بناء برج سكني قد يكون أفضل للمناخ من إنشاء حديقة

حديقة "إليزابيث ستريت" في نيويورك إذ تسعى المدينة لإضافة حديقة "إليزابيث ستريت" في نيويورك، كما تسعى المدينة لإضافة 123 وحدة سكنية جديدة في مساحتها
حديقة "إليزابيث ستريت" في نيويورك إذ تسعى المدينة لإضافة حديقة "إليزابيث ستريت" في نيويورك، كما تسعى المدينة لإضافة 123 وحدة سكنية جديدة في مساحتها المصدر: غيتي ايمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بواسطة: جيرنو واغنر- بلومبرغ

يتسبَّب تغيُّر المناخ بأضرار للمناطق في أنحاء المعمورة. ففي الأسابيع القليلة الماضية فقط، ضربت درجات الحرارة شديدة الارتفاع، والفيضانات، والحرائق أماكن مختلفة من العالم، لتبدو جميعها وكأنَّها جزء من الوضع "غير الطبيعي" الجديد، كما أنَّ أماكن قليلة فقط تبدو آمنة أمام هذه التغييرات.

من جهتها، تُصدر مدينة نيويورك التنبيهات المتتالية المتعلِّقة بجودة الهواء فيها، وذلك بسبب حرائق الغابات الواقعة على بعد 3 آلاف ميل (1 ميل = 1,6 كم) غرباً من المدينة.

كذلك، فقد أصبحت سياسات المناخ تمس الحياة الشخصية للأفراد أكثر فأكثر، و لايوجد شيء أكثر شخصية من سياسات الإسكان، التي تحدد أين وكيف نعيش؟

العودة للمدن

من الواضح أنَّ السكن في المدن يخفِّض الكربون، وذلك بحوالي 50% مقارنة بالإقامة في الضواحي. وبما أنَّ المدن تمثِّل جزءاً من الحل بالنسبة لأزمة تغيُّر المناخ، فإنَّه يتوجب علينا بالطبع تمكين المزيد من الناس من العيش فيها. وربما كان الهروب من المدن إلى الضواحي خلال الوباء أمراً مبالغاً فيه بشكل كبير، إلا أنَّ هذا لا ينفي أنَّ على المدن أن تقوم بالكثير في هذا الصدد. وتتمثّّل المهمة الأولى ببناء المزيد من المساكن.

في مدينة نيويورك (حيث أسكن), انخفض المتاح من وحدات الإسكان متأثِّراً بالتغيرات في معدلات التوظيف. وقد ارتفع معدل الوظائف هنا بنحو 28% خلال 15 عاماً، الممتدة بين الفترة السابقة للركود الاقتصادي الكبير في 2008 حتى قبل أن يضرب فيروس "كوفيد" البلاد، لكنَّ الوحدات السكنية في المقابل، ارتفعت خلال هذه الفترة بنسبة تزيد قليلاً عن 8% فقط. وهذا التناقض غير المستدام، دفع أسعار المنازل للارتفاع المتزايد، كما دفع أيضاً بأعداد أكثر من الناس ليتجهوا من المدن إلى الضواحي، مما قاد بدوره لزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء هذه العملية.

المزيد من المساكن

هذه الأمور لا بدَّ أن تكون معروفة بالنسبة لسكان المدينة من الليبراليين والمثقَّفين، والذين هم من الأثرياء أيضاً، ممن يسكنون في أماكن، مثل "سوهو"، و"نوهو" في مانهاتن السفلى بنيويورك. لكن هذا لا يجعل بناء المزيد من المنازل أمراً أكثر سهولة. فهذه الأحياء تعدُّ موطناً لـ8 آلاف شخص فقط من سكان المدينة البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، وتتوفَّر فيها مساحة كبيرة كافية لإضافة المزيد من المساكن. وبالفعل؛ هذا بالضبط ما تخطط مدينة نيويورك للقيام به، إذ تهدف لإضافة 3 آلاف و200 وحدة جديدة، وقد تمَّ تصنيف حوالي 800 منها على أنَّها ميسورة التكلفة. بالإضافة إلى ذلك؛ فإنَّه من المقرَّر بناء مئة و23 وحدة بأسعار معقولة في موقع يعرف الآن باسم "إليزابيث ستريت غاردن"، وهي حديقة مجتمعية تقع على قطعة أرض تبلغ مساحتها فداناً واحداً تقريباً، ومملوكة للمدينة.

وفيما قد لا يعدُّ استبدال مساحة خضراء بمبانٍ من الوحدات السكنية أمراً مثالياً؛ فإنَّ توفير المزيد من وحدات الإسكان ذات المستوى الأفضل في المدن يتطلَّب اللجوء لهذا النوع من المقايضات، ولن يُحرم أي شخص من الوصول إلى المساحات الخضراء بسبب هذا التطور، إذ يوجد منتزهان على بعد دقيقتين من حديقة "إليزابيث ستريت". أحد المنتزهين صغير المساحة، لكنَّه يضمُّ ملعباً هائلاً، والثاني يمتد على مساحة 8 فدانات تقريباً، ويضمُّ 4 صالات رياضية، وملعبين لكرة القدم، كما يتمُّ فتح المنتزهين بعد الساعة 6 مساءً، بعدما تغلق المنظمة التي تدير "إليزابيث ستريت غاردن" البوابات.

في الوقت نفسه، يشمل التطوير المقترح على حوالي 6 آلاف و600 قدم مربعة (1 قدم مربع = 0.9 متر مربع) من المساحات الخارجية المفتوحة. وقد استطاع مخطط إعادة تقسيم الحديقة من الحصول على موافقة مجلس المدينة بالفعل، وهو يخضع الآن لدعاوى قضائية إضافية، في حين لم يحصل مخطط إعادة تقسيم مناطق "سوهو-نوهو" على الموافقة بعد.

تضحيات ضرورية

وبالفعل؛ فإنَّ حديقة "إليزابيث ستريت" مكان رائع، وأنا شخصياً أزورها مرة واحدة على الأقل أسبوعياً مع أطفالي لتناول طعام الغداء فيها، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير لوقوعها في مكان مناسب على طريق عودتنا إلى المنزل من مخبزنا المفضَّل لبيع الـ"بيغل". لكن، بعد عامين من الضوضاء والأتربة الصادرة عن أعمال البناء (وهو أمر يشكِّل في حدِّ ذاته سبباً لاعتراض بعضهم على أيِّ نوع من عمليات التطوير)، سيكون لدينا الكثير من المساحات المفتوحة لتناول خبز الـ"بيغل" المفضَّل لدينا في الموقع نفسه تقريباً، مع ميزة إضافية تتمثَّل بمعرفتنا بأنَّ 123 شخصاً من كبار السن قد وجدوا مكاناً يعيشون فيه.

في حين يتمثَّل العائق الأكبر أمام هذه المشاريع، كما هو الحال بالنسبة لتطبيق سياسات المناخ على نطاق واسع، هو عدم التناسق بين جماعات الضغط وأهدافها المختلفة، فكما قال الكاتب نيكولو مكيافيلي ساخراً في عام 1532: "كل مبتكر، لديه أعداء ممن كانوا يبلون جيداً في الظروف القديمة، فضلاً عن مدافعين غير متحمسين ممن قد يبلون جيداً في ظل الظروف الجديدة". ومع أنَّ الـ 123 شخصاً من كبار السن، في حال وُجدوا بشكل جماعي، قد يتفوَّقون بالعدد في أيٍّ من الاجتماعات المحلية، على معارضي المشروع من أصحاب مبدأ "ليس في عقر داري"، أو ممن يسمون بالـ"نيمبيز"، إلا أنَّهم لا يفعلون ذلك؛ لأنَّهم لا يعرفون بعد ما إذا كانوا سيجدون بالفعل شقة للسكن في منطقة "سوهو" أم لا، ولذلك فمن غير المرجَّح أن يكونوا من المدافعين بشكل فعَّال عن بناء المساكن الجديدة.

إعادة تخطيط

يتمثَّل الاختبار الأبرز لجهود إعادة تقسيم المناطق في نيويورك، والتخطيط الحضري على نطاق أوسع عموماً، فيما إذا كان توفُّر الإسكان الجديد والأفضل يمكن أن يحفِّز العائلات الشابة مستقبلاً على اختيار العيش في المدينة، بدلاً من السكن بالمجمَّعات الجديدة في الضواحي. فحتى أكثر أنواع الزحف العمراني خضرة، ما تزال تشكِّل زحفاً عمرانياً. وهذه هي المقايضة الحقيقية بين الإسكان والمناخ، وهي مقايضة يمكن لنيويورك ومدن أخرى أن تُحدث فرقاً أكبر فيها للمساعدة في خفض الكربون، ودفع المزيد من الأشخاص للانتقال إلى نيويورك.