بسبب الوباء.. تقنيات رقمية لمراقبة الصيد الجائر للأسماك

صيد سمك التونة ذو الزعنفة الصفراء المجمد في فيكتوريا على شاطىء جزيرة ماهي، سيشيل.
صيد سمك التونة ذو الزعنفة الصفراء المجمد في فيكتوريا على شاطىء جزيرة ماهي، سيشيل. المصدر: جيسون هيوستن/ منظمة الحفاظ على الطبيعة (The Nature Conservancy)
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبح مراقبو الحماية البحرية يستخدمون تقنيات لمراقبة قوارب الصيد عن بعد، بسبب الوباء، بدلاً من الصعود على متن السفن، والمخاطرة بالتقاط العدوى. في الوقت الذي تواجه أساطيل الصيد التجاري قفزةً في الطلب على التونة المعلَّبة، في وقت منع تفشي فيروس كورونا، هيئة الرقابة الخاصة بالصناعة والمجموعات البيئية من إرسال موظفيها على متن قوارب الصيد لمراقبة مدى استدامة الصيد. وعادةً، يقضي هؤلاء المراقبون شهوراً على متن السفن في جمع البيانات، ومراقبة النشاط غير القانوني.

وبدلاً من ذلك، أصبحت المنظمات تستخدم كاميرات الفيديو المثبَّتة على بعض السفن، وأجهزة الاستشعار والأنظمة التي تستخدم خوارزميات لرصد أنواع الأسماكن والحياة البحرية المختلفة، على غرار الطريقة التي تحدد بها شركة "فيسبوك" الأشخاص الذين يتمُّ الإشارة إليهم في الصور.

وذلك بحسب ما قاله مارك زيمرينج، مدير برنامج الصيد الواسع النطاق في "منظمة الحفاظ على الطبيعة" (The Nature Conservancy)، وهي منظمة بيئية غير ربحية، مقرها الولايات المتحدة.

وتستهدف تلك التقنيات، التأكد من أنَّ القوارب لا تقدِّم تقارير خاطئة عن محتويات وكميات الصيد الخاص بها، والتأكد من إطلاق الأنواع المعرَّضة للخطر، مثل السلاحف وأسماك القرش، وإعادتها إلى البحار بأمان، عندما يتمُّث صيدها عن طريق الخطأ أو الصدفة. كما تُستخدم أيضاً صور الأقمار الصناعية، وأدوات التعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي للكشف عن ممارساتٍ، مثل صيد سمك القرش غير القانوني، والانتهاكات العمّالية.

ويتعين على مالكي سفن الصيد الموافقة والتعاون لتثبيت هذه المعدات واستخدامها، لإظهار التزامهم بالقواعد المصمَّمة لوقف الصيد غير القانوني، أو غير المبلغ عنه، أو غير المنظم. والسماح بهذا التدقيق الإضافي يبرهن على تلبية سفن الصيد للمتطلبات البيئية للحكومات والمشترين الكبار، الذين يطالب عملاؤهم بشكل متزايد بإثبات أنَّ طعامهم يتمُّ إنتاجه بصورة مستدامة. كما يساعد الوصول إلى البيانات أيضاً على زيادة كفاءة أساطيل الصيد.

وتتطلب عملية المراقبة عن بعد، تعاون طاقم السفن. فعلى سبيل المثال، قد يُطلب من الصيادين إحضار أسماك القرش إلى محيط مشهد الكاميرا لتصويرها قبل إطلاقها إلى البحر مجدداً. وتحتوي الأنظمة على أجهزة إنذار لمنع التلاعب بها.

وقال زيمرينج في مقابلة عبر الفيديو من كاليفورنيا: "لقد بدأنا حقاً نشهد تحوُّل الزخم بشأن المراقبة الإلكترونية، ويعدُّ فيروس (كوفيد-19) مساهماً رئيسيَّاً في ذلك. إذ لا يمكن للأنظمة الإلكترونية أن تمرض، ولا يمكن أن تتسبب في نقل العدوى إلى طاقمك، ولا يمكن أن تتعرض للتلف أو التهديد.".

وتبلغ تكلفة أنظمة المراقبة ما بين 14 ألف إلى 24 ألف دولار سنوياً لكلِّ سفينة، مع إنفاق حوالي 40% إلى 60% من الأموال على تحليل البيانات واللقطات التي تمَّ جمعها. هذه التكلفة تجعلها بعيداً عن متناول مئات الآلاف من الصيادين الحرفيين في الدول النامية مثل إندونيسيا، التي تشكِّل معاً نصيباً كبيراً من حجم الصيد العالمي. وحالياً، فإنَّ أقل من 2000 سفينة من أصل 100 ألف سفنية صيد كبرى على مستوى العالم مجهزة بهذه الأنظمة فقط.

ويقول مارك زيمرينج من "منظمة الحفاظ على الطبيعة": "لقد بدأنا في سفن صيد الأسماك الكبيرة؛ لأنها تستطيع تحمُّل التكاليف والمعاملات المالية بشكل أفضل. ومع نموّ طلب المستهلكين على الصيد المستدام، واعتماد المزيد من الأساطيل الكبيرة لهذه التكنولوجيا، ستنخفض التكاليف، وسيجعلها ذلك متاحة على نطاق أوسع. أمَّا بالنسبة لقوارب الصيد المحلية، فتتم تجربة تطبيقات أرخص تعمل عبر الهاتف".

ففي إندونيسيا، تعمل المجموعة البيئية مع الصيادين باستخدام تقنية "فيش فيس" (FishFace)، وهو نظام يجمع بين تقنية التتبع المنخفضة التكلفة عبر الأقمار الصناعية، وكاميرات الهواتف الذكية لتصوير الصيد.

ومن جهة أخرى، تلعب الحكومات دوراً في الدفع نحو تحقيق الصيد المستدام. ومنها كانت ولايات ميكرونيسيا المتحدة، وهي الدولة التي تحتل المرتبة 14 في العالم من حيث المساحة الاقتصادية الحصرية في البحار المحيطة بجزر المحيط الهادئ، التي التزمت بمراقبة المياه بنسبة 100% في عام 2018. كما قطعت سيشيل وعداً مماثلاً هذا العام، لتنضمَّ بذلك إلى دولٍ، مثل أستراليا، وتشيلي، ونيوزيلندا.

ويمكن للجيل الأول من أدوات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي تحديد وجود الأسماك على سطح السفينة أو غيابها. وستكون المرحلة التالية هي تحديد حجم المصيد وأنواع الأسماك.

المراقبة الإلكترونية أمر لا مفرَّ منه

يجبر الوباء الهيئات التنظيمية على الحدِّ من عدد الأشخاص الموجودين على متن القوارب وفي الموانئ. ومن ثَمَّ، فإنَّ "هيئة غرب ووسط المحيط الهادئ للصيد" (WCPFC)، التي تشرف على المياه في هذه المنطقة، التي يتم فيها صيد ثلثي أسماك التونة في العالم؛ كانت أعلنت في أبريل، مطالبتها بوجود مراقبين على متن بعض السفن التي تشارك في "الصيد بالشباك العائمة"، وهي طريقة تتضمن استخدام شبكات صيد متدلية من القارب.

وتظهر بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أنَّ حوالي ثلث مصايد الأسماك في العالم تتعرض للصيد الجائر، في حين أنَّ 60% منها يتم صيدها بالكامل. الأمر الذي يهدِّد النظم البيئية البحرية التي تعاني بالفعل من ظاهرة الاحتباس الحراري، والتلوث، والتحمض. كما تقِّدر "Global Fishing Watch" أنَّ أكثر من 23 مليار دولار من المأكولات البحرية يتم الحصول عليها من المحيط كل عام من خلال الصيد غير القانوني، وغير المبلغ عنه، وغير المنظم.

ووفقاً لزيمرينج، فإنَّ عدم وجود بيانات مراقبة شاملة يعني أنَّ أكثر من 95% من النشاط غير القانوني في مصايد الأسماك يحدث داخل أساطيل مرخَّصة. وأضاف أنه تتم مراقبة 2% فقط من صيد التونة في المحيط الهادئ. إذ يتم إنزال حوالي مليار خطاف في المحيط من قبل سلسلة طويلة من قوارب صيد الأسماك كل عام.

وأضاف زيمرينج: "نحن بحاجة إلى مزيد من المعلومات الدقيقة حول ما يحدث على متن هذه القوارب لنثق بأنَّّ منتجات المأكولات البحرية القادمة من هذه القوارب، قد تم جلبها بصورة قانونية، ومستدامة، وبدون مشاكل عمَّالية. لقد بدأت الحوارات حول المراقبة الإلكترونية تتحول من" كونها أمراً مستحيلاً" إلى" أنَّها أمرٌ لا مفرَّ منه".