هجرة الكوادر من "بوينغ" تهدد التعافي بعد أزمة "737 ماكس"

 مع بروز عصر الفضاء الجديد وبدء التعافي المبدئي لقطاع الطيران من الوباء أصبحت مكانة الشركة الممتدة لقرن من الزمان كواحدة من الأبطال الأمريكيين البارزين في مجال الطيران موضع تساؤل
مع بروز عصر الفضاء الجديد وبدء التعافي المبدئي لقطاع الطيران من الوباء أصبحت مكانة الشركة الممتدة لقرن من الزمان كواحدة من الأبطال الأمريكيين البارزين في مجال الطيران موضع تساؤل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تضع "بوينغ" سمعتها الهندسية المتضررة على المحك مجدداً الأسبوع الجاري عندما تنطلق مركبتها الفضائية "ستارلاينر" من فلوريدا محملة بالإمدادات لمحطة الفضاء الدولية.

وتعد المهمة تكراراً لرحلة 2019 التي انتهت بكارثة، وبمثابة تجربة أداء لأول رحلة لكبسولة "بوينغ" مع رواد فضاء في وقت لاحق من العام الجاري، وإذا نجحت، ستضيق الفجوة مع المنافسة الصاعدة "سبيس إكس"، وستنافس أحدث أعمال الفضاء البطولية من قبل المليارديرين المؤسسين لـ"بلو أوريجن"، و"فيرجين غالاكتيك".

تعرف على هذه القصة:

التحدي الكبير

قد تساعد الرحلة القوية لـ"ستارلاينر" أيضاً على صرف الانتباه عن مشكلة محتملة تواجهها "بوينغ" على الأرض ألا وهي نزوح بعض مهندسي الشركة الأكثر خبرة، وهو ما يهدد تعافيها من صدمات منع طائرات "ماكس 737" من الطيران بعد الحوادث المميتة، وتراجع السفر الجوي العالمي وسط انتشار فيروس كورونا.

وقال أندرو ألدرين، مدير معهد ألدرين للفضاء في معهد فلوريدا للتكنولوجيا: "من الصعب ألا نبالغ في تقدير أهمية الأمر".

منذ بداية العام، غادر أكثر من 3,200 مهندس وعامل فني مركز تصنيع الطائرات في سياتل، أي حوالي 18% من النقابة التي تمثلهم، وأضافت الشركة عددا ضئيلا فقط بدلاً منهم. تهدف "بوينغ" إجمالاً إلى خفض العمالة بمقدار 23 ألف موظف - بدءاً من لجنتها التنفيذية إلى المصنع - من خلال تسريح العمال ومبادرات التقاعد المبكر التي أطلقتها العام الماضي حين تكبدت خسائر مالية قياسية.

غادر المهندسون الشركة التي ابتعدت عن الروح التي منحت العالم طائرة "747 جامبو" وصاروخ "ساتورن" من عصر أبولو. على مدى العقد الماضي، أبهر المديرون التنفيذيون المهووسون بالتكلفة في شركة "بوينغ" وول ستريت بضخ أكثر من 40 مليار دولار في عمليات إعادة شراء الأسهم، وجعلت هذه الإستراتيجية شركة "بوينغ" من أفضل الشركات أداء في مؤشر داو جونز الصناعي لفترة، لكنها تركت الشركة الصناعية غير مهيأة للأوقات الصعبة والتهديدات التنافسية الجديدة.

والآن، مع بروز عصر الفضاء الجديد وبدء التعافي المبدئي لقطاع الطيران من الوباء، أصبحت مكانة الشركة الممتدة لقرن من الزمان كواحدة من الأبطال الأمريكيين البارزين في مجال الطيران موضع تساؤل.

تعهد المدير التنفيذي الجديد لشركة "بوينغ"، ديف كالهون، بإعادة عملاقة الطيران إلى جذورها كشركة تتمحور حول الهندسة، فيما يعيد صياغة استراتيجيتها تجاه عصر القيود الوبائية المخففة. كانت هناك زيادة في التوظيف لتعويض المواهب المفقودة ومعالجة النقص في البرامج، لكن سلسلة من عيوب الإنتاج في جوهرة التاج "787 دريملاينر" طغت على تلك المبادرة.

قال رون إيبستين، المحلل في "بنك أوف أمريكا"، والذي كان عالماً في "بوينغ" في أوائل حياته المهنية: "نتساءل إذا كانت "بوينغ" تعاني من هجرة العقول الهندسية؛ إذ إنه على الأغلب غادر عدد كبير جداً من كبار المهندسين بالشركة في السنوات الماضية، وفي نفس الوقت لم تملأ اتجاهات التوظيف المشهودة مؤخراً هذه الفجوة".

ولم تطل تخفيضات الوظائف وحدات الفضاء والدفاع التي تمولها الحكومة، بل واصلت الشركة الصناعية في التوظيف خلال أسوأ فترات التباطؤ العام الماضي، بما في ذلك تعيينات المهندسين. وعندما سُمح لطائرة "737 ماكس" بالتحليق مرة أخرى وانتعش السفر الجوي في الولايات المتحدة مجدداً، قلصت الشركة التي تتخذ من شيكاغو مقراً لها مستهدفات خفض الوظائف بما لا يقل عن 3,000 وظيفة، وهي أهداف يمكن أن تُخفض مرة أخرى مع تحسن ظروف العمل. نظمت "بوينغ" معرض توظيف افتراضي الشهر الجاري لاستقطاب مهندسي الإنتاج وأنظمة الطائرات في منشآتها في سياتل.

طائرة "بوينغ 777" المحدثة تصطدم بمخاوف جديدة تتعلق بالسلامة

وعلاوة على ذلك، تواجه "بوينغ" تحولا طويلا منذ سنوات ومنافسة مكثفة في أعمالها التجارية الخاصة بالطائرات التجارية من منافستها اللدودة "إيرباص"، التي حققت مبيعات رائدة، وفي ظل عودة مبيعات الطائرات بشكل أسرع من المتوقع وتزايد الضغط لإطلاق طائرة نفاثة جديدة متوسطة المدى، ستكتشف شركة "بوينغ" قريباً ما إذا كانت خفضت الوظائف بشكل أكثر من اللازم أم لا؟

جاذبية المنافسين

فقدت "بوينغ" أعدادا كبيرة من العاملين الذي تدفقوا إلى الشركات الشابة مثل "أمازون"، و"سبيس إكس"، اللتان تحققان إنجازات تكنولوجية بسرعة خاطفة، ويعمل حوالي 1,100 عامل سابق في "بوينغ" لصالح عملاقة التجارة الإلكترونية الواقعة في "سياتل" حالياً، حسبما أظهر تحليل لبيانات "لينكدإن"، ويعمل حوالي 200 عامل سابق في "بوينغ" في مشروع الفضاء الخاص بإيلون ماسك، كما كانت "مايكروسوفت "، و"نورثروب غرومان"، و"لوكهيد مارتن" نقاط جذب شائعة.

ويقول ألدرين إن هؤلاء الذين انضموا إلى "سبيس إكس"، ويتحملون أيام عملها الشاقة التي تصل إلى 20 ساعة تقودهم المثالية على الأغلب. فبعد كل شيء، أسس ماسك الشركة بهدف عظيم وهو جعل السفر عبر الكواكب ممكناً وهو ما قد ينقذ الجنس البشري في يوم من الأيام.

في أمازون، تكون النقود في أغلب الأحيان هي عامل الجذب، إذ يتمكن محترفو "بوينغ" في منطقة سياتل من الحصول على دفعة كبيرة في الأجر عند الانضمام لتاجر التجزئة الإلكترونية دون الحاجة إلى نقل عائلاتهم، حسبما قال شخصان مطلعان على الأمر، ولا عجب في أن "أمازون"، مثل "سبيس إكس"، تمثل عالم الاقتصاد الجديد.

موسم الهجرة

توظف أمازون العاملين في "بوينغ" ذوي الخبرات الكبيرة في العمليات للعمل لديها حيث تتضافر أعمال البشر والروبوتات معاً بكد في المخازن العملاقة. على سبيل المثال، بعد أن قاد والت أوديشو مجهودات رفع كفاءة "بوينغ" لتصنيع "737" تقاعد من "بوينغ" في مارس، والتحق بـ"أمازون" بعد أسابيع كنائب للرئيس، وفقاً لحسابه على "لينكدإن".

كما قاد ديفيد كاربون، أحد المخضرمين القدامى في "بوينغ"، عمليات الشركة في ساوث كارولينا وقدم أكبر طراز من "787 دريملاينر" إلى العالم. لكن يشرف حالياً على وحدة "أمازون" التي تطور أسطولا من الطائرات بدون طيار لنقل الطلبات إلى المتسوقين.

شعر كاربون بالسعادة عندما التحق زميله السابق، بوب ويتينغتون بمنصب نائب رئيس شركة "برايم إير" (Prime Air) للتكنولوجيا والهندسة في نوفمبر، وكان ويتينغتون، كبير المهندسين السابق في برنامج 787، من بين الموجة الأولى من العمال الذين غادروا "بوينغ" العام الماضي عندما أدى الوباء إلى تدمير المبيعات، لكنه لم يبق متقاعداً لفترة طويلة، وانضم إلى أمازون بعد أشهر كما يظهر موقع لينكد إن. ووصف كاربون بوب، المخضرم الذي عمل في "بوينغ" لمدة 33 عاما، بحماس قائلاً في منشور على الإنترنت: "بوب هو أسطورة في عالم الطيران".

وفي ويتينغتون، أغرت أمازون شخصاً يجري حب الطيران في عروقه، وكان والده المسمى أيضاً بوب ويتينغتون، أحد مهندسي شركة "بوينغ" الذين صمموا قاذفة القنابل "B-52" خلال نهاية أسبوع في عام 1948.

قال ويتنينغتون الابن في مقابلة في مجلة تغطي الشركات في 2013: "هناك الكثير من الأشخاص الأذكياء الذين يعملون هنا ويمكنهم اختيار كسب أموال أكثر من خلال عمل شيء آخر.. لكنهم يحبون الطائرات، وعندما تحلق طائرة، فإنهم جميعا ينظرون لأعلى".

هبط ما لا يقل عن 32 مهندسا من شركة "بوينغ" على وحدة "برايم إير" لخدمة طائرات الشحن بدون طيار التابعة لشركة "أمازون"، وتم توظيف معظمهم خلال العامين الماضيين. وفي الواقع، تفوقت "أمازون" على شركة "بوينغ" كأكبر شركة توظيف في واشنطن العام الماضي بالتزامن مع ارتفاع مبيعاتها، بحسب بيانات الولاية.

قال متحدث باسم شركة البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في بيان: "هناك عدد هائل من الفرص لخبراء الفضاء والعلوم والروبوتات والهندسة في "برايم إير" والتي تتضمن ابتكارات متطورة". فيما رفضت "أمازون" إجراء مقابلات مع المديرين التنفيذيين السابقين في "بوينغ".

تحتدم المنافسة على المواهب مع تكيف القطاع مع عالم غيّرَه الوباء، وقال بول سميث، نائب رئيس تطوير الأعمال في "بيك تكنيكال ستافينغ" (PEAK Technical Staffing)، وهي شركة توظيف متخصصة في الهندسة، إن مجال الفضاء يتجه إلى "مرحلة توظيف رئيسية".

أضاف سميث: "إننا نقضي الآن وقتاً في اختيار الأشخاص للوظائف الهندسية في هذه الأسواق أطول من أي وقت مضى لأنهم حقاً بدأوا في سرقة المواهب".

حققت "بوينغ" بعض الانتصارات في حروب المواهب، وفي نوفمبر، استحدثت منصب نائب رئيس جديد، لجناح حسين، وهو مخضرم سابق في "سبيس إكس"، و"تسلا"، و"غوغل"، ومؤخراً "أورورا"، وهي شركة سيارات ذاتية القيادة.

أدت أخطاء تصميمات البرامج والتشفير مراراً وتكراراً إلى مشكلات في الأداء، وهو ما حدث عندما أخطأ النظام وأمر طائرة "737 ماكس" بالهبوط، بالإضافة إلى أعطال طائرة التزويد بالوقود (KC-46)، وتأخر طرح طائرة "777X". كما تسببت تلك الأخطاء في تفويت كبسولة "ستارلاينر" نقطة الالتحام مع محطة الفضاء الدولية في أول رحلة لها في عام 2019.

مصير المعرفة

في دوره الجديد، يرسم حسين الإستراتيجية ويقود وحدة هندسية مركزية جديدة تساعد الأقسام الرئيسية الثلاثة في "بوينغ" على تطوير البرامج المثبتة في المنتجات التي تصنعها الشركة.

وكانت الاضطرابات أيضا بمثابة نعمة لأولئك الذين يتطلعون للانضمام إلى الرتب الهندسية العليا في "بوينغ"، حيث منحت الشركة 264 موظفا لقب زميل تقني العام الجاري، وهو شرف يميزهم كخبراء من الطراز الرفيع وغالباً ما يترجم إلى زيادة في الأجور، وفي بعض السنوات لا ينجح سوى اثني عشر شخصاً أو نحو ذلك في الفوز باللقب. وكانت الشركة قد فقدت 275 من هؤلاء المتخصصين أثناء الهجرة الجماعية العام الماضي.

قال تود زارفوس، نائب رئيس الهندسة المتقاعد: "لم أشعر بأي مخاوف عندما تركت "بوينغ" في ديسمبر الماضي بعد أكثر من 35 عاماً مع الشركة، فلدينا صفوف قوية من المواهب الهندسية، وهي شيء استثمرنا فيه أنا وزملائي القادة لضمان الاستمرارية من خلال الجيل القادم من القادة".

لكن لا يشاركه الجميع نفس التفاؤل، فبعد كل شيء يعني معدل دوران العمالة فقدان تلك المعرفة المكتسبة خلال عقود تصميم وبناء الطائرات شديدة التعقيد.

فيما قال راي غوفورث، مدير تنفيذي للنقابة التي تمثل مهندسي "بوينغ": "أفترض أن لديهم خططا لضمان عدم فقدان المعرفة، لكني لست على نفس الدرجة من الثقة".

لا يزال لدى "بوينغ" صفوف من الخريجين من كبرى كليات الهندسة، وبالتأكيد فإن اسم الشركة على السيّر الذاتية يفتح الأبواب، ورغم معاناتها في الآونة الأخيرة، فإن صانعة الطائرات لا تزال بين أكبر 10 شركات توظف خريجي جامعة واشنطن في 2021، أما الوجهة الأولى لدفعة العام الجاري فهي "أمازون".

الاكتفاء من لقطات القمر

يختمر مأزق المواهب الذي تواجهه "بوينغ" منذ سنوات، وبلغت عضويات نقابة "بوينغ" الهندسية ذروتها عند 22,985 مهندس أوائل العقد الماضي عندما تعاملت شركة صناعة الطائرات مع أزمات إنتاج طراز "787"، وطورت في نفس الوقت نماذج جديدة بما في ذلك "737 ماكس"، ومنذ ذلك الحين انخفض الرقم بنسبة 38% نتيجة نقل الإدارة العمل إلى فلوريدا وكاليفورنيا، وفي عام 2014 عندما كانت "سبيس إكس" المملوكة لماسك تضع أنظارها على المريخ، كانت "بوينغ" تركز على النقدية، بعد أن أعلن مديرها التنفيذي في ذلك الوقت، جيم ماكنيرني، أن الشركة اكتفت من السعي وراء "لقطات القمر" التي تحدث مرة كل جيل والتي طالما اشتهرت بها الشركة.

زادت شركة صناعة الطائرات من إنتاج طائراتها الأكثر ربحية في المصانع المضغوطة تقريباً حتى نقطة الانهيار، ما أدى إلى مبيعات قياسية. ونجحت تلك الاستراتيجية حتى سقطت طائرتان من طراز "737 ماكس" من السماء في غضون خمسة أشهر، وتسببت الحوادث المميتة، المرتبطة ببرنامج معيب للتحكم في الطائرة، في فجوة هائلة في إيرادات شركة "بوينغ" وأصبحت كابوسا في العلاقات العامة. وفي العام التالي، قضت جائحة كوفيد 19 على الطلب على الطائرة المربحة الأخرى التي تصنعها الشركة، "787 دريم لاينر".

وبالأخير، استنفدت الأزمتان 30 مليار دولار من السيولة وعززتا إطلاق أكبر عملية إصلاح داخلية منذ 11 سبتمبر 2001، وتسببت الانتقادات في تقلب أعمال الطائرات الخاصة بالشركة، وتضمنت الهجرة الجماعية في سياتل حوالي 6,000 حرفي، وفقاً لنقابتهم، الرابطة الدولية لعمال الميكانيكا والفضاء.

بينما يحذر المحللون من تأثير المغادرات في القسم الهندسي، فمن السابق لأوانه معرفة كيف يمكن أن تؤثر على آفاق "بوينغ" على المدى الطويل، بما في ذلك على المواجهة مع منافستها الأوروبية "إيرباص".

لم تخفض الشركة الأوروبية العمالة بقدر كبير، وهي تعمل الآن على تسريع الإنتاج في مصانعها لتتجاوز مستويات ما قبل الوباء. وتتمتع الشركة الصناعية، التي تتخذ من فرنسا مقراً لها، بطلبيات أعلى من طلبيات "بوينغ" بحوالي 50% من الطائرات ذات الممر الواحد، ما يمنحها فرصة نادرة لقيادة احتكار الطائرات.

في الوقت الذي عززت فيه "بوينغ" عمليات إعادة شراء أسهمها في العقد الماضي، كانت "إيرباص" تنفق أكثر من الشركة الأمريكية على الأبحاث كنسبة مئوية من المبيعات كل عام باستثناء عام واحد، وارتفعت أسهم شركة "إيرباص" بنحو 117% خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بـ 66% لـ"بوينغ".

قرارات صعبة

خفضت "بوينغ" العمالة بشدة على مر السنوات للنجاة من صدمات القطاع، وكانت عادة ما تستدعي العمالة مرة أخرى وتعيد توظيف المتقاعدين كمستشارين عندما يتركها التعافي بعدد قليل من الموظفين.

قال توم ماكارتي، مهندس متقاعد ورئيس سابق لرابطة المهندسين المحترفين في مجال الفضاء، وهي نقابة مهندسين: "هذا ميل لدى الشركة وهو تسريح الكثير جداً من العمالة بسرعة كبيرة".

"إيرباص" تتقدّم على "بوينغ" للفوز بصفقة الناقلة الإيطالية الجديدة

فيما يرى محلل الفضاء سيث سيفمان، أن الشركة لا تزال في "المراحل المبكرة إلى المتوسطة" من الانتقال تحت إشراف المدير التنفيذي كالهون الذي تولى منصبه في يناير 2020 بعد طرد سلفه دينيس مويلينبورغ بسبب كارثة 737 ماكس.

ويحل بريان ويست، وهو ملازم منذ فترة طويلة لدى "كالهون"، محل غريغ سميث المتقاعد مؤخراً كمدير مالي ومصمم رئيسي لخطة تحول "بوينغ".

وتعهد كالهون، المدير التنفيذي السابق لشركة "جنرال إلكتريك" والذي أدار مؤخراً محفظة ملكية خاصة في "بلاكستون"، بوضع أساسات صحيحة بدءاً من الهندسة الأساسية والسلامة إلى جودة التصنيع، واتخذ بعض القرارات الصعبة مثل إغلاق خط إنتاج بمنطقة سياتل لطائرة 787 دريملاينر وتحويل العمل إلى مصنع غير مرتبط بنقابة في ساوث كارولينا.

ومع تفاقم الأزمة العام الماضي، تخلى كالهون أيضاً عن استثمارات "بوينغ" المستقبلية، وأول ما تم هجره هو طائرة نفاثة متوسطة المدى تعرف باسم "NMA"، يليه الاستحواذ على شركة "إمبراير" (Embraer SA) بقيمة 4.2 مليار دولار، ثم أغلقت لاحقاً الوحدات التي انخرطت في أعمال رأس المال المغامر. واختارت "بوينغ" عدم دعم شركة "إيريون كورب" (Aerion Corp) لصناعة الطائرات الأسرع من الصوت بعدما أنفقت حوالي 300 مليون دولار لشراء حصة فيها، وفقاً لمصدر مطلع.

ولكن لم تكن تلك مجرد مشاريع عرضية وقعت تحت طائلة خفض التكاليف، وإنما قلصت "بوينغ" إجمالي إنفاقها على البحث والتطوير بنسبة 23% العام الماضي مقارنة بالعام الذي يسبقه، ويقول ريتشارد أبو العافية، محلل الطيران في "تيل غروب" (Teal Group)، إنه بالنسبة لشركة تعتمد بشدة على الابتكار، "كان هذا يشبه تناول مزارع لبذور الذرة اللازمة لزراعة محصول العام المقبل".

ومع ذلك، قال كالهون إن "بوينغ" لم تبخل على المشاريع الأكثر حيوية لمستقبلها، وقال الشهر الماضي: "نعلم أننا أصبحنا أكثر كفاءة، ونعتقد أنه يمكننا الحفاظ على جميع الاستثمارات المهمة التي أعتقد أن المستثمرين في "بوينغ" يعولون عليها".

جاذبية الآلات المعقدة

من المقرر أن ترسو "ستارلاينر" في المحطة الفضائية لعدة أيام قبل أن تعود إلى الأرض وتهبط في غرب الولايات المتحدة، ويمكن أن تساعد رحلة خالية من الدراما في استعادة بعض التباهي إلى قسم "بوينغ" الذي كان رائداً في رحلات الفضاء البشرية.

وفي الوقت الحالي، تواصل "سبيس إكس" جذب انتباه الجيل الجديد من علماء الصواريخ، ويقدر ألدرين، وهو نجل رائد الفضاء باز ألدرين، أن أكثر من نصف طلاب الهندسة الذين يقوم بتدريسهم بالقرب من ساحل الفضاء في فلوريدا يضعون أنظارهم على مشروع ماسك.

وقد تصبح المواهب التي فقدتها "بوينغ" محل تركيز أكبر إذا مضت الشركة المصنعة للطائرات قدماً في تطوير أول طائرة نفاثة جديدة كلياً منذ طرح طائرة 787 دريملاينر قبل ما يقرب من عقدين، وكانت عملية تصنيع واحدة من أكثر الآلات تعقيداً على هذا الكوكب بمثابة إغراء موثوق للمهندسين في الماضي.

وكالة أمريكية تكتشف مشكلة جديدة في طائرة "بوينغ" دريملاينر 787

ورسمت "بوينغ" تصورات لهذا النوع من الطائرات مجدداً في عام 2014 عندما تراجع ماكنيرني عن لقطات القمر، لكن كان ذلك بعد أسابيع من إعادة "سبيس إكس" لأول مرة صاروخاً من حافة الفضاء وأدارت هبوطاً مائياً ناعماً، وبالتالي أعادت تعريف الابتكار الصناعي الأمريكي، ورسخت نفسها كنجم لامع في كوكبة بدأ فيها اللاعب القديم الرائد في التلاشي.