المسنين. فعلى الرغم من أن الأبناء ملزمون أخلاقياً بالعناية بذويهم كبار السنّ، فإن عائلات كثيرة تعيش متفرقة اليوم، تفصل في ما بينها مساحات شاسعة بسبب نزوح العمّال والتطور المدني. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بما أن كثيراً من المسنين الذين سوف يتقاعدون قريباً ليس لديهم إلا ولد واحد يعتمدون عليه نتيجة سياسة الطفل الواحد.

مع ذلك، على الرغم من هذه التحولات الديمغرافية، تشير التقديرات في هذا القطاع إلى أن نحو 3% فقط من المسنين الصينيين مستعدون أو قادرون على تحمّل تكلفة نوع الخدمات التي تقدمها شركات مثل "ليندليس"، إذ من المتوقع أن يظلّ معظم المسنين في منازلهم أو أن يدخلوا دور رعاية مدعومة من الدولة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تمثّل عدداً ضخماً من الزبائن المحتملين، نظراً إلى العدد الهائل من المسنين في الصين، فإن الأمر يطرح تحدياً أمام المستثمرين.

حتى شهر يونيو، لم تتمكن "ليندليس" من ملء إلا نحو ربع الشقق المئة الأولى في "أردور غاردنز" التي كانت قد طرحتها في السوق قبل 10 أشهر.

وكان معهد شيانغان للبحوث القطاعية قد أصدر تقريراً مؤخراً أفاد فيه بأن نسبة إشغال دور رعاية المسنين الخاصة، التي تقع بمجملها في المناطق الراقية، مثل دلتا نهر يانغتسي، يتراوح بين 27 و48%، وهو معدل لا يزال بعيداً جداً عن نسبة الـ85% التي يحتاج إليها المستثمرون من أجل بلوغ نقطة التعادل. ويُعزى تردد الزبائن في جزء منه إلى التكلفة العالية المرتبطة بارتفاع أسعار الأراضي، وعدم توافر سوق استثمارية ائتمانية عقارية، وهي تُعتبر وسيلة التمويل طويلة الأمد التي يعتمدها المستثمرون في مجال المنشآت العقارية الخاصة بالمسنين في أسواق الدول المتطورة في أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان.

من جهته، يرى دينغ من شركة "ليندليس" أن إقناع عشرات المسنين بالتخلي عن أموالهم مقابل مسكن مستأجر في "أردور غاردنز" أمر مهم، خصوصاً في ظلّ الوباء. واللافت أكثر حسب رأيه هو أن العقلية السائدة بين المسنين بأن عليهم أن ينفقوا أموالهم لشراء عقار من أجل توريثه لأبنائهم، بدلاً من أن ينفقوه على رفاهيتهم الشخصية، بدأت تتغير أخيراً.

بالتالي، يمثّل تانغ السبعيني الذي يستعد للانتقال إلى "أردور غاردنز" في سبتمبر، نوع المتقاعدين الذين يراهن عليهم المستثمرون، أي الأثرياء من ذوي العقلية المنفتحة والراغبين في الاستمتاع بخريف العمر.

وقال تانغ: "هدفنا لا يقتصر على إنفاق المال لشراء عقار ما، بل أن نحيا حياة ثانية مثيرة".