الصين لا تبالي بحجم خسائر المستثمرين

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سواء كنت من بين المستثمرين في السندات، أو كنت مستثمراً في الأسهم، فمن المحتمل أن الحكومة الصينية استنزفت أموالك هذا العام. على سبيل المثال، بعد أيام فقط من نجاح شركة "ديدي" (DiDi) في جمع 4.4 مليار دولار من خلال طرح عام أولي في نيويورك، بدأت بكين تحقيقاً حول ممارسات عملاق خدمات النقل بشأن حماية البيانات الخاصة، لتخسر "ديدي" نتيجة التحقيق حوالي 29 مليار دولار من قيمتها السوقية في أقل من شهر.

وفي 23 يوليو، أفادت تقارير رسمية بأن بكين كانت تخطط لإجبار الشركات العالمة في مجال التعليم، على أن تتحول إلى مؤسسات غير ربحية. ومن ثم خسرت بعض أكبر شركات التعليم الصينية المتداولة في الولايات المتحدة مثل "غايوتو تيكيدو" (Gaotu Techedu) و"نيو أورينتال إيديوكيشن آند تكنولوجي غروب" (New Oriental Education & Technology Group) و"تال إيديوكيشن غروب" (TAL Education Group)، أكثر من نصف قيمتها. ولاحقاً، في 26 يوليو، علمت شركة "ميتوان" (Meituan)، صاحبة أكبر تطبيقات توصيل الطعام، بشأن اعتزام الحكومة الصينية حماية عمّال الوظائف المؤقتة، لتفقد على الفور حوالي 30 مليار دولار من قيمتها السوقية.

ألا تبالي بكين بحجم الأموال التي خسرها المستثمرون الأجانب؟ وهل تريد الحكومة حقاً سد الطريق على الشركات الصينية ومنع وصولها إلى منظومة رأس المال العالمي العميقة؟ الإجابة المختصرة هي لا. فالحكومة الصينية لا تهتم بتلك الأمور. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ تسعى بكين إلى تحقيق أهداف أخرى من بينها كبح جماح قوة عمالقة التكنولوجيا وتعزيز الشركات الناشئة، وحماية المساواة الاجتماعية، وضمان عدم ارتفاع تكلفة المعيشة في المدن بشكل مبالغ فيه، بحيث لا تعود العائلات ترغب في إنجاب الأطفال. وفي هذا الإطار، ترتاب بكين بأمر الشركات التي تتقن جمع رؤوس الأموال في الخارج بمعزل عن رقابتها.

هناك ممارسة واحدة تقلق بشأنها الحكومة الصينية بشكل خاص، ألا وهي الهياكل المؤسسية للكيانات ذات المصلحة المتغيرة (variable interest entity)، أو (VIE)، الشائعة لدى شركات اليونيكورن الأحدث. وعبر هذه الهياكل، التي غالباً ما يتم تأسيسها في جزر كايمان، تقوم الشركات بجمع رؤوس الأموال وإدراج أسهمها في الخارج، وبالتالي، تقوم بضخ الأموال التي تجمعها في الاقتصاد الصيني لتطوير أعمالها التجارية.

قلق من رؤوس الأموال الأجنبية

في بعض الأحيان، قد تشعر الصين بأنه يتم الاستيلاء عليها من قبل الأموال الأجنبية الساخنة. على سبيل المثال، أرادت بكين تقليص الاستثمار في التعليم الربحي في وقت مبكر من عام 2018، لكن رؤوس الأموال الاستثمارية استمرت في التدفق. الآن، توقف هذا الرهان المربح.

وإذا ما أخذنا المخاطر الجيوسياسية في الاعتبار، فإنه بفضل ذلك الهيكل المؤسسي للكيانات ذات المصلحة المتغيرة التي تم تأسيسها في جزر كايمان، لم تكن "ديدي"، من الناحية النظرية، بحاجة إلى موافقة بكين على إدراج أسهمها في نيويورك. لكن مكتب اللجنة المركزية لشؤون الفضاء السيبراني الصيني، كان قلقاً بدرجة كافية بشأن أمن بيانات "ديدي" -مثل التعرض المحتمل لمواقع حكومية حساسة- لدرجة أنه اقترح على الشركة تأجيل الاكتتاب العام. وقد تجاهلت "ديدي" التحذير، ونعلم جميعاً كيف انتهى الأمر.

لقد بذلت بكين جهوداً كبيرة لترسيخ الانضباط في أسواقها، وتريد أن تشهد إدراج مزيد من شركات اليونيكورن الجديدة، وقيام تلك الشركات بجمع الأموال في البر الرئيسي الصيني. ومع ذلك، لا تزال الشركات تفضل نيويورك على شينزين، وهونغ كونغ على شنغهاي.

إذاً، ليس الأمر أن الصين تضمر العداء للأموال الأجنبية، وإنما تريد فقط إنذار أولئك الذين يبحثون عن ثغرات في الخارج. لتصبح الرسالة الجديدة، أنه إذا كنت ستستثمر في الصين، سيتعين عليك القيام بذلك عبر أسواق رؤوس الأموال التي تطورها البلاد. ولن يؤدي ذلك إلى تعزيز الاقتصاد المحلي فحسب، بل سيسمح أيضاً لبكين بالتأكد من ذهاب رؤوس الأموال إلى الصناعات التي تسعى إلى تطويرها، وبقائها بعيدة عن المجالات التي تعتبرها تهديداً للمصلحة العامة.