ورثة الأثرياء بآسيا يدعمون النساء في الأعمال التجارية

غريس طاهر، مديرة مجموعة مستشفيات "مايابادا" في إندونيسيا، التابعة لعائلتها
غريس طاهر، مديرة مجموعة مستشفيات "مايابادا" في إندونيسيا، التابعة لعائلتها المصدر: غريس طاهر
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما بلغت ابنة غريس طاهر 14 عاماً، جلست لتتحدث مع والدتها عن مسارها الوظيفي الذي تخطط له.

كانت حياة الترفيه دائماً خياراً للنساء في هذه العائلة ذات الصلة باثنين من المليارديرات الإندونيسيين، لكن الفتاة المراهقة قالت إنها تريد العمل، مثل والدتها. هذا الأمر آثار رغبة طاهر المتجددة في المساعدة في تقدم المرأة، ما دفعها إلى ضخ مزيد من التمويل في الاستثمارات التي تركز على النساء.

في ما يتعلق ببناتها الثلاث، قالت طاهر صاحبة الـ44 عاماً: "أكره أن أراهن في غضون 10 أو 20 عاماً، عند انضمامهن إلى القوى العاملة يواجهن نفس الوضع الذي أراه الآن، إذ يهيمن الذكور على أشياء كثيرة".

أسست طاهر شركات ناشئة، وهي الآن مديرة مجموعة مستشفيات "مايابادا" (Mayapada Hospital group) التابعة لعائلتها.

اهتمام طاهر بما يسمى "الاستثمار في عدسة النوع الاجتماعي" يشكل جزءاً من الاتجاه المتنامي بين الأُسَر الغنية في آسيا، إذ تخصص الأجيال الشابة التي ترث الثروة أموالها للعمل بطرق جديدة، قد تنتج عنها أيضاً تأثيرات إيجابية. من المفيد أن تدعم الأبحاث هذا النوع من الاستثمار، إذ تشير دراسات عديدة اليوم إلى أن التركيز على الشركات التي تحقق المساواة بين الجنسين قد يساعد مديري المحافظ على تحقيق تفوق في الأداء.

يعد نمو هذه الممارسة أمراً بالغ الأهمية بشكل خاص في المرحلة الحالية، خصوصاً أن "كوفيد-19" تسبب في تدهور مستوى المشاركة في القوى العاملة، والتفاوت في الأجور، والوصول إلى رأس المال، بين النساء والرجال. كما انخفض التمويل المقدم إلى مؤسِّسات الشركات من النساء بنسبة 31% العام الماضي، مقارنة بـ16% للفرق الذكورية بالكامل، وفقاً لمزود البيانات "بيتش بوك" (PitchBook).

الاستثمار بالنساء.. مصدر الذهب

معظم المستثمرين في مجال النوع الاجتماعي يبحثون عن ثلاثة مؤشرات رئيسية في الشركة. هذه المؤشرات هي: عدد النساء المشاركات في تأسيس الشركة، وعدد النساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية عليا، وما إذا كانت الشركة تقدم منتجات تخدم المرأة أو تتعلق بها بشكل ملموس.

استطاعت أدوات الاستثمار في مجال النوع الاجتماعي الموجهة إلى شرق وجنوب شرق آسيا إدارة 1.3 مليار دولار في عام 2019، حسب تقرير صدر في العام الماضي بالاشتراك مع شركة الاستشارات "كاتاليست آت لارج" (Catalyst at Large). ورغم أن هذا المبلغ لا يزال يمثل نسبة ضئيلة بالنسبة إلى مجال الاستثمار الأوسع نطاقاً، فقد وجد التقرير أن الاستراتيجية تكتسب زخماً سريعاً، ومن المحتمل أن يأتي جزء كبير من هذا الزخم من المكاتب العائلية السرية في آسيا.

على الصعيد العالمي، خُصص نحو 7.7 مليار دولار لأدوات الاستثمار في مجال النوع الاجتماعي في عام 2019. وعلى الأرجح ارتفع هذا الرقم إلى 20 مليار دولار تقريباً في عام 2020، إذ يرى مزيد من الناس أن الاستراتيجية هي "مصدر الأداء المتفوق"، وذلك حسب ما قالته سوزان بيجل، مؤسسة شركة "كاتاليست آت لارج".

كما أن الشركات ذات الفرق التنفيذية المتنوعة تحقق نمواً أفضل في المبيعات، فيما تشير الأبحاث إلى أن فرق الاستثمار ذات القيادة المتوازنة بين الجنسين تميل إلى التفوق في الأداء.

أحد الصناديق التي تركز على المرأة، والتي تعمل بشكل جيد، صندوق "سوغال فينتشرز" (SoGal Ventures)، الذي شاركت في تأسيسه بوكيت صن، صاحبة الـ30 عاماً ومقرها في بكين.

تقول صن إن 35 من أصل 38 شركة تنتمي إلى محفظتها الاستثمارية، تشارك في تأسيسها النساء. والجدير بالذكر أن صندوقها، الذي يدير أصولاً بقيمة 15 مليون دولار حقق معدل عائد داخلي بلغ 80% منذ تأسيسه في عام 2017. وتضيف صن: "في الاستثمار في المرأة ذهب".

حلول قابلة للتمويل

يأتي "تيجا فينتشرز" (Teja Ventures)، الذي أسسته فيرجينيا تان، ضمن الصناديق التي دعمتها غريس طاهر. وخلال فترة عملها في بكين، بنت تان، المحامية السابقة التي تعيش الآن في سنغافورة، مجتمعات لسيدات الأعمال للتواصل مع أقرانهن وسط الظهور الكبير للشركات الناشئة هناك.

في عام 2015، شاركت تان في تأسيس "شي لوفز تك" (She Loves Tech)، وهي شركة تدير مسابقة شعبية للشركات الناشئة والمؤسسين الذين يركزون على المرأة. ثم بدأت في ما بعد شركة "تيجا" جزئياً لمعالجة نقص رأس المال بين بعض المشاركين.

وفي ما يتعلق بالاستثمار في مجال النوع الاجتماعي، تقول تان: "ما رأيته في مجال التنمية هو أن هناك حاجة كبيرة لكن ليس هناك رأسمال، ما من شيء يجعله قابلاً للتمويل. فقد كان يُنظر إلى الأمر دائماً على أنه عمل خيري. التكنولوجيا تجعل كثيراً من هذه الحلول قابلاً للتمويل".

ركز أول صندوق بقيمة 10 ملايين دولار تابع لشركة "تيجا" على الصفقات الآسيوية في المرحلة الأولية. وكانت الشركات المندرجة ضمن محفظتها تضم سلسلة المطاعم النباتية الإندونيسية "بورغرينز" (Burgreens)، التي شاركت في تأسيسها امرأة، و"شيروز" (Sheroes) وهي شبكة اجتماعية هندية للنساء.

وفي عام 2020 استطاعت 80% تقريباً من الشركات التابعة لـ"تيجا" جمع تمويل جديد، وتضاعفت قيمة المحفظة، وفقاً لما تقوله تان. والآن تستعد هذه الشركات لبدء جمع مبلغ ثانٍ بقيمة 50 مليون دولار في وقت لاحق من هذا العام.

حتى المكاتب العائلية التي ليس لديها تفويضات صريحة للتنوع، تحاول المشاركة في تجربة جديدة.

تطالب ديانا واتسون، مديرة الاستثمار في مكتب عائلة تساو، بالإحصاءات المتعلقة بالنوع الاجتماعي لمجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين وفرق الصفقات في الشركات التي تسعى إلى الحصول على أموال العائلة. جدير بالذكر أن شركة واتسون تعمل على إدارة ثروة حققها أول رجل أعمال سنغافوري، الراحل فرانك تساو.

قالت واتسون: "إذا كان الأمر يتعلق بفرصتين متشابهتين للغاية، فقد يتسبب التنوع بين الجنسين بخسارة فرصة لصالح الأخرى، أو يؤدي إلى اختيارها".

تحويل الثروة

مما لا شك فيه أن الاستثمار في مجال النوع الاجتماعي ما زال يمثل جزءاً ضئيلاً من المشهد الاستثماري الأوسع نطاقاً. كما أنه ينطوي على بعض المخاطر الفريدة التي قد تعرقل تبنيه من قِبل المؤسسات الأكبر حجماً.

فمن ناحية، يمكن لمستوى بيانات التنوع البسيط الذي توفره الشركات جعل التحليل المفصل أمراً صعباً. كما أن عديداً من شركات رأس المال الاستثماري لا يزال يظهر تحيزاً تجاه مشاهدة -وبالتالي تمويل- العروض المقدمة من الفرق المكونة من الرجال فقط، وغالباً ما تهمل العروض المقدمة من النساء، بيد أن هذه المخاوف تعتبر أقل أهمية على الأرجح بالنسبة إلى الداعمين -مثل المكاتب العائلية- الذين يمكنهم "تحمل مزيد من المخاطر في الغالب" لأنهم أقل بيروقراطية من المؤسسات الاستثمارية، وفقاً لبيغل، من "كاتاليست آت لارج".

علاوة على ذلك، كان عديد من هؤلاء الداعمين الأثرياء من رواد الأعمال أنفسهم، و"لذا فإنهم يرون فرصاً لدعم رواد الأعمال الأكفاء والأذكياء".

مع بدء تحويل الثروات الهائلة إلى الجيلين الثاني والثالث من العائلات في آسيا، فإن مزيداً من الورثة على استعداد لاستخدام استراتيجيات أكثر حداثة، بل وأكثر خطورة أيضاً.

من خلال تقديم نهج أكثر انفتاحاً في منطقة لا تزال تناضل مع التنوع في العمل، دخل البعض عالم الاستثمار في النوع الاجتماعي صدفة، ليس إلا. لكن مع ذلك يبدو أن لدى هؤلاء استعداداً لتعميق مشاركتهم في ظل المكاسب التي يحققونها.

لم ينظر كيوك منغ شيونغ، حفيد الملياردير الماليزي روبرت كيوك، إلى الفرص من خلال عدسة النوع الاجتماعي، ومع ذلك فقد انتهى المطاف برئيس مكتب العائلة "كيه 3 فينتشرز" (K3 Ventures) ومقره سنغافورة، بدعم الشركات التي تقودها النساء. وهذه الشركات تشمل مطوراً أمريكياً لمادة البروبيوتك التي توجد عادة في حليب الأم، وشركة فيتنامية ناشئة في مجال النقل بالشاحنات.

قال كيوك، البالغ من العمر 40 عاماً: "اكتشفنا بالصدفة البحتة هؤلاء النساء المؤسِّسات اللواتي نكنّ لهنّ قدراً كبيراً من الاحترام. أعتقد أننا سنشهد استمرار حصول مزيد من الشركات عالية المستوى التي تقودها النساء على رأس المال المؤسسي".