تعرف على وايومنغ.. أكبر مواقع اختبار تقنية احتجاز الكربون

مركز الاختبار المتكامل لتقنيات احتجاز الكربون في ولاية وايومنغ الأمريكية، حيث تقع أكبر منشأة لاختبار التقنية على نطاق واسع في البلاد
مركز الاختبار المتكامل لتقنيات احتجاز الكربون في ولاية وايومنغ الأمريكية، حيث تقع أكبر منشأة لاختبار التقنية على نطاق واسع في البلاد المصدر: غيتي ايمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

نجح نموذج أولي لمرشح يمكنه سحب غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في احترار الكوكب من المداخن الصناعية، بأن يكون واعداً بما يكفي للفوز بمنحة قدرها 51.7 مليون دولار من وزارة الطاقة الأمريكية. وبعد مرور عقد من العمل على تطوير المشروع، حصلت شركة "ميمبراين تكنولوجي آند ريسيرتش" (Membrane) أخيراً على التمويل اللازم لإجراء اختبارات على مستوى كبير. وتقع هذه الشركة التي تقف وراء تقنية احتجاز الكربون الجديدة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

جميع الطرق تؤدي إلى وايومنغ

حصول الشركة على التمويل اللازم كان يعني أن عليها التوجه إلى بلدة جيليت في ولاية وايومنغ، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها حوالي 32 ألف شخص، وتعد الموقع الوحيد في الولايات المتحدة القادر على إجراء تجارب على أجهزة احتجاز الكربون على نطاق يقارب العالم الحقيقي. وكان البديل الوحيد أمام "ميمبراين" عوضاً عن إجراء التجارب في "مركز الاختبار المتكامل" في وايومنغ، وهو الاسم الذي تُعرف به المنشأة، يتمثل بأن تبني الشركة موقعاً تجريبياً خاصاً بها، وهو أمر سيكون باهظ الثمن.

عن ذلك، يقول برايس فريمان، مدير المنتجات في "ميمبراين تكنولوجي": "لا يمكنك الانتقال إلى المرحلة التجارية النهائية بدون إجراء اختبار مماثل". مضيفاً: "لولا هذا الموقع، لكان علينا اللجوء إلى القطاع الخاص. لذا فإن هذا يُحسّن حقاً من الترويج التجاري للتكنولوجيا، ويقلل من مخاطرها".

تقنية ضرورية

على مدى أكثر من عقد من الزمان، أيد الائتلاف العالمي للعلماء بالتعاون مع اللجنة الدولية للتغيرات المناخية المدعومة من الأمم المتحدة، ضرورة استخدام تقنيات احتجاز الكربون لتجنب أسوأ آثار ارتفاع درجات الحرارة على الكوكب. وبالرغم من أنها لا تزال غير مثبتة ومكلفة بشكل غير عادي، إلا أنه يمكن استخدام هذه الأجهزة لإزالة انبعاثات الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وإبعاد الغازات المسببة للاحتباس الحراري عن الغلاف الجوي. ويمكن بعد ذلك تخزين الكربون تحت الأرض، أو القيام ببيعه لأغراض تجارية.

وبشكل عام، يُنظر إلى احتجاز الكربون بنوع من الشك من قبل الجماعات البيئية، التي ترى أنها تمثل طريقة محفوفة بالمخاطر لإطالة أمد حرق النفط والفحم والغاز الطبيعي. ووجد تقرير حديث صادر عن "بلومبرغ نيوز" أن العديد من شركات تشغيل الكهرباء الكبرى في الولايات المتحدة، ممن لديها أهداف مناخية لصافي انبعاثات صفري، تقوم حالياً بتبرير خطط بناء محطات جديدة عاملة بالغاز، من خلال الاعتماد على تبنّي تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، التي لم تنتشر على نطاق واسع حتى الآن.

ولكن على الرغم من هذه المخاوف، أظهر كل من الكونغرس ومسؤولي الطاقة الفيدراليين دعمهم لتقنية احتجاز الكربون، التي تحظى بشعبية سياسية تحديداً في الولايات التي تعتمد اقتصاداتها على الوقود الأحفوري. كذلك، توجد حاجة ملموسة لتقنية احتجاز الكربون في القطاعات الصناعية الرئيسية، مثل الصلب والاسمنت، والتي ستواجه صعوبات شديدة في كبح الانبعاثات بوسائل أخرى.

في هذا الإطار، ضمن تقييم حديث لها، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن احتجاز الكربون في جميع أنحاء العالم سيحتاج إلى أن يرتفع من مستوى 40 مليون طن متري فقط من ثاني أكسيد الكربون سنوياً في عام 2020، إلى أكثر من 1.6 مليار طن متري بحلول نهاية هذ العقد، وذلك للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن. ولكن حتى الآن فإن تطور تقنيات احتجاز الكربون، والانتفاع به، وتخزينه لم تنتج ابتكارات ميسورة التكلفة كتلك التي أدت إلى خفض تكاليف الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح بشكل كبير.

استثمارات ضخمة ومواقع اختبار قليلة

لتشجيع التقدم في هذا المجال، قدمت وزارة الطاقة الأمريكية على مدى السنوات الخمس الماضية أكثر من نصف مليار دولار كمنح مالية لدعم تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه. بالإضافة إلى ذلك، قامت مجموعات العمل المنظمة مؤخراً بتقديم الدعم للتقنية من خلال اقتراح سياسة لبناء خطوط أنابيب لنقل الكربون الذي يتم احتجازه، وهي شبكة سيكون من شأنها أن تنافس كل البنية التحتية الحالية المخصصة لخطوط أنابيب النفط في الولايات المتحدة. ويدعم هذا الاقتراح كل من إرنست مونيز، وهو وزير الطاقة الأسبق في عهد الرئيس باراك أوباما، بالإضافة للاتحاد الأمريكي للعمل، ومؤتمر المنظمات الصناعية.

مع ذلك، فإنه حتى مع تقدم خطط البنية التحتية ومنح التنمية هذه، فإنه لا يزال هناك نقص أساسي في المنشآت اللازمة لاختبار التقنيات التي قد تسمح باحتجاز الكربون بكفاءة، وحاليا لا يوجد في الولايات المتحدة سوى موقعان فقط.

أحد هذين المرفقين، هو المركز الوطني الأمريكي لاحتجاز الكربون في ألاباما والذي يعمل منذ عام 2009، لكن لا يمكنه تطبيق الاختبارات إلا على نطاق محدود للغاية، يصل إلى مستوى 25 طناً مترياً من الكربون يومياً، أو ما يعادل التلوث الناتج عن حرق ألفين و813 غالوناً من البنزين.

المشاريع الكبرى

أما المنشأة الأخرى في وايومنغ فهي أحدث عهداً، حيث تم افتتاحها في عام 2018، ويمكنها اختبار تقنيات الاحتجاز على نطاق مقارب للاستخدام الواقعي. ويقول جيسون بيغر، العضو المنتدب لمركز الاختبار المتكامل: "نحن أكبر 20 مرة من أي من المنشآت الأخرى الموجودة في الولايات المتحدة". مضيفاً: "بالتالي، يمكننا قبول نوع المشاريع التي تخرج عن نطاق مقدرتهم للاختبار".

وهذا ما حدث مع شركة "ميمبراين تكنولوجي" قبل فوزها بالمنحة الفيدرالية في مايو الماضي، حيث اختبرت الشركة بالفعل تقنيتها سابقاً على أساس محدود في المركز الوطني لاحتجاز الكربون في آلاباما. وهي باتت الآن تحتاج إلى التوسع لمرحلة أكبر، والمكان الوحيد المتوفر في الولايات المتحدة لذلك موجود في وايومنغ. (يوجد مركز كبير آخر لاختبار احتجاز الكربون في مونغستاد بالنرويج).

يذكر أن ولاية وايومنغ تعد أكبر منتج للفحم في الولايات المتحدة، وهي مصدر لحوالي 40% من إمدادات الولايات المتحدة من الفحم، وقد طورت الولاية اهتماماً طبيعياً بتعزيز احتجاز الكربون وتخزينه. حيث يرتبط مركز الاختبار نفسه بمحطة "دراي فورك"، وهي محطة طاقة تعمل بالفحم خارج بلدة جيليت مباشرة، كما يتلقى المركز أموالاً من الولاية، بالإضافة إلى الدعم المالي الذي يتلقاه من المرافق الخاصة التي تبحث عن خيارات لإزالة الكربون.

اختبارات أكثر كفاءة

يتطلب تحويل تقنية احتجاز الكربون إلى أداة قابلة للتطبيق كميات هائلة من الاستثمارات، وفقاً لما أكده جون طومسون، مدير التكنولوجيا والأسواق في فريق عمل منظمة "كلين أير" غير الربحية الواقعة في بوسطن، والتي تمارس ضغوطاً من أجل سياسات إزالة الكربون المستندة إلى العلم.

ومواقع مثل مركز الاختبار المتكامل في وايومنغ يمكنها المساعدة في هذا الصدد. حيث يقول طومسون: "مراكز الاختبار فقط يمكنها أن تجعل الأبحاث ودولارات الاستثمارات النادرة أكثر كفاءة بكثير".

وفيما قد يبدو أنه يمكن اختبار تقنيات احتجاز الكربون في أي منشأة صناعية ذات مشكلة انبعاثات، والتي يوجد الكثير منها في كل مكان، إلا أن معظم هذه الشركات غير مستعدة لإجراء تخفيض في انبعاثاتها، وهو الأمر المطلوب لاختبار أدوات احتجاز الكربون.

في النهاية فإن لدى بيغر طريقة واحدة موثوقة ليخبرنا بأن الحاجة إلى مواقع الاختبار تفوق بكثير القدرات المتوفرة حالياً، إذ يقول: "في كل مرة تعلن وزارة الطاقة الأمريكية عن تمويل لأحد مشاريع احتجاز الكربون، فإن هاتفنا يكون الهاتف الوحيد الذي يرن دون توقف".