هل بلغ تعافي الاقتصاد العالمي من كورونا ذروته؟

بعد تهديد متحور "دلتا" للتعافي الاقتصادي العالمي، يبدو أنه قد حان وقت الهبوط
بعد تهديد متحور "دلتا" للتعافي الاقتصادي العالمي، يبدو أنه قد حان وقت الهبوط المصدر: غيتي إيمجز
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اعتدنا للتو فكرة الانتعاش الاقتصادي العالمي، الذي يقوم على التوسع المليء بأرقام مذهلة تُرى مرة كل بضعة عقود. ولكن من المؤسف جداً أنه ربما بلغ ذروته بالفعل.

في الواقع، يبدو أن المتاعب كامنة تحت سطح توقعات صندوق النقد الدولي التي تُظهر حالة جيدة في القوى التجارية الكبرى، إذ إن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيرتفع بنسبة 6% هذا العام، وهو تقدير لم يتغير عن شهر أبريل، وفقاً لتحديث صندوق النقد الدولي لتوقعات الاقتصاد العالمي.

وستظل هذه أفضل نتيجة خلال أربعة عقود، وهي ارتداد تام من الانهيار بنسبة 3.2% في عام 2020.

لِمَ لا نكتفي بقبول الأخبار الإيجابية فحسب عندما يمكننا الحصول عليها؟

رياح معاكسة

نظراً إلى الانتشار السريع لمتحور "دلتا" من "كوفيد-19"، فمن المحتمل أن يكون هذا هو أفضل سيناريو يمكن الوصول إليه، وهو أيضاً تحول في النغمة بعد شهور من الترقيات من المؤسسات الدولية والبنوك الاستثمارية ومؤسسات الصناعة.

وبينما كان صندوق النقد الدولي يضع اللمسات الأخيرة على تقريره، قال "معهد إيفو" الألماني إن المقياس الأوروبي الأول للثقة بالأعمال قد تراجع بشكل غير متوقع هذا الشهر.

كما سجلت كوريا الجنوبية، وهي مصدر كبير للتكنولوجيا، وتعتبر بشكل عام نجمة اقتصادية في حقبة الجائحة، نمواً مخيباً للآمال بعض الشيء في الربع الثاني، في حين انخفض تفاؤل المستهلكين في يوليو.

سواء كان توسع العالم يتوقف مؤقتاً ليلتقط أنفاسه، أو يواجه رياحاً معاكسة أكثر خطورة، فهو أمر مهم إلى حد كبير، إذ إن المعركة ضد كوفيد لم تحسم بالنصر بعد، مما يجعل الوقت غير ملائم بشكل خاص لأي تباطؤ.

فضلاً عن ذلك، قدّم صندوق النقد الدولي وجهة نظر واقعية حول كيفية تشتيت هذا الانتعاش.

توقعات متفائلة في الدول المتقدمة

وفي الواقع، إن الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا، التي كانت منذ وقتٍ ليس ببعيد محط سخرية بسبب معدلات نموها المتصلبة، تُحقّق أداءً أفضل من عديد من الأسواق الناشئة التي اشتهرت سابقاً بالعائدات الضخمة.

ومن المتوقع أن تحقق أمريكا أفضل نمو لها هذا العام منذ احتلال رونالد ريغان البيت الأبيض.

كذلك حصلت المملكة المتحدة على أكبر اندفاعة بين الاقتصادات الكبرى، ومن المتوقع أن تتوسع بنسبة 7%، في حين تواصل الصين أداءها الجيد، رغم أن الأداء هناك هو دون المستويات الأفضل سابقاً. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7% في عام 2022، انخفاضاً من 8.1% هذا العام.

"دلتا" يضرب الأسواق الناشئة

مما لا شك فيه أنه يمكننا أن نعزو التكهنات القاسية إزاء الأسواق الناشئة إلى متحور "دلتا" ومعدلات التطعيم دون المستوى المطلوب، إلى جانب القوة النارية المالية والنقدية المتفوقة المتاحة للغرب واليابان.

كما يعاني جزء كبير من جنوب شرق آسيا، إذ أصبحت إندونيسيا بؤرة عالمية للعدوى، وجرى تخفيض آفاق الهند.

وعلى غرار معظم البنوك المركزية، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون الطفرة في التضخم مؤقتة، مما يعكس سرعة الارتداد الاقتصادي العام والاختناقات التي خلقتها قفزة في الطلب.

الحذر لا يزال واجباً

وهنا يكون السؤال الضمني هو: مع احتمال بلوغ التوسع ذروته واستعار متحور "دلتا"، هل سيكون من الخطأ أن يتراجع صانعو السياسة عن التحفيز؟

قد تكون النافذة مغلقة أمام تطبيع أسعار الفائدة، إذا كانت مفتوحة أصلاً حقاً. وفي ظل الجائحة التي لم تروَّض فمن المنطقي السير ببطء في نهاية المعدلات القريبة من الصفر والتيسير الكمي.

حتى في بريطانيا، وبالنظر إلى علامة الاختيار الكبيرة من قِبل صندوق النقد الدولي، فإن قضية ارتفاع تكاليف الاقتراض هي أمر مشكوك فيه.

وفي خطاب وداع ألقاه يوم الإثنين، أكد غيرتجان فليغ، العضو المغادر في لجنة السياسة النقدية لبنك إنجلترا، ضرورة توخي الحذر، إذ قال أمام كلية لندن للاقتصاد: "لا يزال متحور الدلتا يسبب أضراراً صحية واقتصادية في كل من المملكة المتحدة وبقية العالم. وسيظل من المناسب الحفاظ على التحفيز النقدي الحالي في مكانه لعدة أرباع على الأقل، وربما لفترة أطول. وعندما يصبح التشديد مناسباً، أظن أنه لن تكون هناك حاجة إلى كثير منه".

ارتداد مفاجئ

ويمكن لمتحور "دلتا" أن يُفسد الأداء الاقتصادي في الدول المتقدمة أيضاً، إذ بدأ صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم بالنظر إلى أستراليا على أنها نوع من مختبر للنجاح، وبدا أن البلاد كانت في طريقها نحو العودة إلى حالة "النيرفانا" السعيدة بعد خروجها من الركود الناجم عن كوفيد في أواخر العام الماضي، حتى إن البنك الاحتياطي أعلن عن بدء تقليص مشترياته من السندات.

ومع ذلك عاد الفيروس إلى الظهور كتهديد بعد الطرح الفاشل للتطعيم، كما أعلن رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز يوم الأربعاء عن تمديد إغلاق سيدني لشهر آخر، في حين يقول الاقتصاديون إن هذا التقليص يبدو منتهياً قبل أن يبدأ.

حتى أولئك الذين لديهم القدرة على طباعة النقود، ليسوا في موقع مؤثر خلال هذه الدورة، بل المرض كذلك.

وسيكون من الفظاظة إنكار فوائد العام الوفير، وذلك على الرغم من كل عيوبه وتفاوتاته، فإن ذروة الانتعاش لا تعني حل المشكلة، بل تبدو بعيدة كل البعد عنه.