"بيميكس" المكسيكية تبني مصفاة نفط بمنطقة بيئية رغم تعهدها بحمايتها

موقع مصفاة بيميكس دوس بوكاس في تاباسكو مايو 2019
موقع مصفاة بيميكس دوس بوكاس في تاباسكو مايو 2019 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشهد مشروع "دوس بوكاس" لبناء مصفاة نفط جديدة ضخمة في عصرٍ يركز على الطاقة المتجددة تأخير في التنفيذ عن الجدول الزمني وزيادة في التكلفة عن التوقعات.

وأشارت وثائق عامة إلى أن "دوس بوكاس" الذي يمثل أهم مشروعات الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، والذي يُبنى في مسقط رأسه بولاية تاباسكو بمنطقة غابات تعهدت شركة النفط الحكومية المسؤولة عن المشروع بحمايتها.

تُظهر الوثائق، التي لم يتم الإبلاغ عنها من قبل، عن تعهد عملاق النفط الحكومي "بتروليوس ميكسيكانوس" في عامي 2006 و2007 بالحفاظ على المنطقة التي تضم غابات المنغروف النادرة مقابل حق التنقيب عن النفط بالقرب منها.

موافقة مشروطة

وكشفت الوثائق عن منح وزارة البيئة شركة "بيميكس" ترخيص يسمح لها بتطوير مكامن النفط والغاز لمدة 20 عاماً بشرط عدم بناء أي شيء جديد في المناطق المجاورة التي تحتوي على نباتات وحيوانات نادرة.

تعد المنطقة موطناً لأربعة أنواع من أشجار المنغروف الساحلية، التي تمتص الكربون أكثر من معظم الأشجار وتحمي من الفيضانات، بالإضافة إلى 23 نوعاً من الحيوانات المحمية، حسبما ذكرت "بيميكس" في تقييم الأثر البيئي للمنطقة عام 2006.

وذكرت "بيميكس" في تقييم الأثر البيئي للمشروع، أن الحفاظ على الغطاء النباتي على الساحل "يعد أولوية". ووعدت الشركة باعتبار جميع أشجار المنغروف "منطقة استخدام مقيد" لن تقوم فيها ببناء أو تنفيذ أية أنشطة باستثناء صيانة المنشآت القائمة.

يسمح ترخيص العمل بتشغيل الاحتياطات فقط، حيث أعلنت وزارة البيئة في عام 2007 أنه "لن يُسمح لبيميكس بتطوير مشاريع وأنشطة في تلك المناطق" التي تحتوي على أشجار القرم وأنواع أخرى من النباتات، وأن الشركة "عليها الالتزام بكافة إجراءات الوقاية والتخفيف التي اقترحتها في تقييم الأثر البيئي" وكذلك تعهداتها في الوثائق الأخرى المدرجة في التقييم الخاص بالمشروع.

مخالفة الاتفاق

تشير إحداثيات خرائط الأقمار الصناعية لمنطقة المشروع حسب الوثائق التي تحققت "بلومبرغ" منها بمساعدة "بلانيت لابس" المتخصصة في تقديم خدمات التصوير عبر الأقمار الصناعية ومقرها سان فرانسيسكو بالإضافة للخرائط، إلى التأكيد بما لا يدع مجالاً للشك أن المصفاة الجديدة تقع داخل المنطقة المحمية.

استشارت "بلومبرغ نيوز" أربعة محامين متخصصين في البيئة، وأكدوا استمرار سريان العمل بتعهد الشركة الامتناع عن تطوير الأرض وهم: فرناندا فيلاسكو وأدريانا ميراندا، وكلاهما عمل في جهات تنظيمية حكومية، ودانييل باسورتو المنسق السابق للأعمال البيئية بنقابة المحامين المكسيكية، وجوستافو ألانيس مدير المركز المكسيكي لقانون البيئة.

قالت فيلاسكو: "إن بيميكس ملزمة بالامتثال لتلك الشروط طوال مدة المشروع" الذي يمتد لعشرين عاماً. فيما قال باسورتو، إن التزام الشركة بالحفاظ على المنطقة كان ممكن نظرياً استبداله باتفاق أو توجيه لاحق لكنه لم يكن يعلم بأي تغيير من هذا القبيل.

لم تستجب "بيميكس" ولا وزارة البيئة لعدة طلبات للتعليق. كما رفض مكتب الرئيس التعليق.

قطع أشجار المنجروف

كشفت إحدى منظمات المجتمع المدني في عام 2019 عن وجود عمليات قطع لأشجار القرم بشكل غير قانوني في موقع "دوس بوكاس" ما أدى إلى تغريم "وكالة الأمن والطاقة والبيئة" (ASEA) الذراع التنظيمي لوزارة البيئة للشركة.

وتظهر صور الأقمار الصناعية استمرار قطع أشجار المنغروف بعد بدء "بيميكس" بناء المصفاة.

تعهد الرئيس لوبيز أوبرادور المعروف اختصاراً باسم "أملو" بإعادة هيكلة شركة "بيميكس" المثقلة بالديون وعودتها لما كانت عليه من قبل كمحرك للاقتصاد المكسيكي. ويرى "أملو" في ذلك الإطار، أن المصفاة مهمة للمشروع وتحقيق أمن الطاقة للبلاد.

الاكتفاء الذاتي

قال "أملو" في تصريحات أثناء زيارته للموقع العام الماضي: "نريد تحقيق الاكتفاء الذاتي"، وأشار إلى أنه لولا "دوس بوكاس" وإصلاح ستة مصافي أخرى "لكنا فقط نحفر الآبار ونبيع النفط الخام للخارج ونشتري المزيد والمزيد من البنزين".

ودائماً ما يصف "أملو" المصفاة بالعمل الرائع، وكثيراً ما يعرض مقاطع فيديو للمشروع في مؤتمراته الصحفية الصباحية والتي تُظهر مقاطع غالباً ما تكون متحركة لعمال ينطلقون والعديد من الرافعات التي تبني أبراج احتراق وقباب خرسانية على مساحة من الأرض الترابية تحيط بها غابة على مرمى حجر من البحر.

صرح لوبيز أوبرادور عند زيارته للمشروع في مايو أثناء وقوفه بالقرب من البحر: "هذه أرضي ومائي. نمضي في إقامة مصفاة دوس بوكاس والعمل بتلك الطريقة متعة وواجب في نفس الوقت".

تحديات أمام المشروع

لم يصوت الناخبون في مقاطعة بارايسو، حيث يقع المشروع لحزب "مورينا" التابع للرئيس "أملو" في الانتخابات المحلية الشهر الماضي على الرغم من الوظائف العديدة التي يوفرها المشروع ليفقد الحزب الحاكم سيطرته على رئاسة بلدية المدينة لصالح حزب "الثورة الديموقراطية" اليساري الذي كان ينتمي إليه "أملو" من قبل.

يواجه المشروع تحديات. فبعدما كان من المفترض افتتاحه للعمل في عام 2022 تشير أحدث خطة لشركة "بيميكس" بدء عملياتها بالكامل في عام 2023.

ورغم اعتبار العديد من الاقتصاديين تكلفة المشروع التي تصل إلى 8 مليارات دولار مرتفعة للغاية. تشير أحدث التوقعات إلى أن التكلفة ستزيد على 10 مليارات دولار.

إجراءات معادية للبيئة

غالبًا ما يدعم "ألمو" شركات الطاقة الحكومية على حساب البيئة. حيث تعرَّضت عشرات من مشاريع الطاقة المتجددة لتحديات عديدة في الوقت الذي تستهلك فيه مرافق الدولة الوقود مرتفع الكبريت الملوث بشكل كبير كما تم إعادة افتتاح مصنع للفحم العام الماضي.

وكذلك تعرضت شركة "بيميكس" لاعتراضات دولية أوائل يوليو بعدما تسبب تسرب للغاز في حريق بمياه البحر في خليج المكسيك رغم نفي الشركة حدوث أية أضرار بيئية.

على الجانب الآخر من ذلك التوجه، ينتظر إعلان حاكم ولاية سونورا المنتخب والعضو السابق في مجلس وزراء "أملو" هذا الشهر عن استثمار بقيمة 1.7 مليار دولار لبناء ثامن أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم.

كما أن هناك مشروع بتكلفة 3.4 مليار دولار لإعادة تشجير مساحات شاسعة من الأدغال ولكن ذلك المشروع شجع بطريق الخطأ الاتجاه لعدم إعادة تشجير الغابات على نطاق واسع.

وفي المقابل، أثار المشروع الرئيسي الأخر للبنية التحتية الذي يتبناه الرئيس والمتمثل في إنشاء خط سكة حديد سياحي جنوب شرق البلاد جدلاً واسعاً بشان تهديد المشروع للغابات المطيرة وموطن مئات النمور المهددة بالانقراض.

أظهرت دراسة أعدها "معهد البترول المكسيكي" الحكومي لصالح "بيميكس" عام 2008، أن مشروع "دوس بوكاس" يعد الأسوأ من بين سبعة مواقع محتملة تم دراستها لإنشاء المصفاة الجديدة لأسباب بيئية واجتماعية بما في ذلك وجود غابات المنغروف وخطر الفيضانات.